هل تنجح فرنسا في إنهاء العبث التركي بأمن المجتمعات الأوروبية؟
وأخيراً، بعد سلسلة من العمليات الإرهابية المتتالية، أعلنت فرنسا حربها الشاملة على التطرف، بكل أشكاله، بما في ذلك تيارات الإسلام السياسي الإخواني التي تحركها دول داعمة للإرهاب.
الخطوة الفرنسية جاءت عقب ذبح شخص متطرف لمعلم فرنسي، الأسبوع الماضي، وهو حدث ليس معزولاً، بل نتيجة لسنوات من العبث الخارجي بالمجتمع الفرنسي، وعلى رأسها تركيا وتنظيمات الإخوان المسلمين الإرهابية التي تعمل على منع اندماج المسلمين في المنظومات القانونية للدول التي تستقبل اللاجئين من كل أنحاء العالم الإسلامي.
وأدى العبث التركي بتنظيم الجاليات المسلمة، إلى تمكنها من اختراق قسم من الجالية المسلمة عبر تنظيمات الإخوان أو تلك التي تجند الإرهابيين للقتال إما في مناطق الحروب في الدول العربية أو تجنيدهم لمهام داخل الدول الأوروبية. والملاحظ أنه كلما توترت العلاقة بين فرنسا وتركيا، تشهد إحدى المدن الفرنسية عملية إرهابية، في تزامنٍ متكررٍ مثير للشبهات.
والأربعاء، أعلن مجلس الوزراء الفرنسي حلّ جماعة الشيخ ياسين المتهمة بالتورّط في قتل المعلم الفرنسي قرب باريس. خلال الإعلان عن الخطوة تحدث الناطق باسم الحكومة الفرنسية غابرييل أتال، عن أن الجماعة كانت منذ وقت طويل عبارة عن «واجهة مزيفة لما هو في الواقع أيديولوجيا معادية للجمهورية تنشر الكراهية». وأشار ماكرون الذي أعلن قرار حل الجماعة مساء الثلاثاء خلال جلسة مجلس الوزراء إلى أن «المذنب معروف: يدعم منهجياً تفكيك الجمهورية».
فقدان فرنسا السيطرة على إدارة جزء من سكانها المسلمين، وغالبيتهم يحمل الجنسية الفرنسية، يعود بشكل مباشر إلى الحرية التي منحتها الدولة الفرنسية لممارسة العقائد الدينية، بدون تدخل. إلا أن دولاً مثل تركيا، عملت طيلة عهد حزب العدالة والتنمية، على تحويل المساجد إلى ثكنات حزبية وأيديولوجية، تارة تستخدمهم ضد الأكراد في أوروبا، وتارة ضد الدول الأوروبية نفسها حين تكون أنقرة والإخوان تحت ضغوط الهزائم.
والهدف الرئيس لهؤلاء هو استثارة رد فعل من أجل مفاقمة الذعر من الإسلام، لأن الهدف التركي في النهاية هو تحقيق مصلحة تركية في تقسيم المجتمعات الأوروبية ودفعها إلى التفكك، ودفع الجاليات المسلمة إلى مواجهة مع الحكومات الأوروبية، وإثارة اليمين المتطرف في أوروبا الذي يستفيد من الإرهاب من أجل تدعيم موقفه المعادي للإسلام والمسلمين.
على سبيل المثال، تتحكم الأذرع الأمنية التركية بشبكة من المساجد والمنظمات في ألمانيا، وعبرها يتم تنسيق خطاب الكراهية في المجتمعات الأوروبية. ورصدت دراسة محكمة، أصدرها المركز الكردي للدراسات، في أغسطس 2019، بعنوان «حرب الدولة التركية ضد الكرد في ألمانيا» شبكة التنظيمات التركية المتخفية تحت ستار الإسلام، وتنفذ أجندة الدولة القومية التركية، وعلى رأسها إثارة الاضطرابات في أوروبا عبر ترهيب الدول الأوروبية بـ«الرموز المقدسة» الإسلامية.
ويقول الباحث طارق حمو في الدراسة إن الدولة التركية تدير داخل ألمانيا، وبشكل رسمي، مئات الجوامع والمنظمات والجمعيات الدينية. وتشرف وزارة الأوقاف التركية على إدارة وتسيير هذا العدد الكبير من المؤسسات، دون تدخل من السلطات الألمانية، وذلك وفق لتفاهم قديم يعود للستينيات. وتدير منظمة الاتحاد الإسلامي التركي 900 جمعية وجامع، وكذلك منظمة «نور الأمة» تدير مئات النشاطات المماثلة. في المحصلة، فقط هاتان المنظمتان تشرفان على نصف عدد المساجد المسجلة في ألمانيا برمّتها.
وفي السنوات الأخيرة، سيطرت تركيا على كافة تنظيمات الإخوان منذ وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة في عام 2002.
لا يدرك معظم من تم تجنيدهم في هذه الجمعيات والمنظمات، من الجاليات العربية والإسلامية، المعايير التي يتم بموجبها توجيه الخطب الدينية والتوجيهات التي تعقب الخطبة، في جلسات تضم الإمام وأشخاصاً تابعين له، داخل المساجد، أو خارجها، ولا يتم انتخاب الشخصيات القيادية بشكل شفاف من بين أبناء الجالية المسلمة، بالتالي يمكن توقع وجود مئات العناصر التابعين للأذرع التركية والإخوانية تدير نشاطات تحض على خطاب الكراهية.
ليس الغرض من خطاب الكراهية والتحريض ضد المجتمعات والدول الغربية، تحصيل حقوق للمسلمين أو تحسين أوضاعهم، بل في دفع الدولة إلى مواجهة مفتوحة مع المسلمين، حيث تراهن تركيا على أن الأجهزة الأمنية الأوروبية لن تستطيع التمييز بين المتطرفين الذين تجندهم أنقرة والإخوان، وبين المسلمين العاديين الملتزمين بقوانين الدول الأوروبية.
إلا أن النموذج الفرنسي في الحرب على التطرف يثبت خيبة أمل لتركيا. فالتحرك الفرنسي، وفق بيانات الأجهزة الأمنية، يتم وفق قاعدة بيانات دقيقة بخريطة التطرف في فرنسا، لتفادي ارتكاب أخطاء خلال عمليات تصفية الخطاب الإرهابي الذي تحركه تركيا والإخوان.
لذا، ليس غريباً أن يخرج أردوغان، ليتهم الرئيس الفرنسي بأنه يهدف إلى «تسوية الحسابات مع المسلمين».
الواقع وفق التوجهات الفرنسية، أن هناك تسوية حساب تتم فعلاً، لكنها مع الذين يتذاكون على السلطات الفرنسية والأوروبية، ويعتقدون أن لا أحد يرى نشاطهم التخريبي منذ سنوات، الهادف إلى تفكيك المجتمعات الأوروبية، وتحطيم القيم الحقوقية المدنية في المساواة وحرية العقيدة، وتحويل العالم إلى ساحة حروب دينية، تحقق تركيا من خلالها ما أطلق عليه رئيس الوزراء اليوناني، أمس، «الأوهام الإمبريالية».
عن “البيان” الإماراتية