سياسة

هل تكون “حماس” كلمة السر في ترميم علاقات تركيا مع إسرائيل؟


على الرغم من وصول العلاقات الثنائية بين إسرائيل وتركيا إلى مستويات متقدمة، بعد رغبة الأخيرة في إعادة ترميم العلاقات، بعد قطيعة دامت عدة أعوام، إلا أنّ خبراء ومختصّين في الشأن التركي، أكدوا أنّ الإدارة الأمريكية الجديدة ستتعاطى إيجابياً مع محاولات إسرائيل وتركيا ترميم العلاقات بينهم، خاصة أنّ حقبة الإدارة الأمريكية الجديدة، برئاسة جو بايدن، ستكون شائكة، وذلك على خلفية التوتر القائم في المنطقة، وستحاول واشنطن، المثقلة بالأعباء، إيجاد شركاء مؤثرين في المنطقة لتجاوز القضايا العالقة.

وتتوجس تركيا من فرض الإدارة الأمريكية الجديدة عقوبات كانت مؤجلة على تركيا، بسبب تجاوزاتها الكثيرة في الشرق الأوسط، مثل الأساليب المستفزة التي قام بها الرئيس أردوغان بالتدخل العسكري ضدّ أكراد سوريا، وتمادي أطماعه في التنقيب عن الغاز من خلال اختراق الحدود البحرية للدول المجاورة، وشراء منظومة الدفاع الصاروخية الروسية “إس 400″، إضافة إلى تحويل كنيسة آيا صوفيا إلى مسجد، والتي تركت جميعها أنقرة في خلافات قائمة مع واشنطن .

وتمتعت تركيا بحرية شبه مطلقة في ظلّ العلاقة الشخصية التي ربطت الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، بالرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، وحاولت تركيا خلال فترة حكم ترامب تجاوز الخلافات التي نشبت في عهد الرئيس باراك أوباما، وحافظت خلال الفترة الماضية على علاقات إيجابية مع أمريكا، لكن، الآن، ستضطر تركيا إلى السير بخطى أكثر حذراً، بعد وصول بايدن إلى البيت الأبيض، وتوقعات برسم مسار جديد للعلاقات الإستراتيجية في المنطقة.

الرئيس التركي قلق من بايدن

وقال محرر شؤون الشرق الأوسط في صحيفة “هآرتس”، تسيفي برئيل: إنّ الرئيس التركي قلق من وصول الرئيس جو بايدن إلى البيت الأبيض، حيث بدأ يشعر بالإغلاق السياسىي الذي يشتدّ حوله، ويحاول شقّ طرق جديدة يغير من خلالها صورة بلاده، خاصة بعد أن وعد بايدن ناخبيه بأنّه سيواجه مخططات أردوغان في المنطقة.

وأشار برئيل إلى أنّ؛ واشنطن ترى في تركيا مصدر تهديد، وأنّها ألحقت ضرراً بالناتو بسبب شراء منظومة الصواريخ المضادة للطائرات من روسيا، إضافة إلى سيطرتها على مناطق في سوريا ، واستهداف الأقلية الكردية، في حين يجبر التغيير الحاصل في الخريطة الجيو سياسية، مع وصول الإدارة الأمريكية الجديدة، إسرائيل على إعادة النظر في سياسة بايدن نحو تركيا، قبل أن تسارع إلى منح أردوغان شهادة قبول.

وذكر مركز “القدس” للشؤون الإسرائيلية؛ أنّ تركيا تجري اتصالات سرية مع إسرائيل، لتطلب منها التوسّط لإعادة ترتيب العلاقات التركية مع الإدارة الأمريكية الجديدة، وفتح صفحة جديدة في التعاون معها، وذلك بعد العزلة السياسية والاقتصادية التي تواجهها تركيا من دول الاتحاد الأوروبي والشرق الأوسط. 

في السياق ذاته؛ يقول الباحث في الشأن التركي والعلاقات الدولية، د. طه أوغلو: إنّ “العلاقات الأمريكية التركية تشهد حالة من الضبابية وعدم الوضوح، في ظلّ عدم تبلور سياسة أمريكية واضحة حتى الآن، بعد وصول إدارة الرئيس الأمريكي الجديد، جو بايدن، إلى البيت الأبيض والإستراتيجية التي سيتعاطى بها مع تركيا، إلا أنّ الحكومة التركية تأمل في تجاوز الصعوبات والنقاط الخلافية، التي وترت العلاقات بين الجانبين خلال السنوات الماضية، وأياً يكن التصور في تركيا عن طبيعة سياسة بايدن، تبقى الحقيقة القائمة أنّ عدداً لا يستهان به من التحديات سيفرض نفسه على البلدين، في وقت يحتاج فيه كلّ منهما إلى الآخر، وهو الأمر الذي يبقي الأمل قائماً بتحسن هذه العلاقات، ونقلها إلى مستوى أعلى، رغم وجود خلافات”.

تركيا تجاوزت الخطوط الحمراء

ويضيف أوغلو، في حديثه لـ “حفريات”: “أردوغان سيواجه عقبات من خلال تعامل الإدارة الأمريكية مع بلاده، على الرغم من وجود الجانبين، التركي والأمريكي، في حلف الناتو، إلا أنّ أمريكا ترى أنّ تركيا تجاوزت الخطوط الحمراء، ولن تكون متساهلة إلى حدّ ما بشأن الكثير من الملفات الشائكة، أبرزها؛ تصنيف تركيا لأكراد سوريا، الذين تدعمهم واشنطن في محاربة داعش، جماعات إرهابية، إلى جانب الاستفزازات والتدخلات العابرة للحدود في الشرق الأوسط “. 

د. طه أوغلو

ويشير الباحث التركي إلى أنّ “إسرائيل في الواقع تبدو غير معنية، في كلّ الأحوال، بالتفريط في علاقاتها مع دول الاتحاد الأوروبي، كاليونان وقبرص، من أجل ترميم العلاقة مع تركيا، والتي تتميز علاقاتها معها بالتوتر والتجاذب دائماً، كما أنّ الملف النووي الإيراني يعدّ من الملفات الأكثر جدلاً خلال المرحلة القادمة، ومن الممكن أن تلجأ إسرائيل إلى توطيد العلاقة أكثر مع الإدارة الأمريكية الجديدة على حساب علاقاتها مع تركيا، حتى تسهم في تحقيق مطالبها بإقناع بايدن بمنع العودة للاتفاق النووي مع إيران، مقابل المماطلة في ترميم العلاقة مع تركيا، كإرضاء لبايدن”. 

وأبلغ أوغلو “حفريات”؛ بأنّ “هناك إجماعاً داخل الرئاسة التركية، على ضرورة تحسين العلاقات مع إسرائيل، حتى تتمكن تركيا من إيجاد دور قوي لها في ملفات المنطقة الشائكة في شرق المتوسط وليبيا وجنوب القوقاز، وحتى مع الإدارة الأمريكية الجديدة، لكن في ضوء المتغيرات السريعة في المنطقة والعالم، وتحت وطأة الضغط الأمريكي، لربما يجد الحليفان السابقان نفسيهما أمام تحالف ضرورة جديد، لكن تبقى علامة الاستفهام قائمة ووجيهة بخصوص درجة التعاون ومستوى التحالف، الذي قد يضطر إليه الطرفان في ظلّ أزمة الثقة التي تفاقمت ووصلت حدّاً غير مسبوق خلال سنوات القطيعة، في الرجوع إلى نقطة الصفر بضغوط من الإدارة الأمريكية الجديدة”.

استبعاد فرض عقوبات على تركيا

ويستبعد الباحث التركي أن “تفرض واشنطن أية عقوبات في الوقت الحالي على تركيا، في المقابل يتوقع أن يعمل بايدن على دفع الطرفين التركي والإسرائيلي إلى العمل على طيّ صفحة الخلافات جانباً، أو ترحيلها إلى إشعار آخر، والتفرغ إلى الملفات الشائكة في المنطقة، وأهمها، بالنسبة إلى الرئيس بايدن، إيران، ومن الممكن أن تفرض الظروف إيجاد ساحة تعاون بين تركيا وأمريكا، للوصول إلى حلّ يعيد بناء علاقات مع إيران وأمريكا، بفضل التقارب الكبير بين تركيا وإيران، والتعاون في مجالات كثيرة بينهما، سواء من خلال العلاقات الاقتصادية المباشرة، أو من خلال التنسيق في سوريا”.

من جهته، يرى الباحث والمختص في الشأن التركي، د. أحمد أويصال، في حديثه لـ “حفريات”؛ أنّ “تركيا لم تعد ذاك البلد الذي يتأثر بسياسات القادم الجديد إلى البيت الأبيض، حتى على صعيد أمريكا لا يمكنها تهميش الدور التركي في الوقت الحالي، بل ستكون هناك انفراجة في العلاقات التركية الأمريكية، على خلفية دعوة الرئيس أردوغان بايدن إلى فتح القنوات الدبلوماسية والمصالحة في المنطقة، والدفع نحو تحقيق سلام بين تركيا وإسرائيل، وذلك في ظلّ تطورات ميزان القوى في العالم، وسياسات الإدارة الأمريكية الجديدة التي ستتبعها في منطقة الشرق، وحاجتها لإيجاد أصدقاء مؤثرين في المنطقة أمثال تركيا وإسرائيل، لمساعدتها في إيجاد حلول للقضايا العالقة”.

د. أحمد أويصال

ويشير الباحث أويصال إلى أنّ “مواقف بايدن التي أبداها خلال حملته الانتخابية من تركيا، قد لا يترجمها على أرض الواقع بعد تسلمه الحكم في الولايات المتحدة، بالنظر إلى اعتبارات وحيثيات سياسية عديدة، خاصّة أنّه يعرف تركيا جيداً؛ حيث زارها عدة مرات عندما كان نائباً للرئيس باراك أوباما، أكّد خلالها على أهمية العلاقات التركية الأمريكية، بالتالي، لن يحاول القفز على تاريخية هذه العلاقات الإستراتيجية، كونه يعي جيداً أهمية تركيا وقوتها وأدوارها في منطقة الشرق الأوسط والبلقان”.

أردوغان يرى في إسرائيل الملاذ

ويوضح أويصال؛ أنّ “الرئيس التركي يرى أنّ إسرائيل هي الدولة الوحيدة التي بإمكانها أن تمنح تركيا مقاربة في العلاقة مع إدارة بايدن، والتوصل إلى تفاهمات مع واشنطن بشأن تجاوزات تركيا العسكرية، التي بسببها فرضت واشنطن عقوبات على الصناعات العسكرية التركية، إلى جانب قضايا أخرى ستواجه تركيا، منها قضية الأكراد، والمعارضة والاتحاد الأوروبي، والحدود البحرية مع اليونان، كما أنّ التقارب بين دول الخليج وإسرائيل يمكن أن يؤثر سلبياً في العلاقات الاقتصادية بين تركيا وإسرائيل، خاصّة أنّ منتجات كثيرة يمكن لإسرائيل أن تستوردها من دول عربية أخرى بدلاً من تركيا، وهكذا ستظلّ معادلة العلاقات التركية الإسرائيلية معقدة ومتشابكة، وستحاول تركيا الدفع بها قدماً إلى حين إحداث اختراق في مسار العلاقات بين الجانبين.

وبسؤاله عن إصرار إسرائيل على إغلاق تركيا لمكتب حماس كشرط لاستكمال محادثات الاتفاق بين الجانبين، ووجهة نظر تركيا من ذلك، يقول الباحث التركي: “حركة حماس هي كلمة السر في عودة العلاقات التركية الإسرائيلية إلى سابق عهدها، في حين تتلكّأ إسرائيل حيال جهود تركيا، وتستغل رغبتها الملحة في العودة إلى بناء علاقات مع إسرائيل لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية، وترى إسرائيل أنّ هذا الشرط سيعمل على إضعاف نشاط حماس في الخارج، وإنهاء وجود قادتها على الأراضي التركية، والذين تتهمهم إسرائيل بتجنيد وتمويل الفلسطينيين في الضفة الغربية، للقيام بعمليات ضدّ الجيش الإسرائيلي”، لكن يتوقّع الباحث، أويصال، أنّ تركيا “لن تتعاطى مع هذا الشرط، ولن تقدم على إغلاق مكتب حماس لإعتبارات سياسية خاصة بها”.  

تابعونا على
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى