من الواضح أن سيناريو الانتخابات البرلمانية العراقية قد أعيد في لبنان، فبعدما خسر حلفاء إيران في بغداد، خسروا أغلبيتهم أيضا في مجلس النواب اللبناني، ومن الصدف أن تكون نسبة المشاركة في الاستحقاقين متشابهة إلى حد ما وهي فوق 40 بالمئة بقليل.
فبعد إعلان النتائج النهائية للانتخابات اللبنانية، أصبحت على يقين بتكرار أخطاء الماضي التي أدت بلبنان للوصول إلى الوضع الحالي من اقتصاد منهار وشعب غالبيته تحت خط الفقر، ورغم أن التفاؤل كان يرافق الشباب اللبناني بوجود تغيير محتمل في العملية السياسية بعد الانتخابات، وهذا ما كنا نأمله أيضا، لا أستطيع أن أتفاءل أو أؤمن بالتغيير في ظل بلد منهار اقتصاديا وسياسيا، وسلطة تتبع جهات خارجية تهدف إلى بقاء لبنان تحت مظلة الفقر والدمار الاقتصادي.
الانتخابات بوابة فترة أكثر إظلاما من الآن، ونسبة المشاركة المتدنية تثبت فقدان الأمل لدى غالبية اللبنانيين رغم إصرار العنصر الشاب على دعم وجوه جديدة، لكنها ستكون ضعيفة في ظل وجود كتلة سياسية كبيرة، لهم السلطة الأعلى سياسيا أمثال حزب الله وحركة أمل اللذين يتلقيان دعما إيرانيا صريحا، وبينهما تحالف قديم سبب العديد من المشاكل للبنان، والنتائج أفرزت أسماء جديدة نعم لكن ليست بقوة الوجوه العجوزة في البرلمان منذ سنوات.
المعركة الانتخابية كانت على أشدها رغم المقاطعة الكبيرة، لكن المناطق التي شهدت معركة انتخابية حقيقية كانت جميع المناطق غير الشيعية، ويرافق ذلك سيطرة حزب الله وحلفائه على مناطق الشيعة بقوة السلاح، وهذا شيء معلوم، ورغم ذلك الواضح أن حزب الله لن يكون في حالة قوة بعد الانتخابات، حيث خسر مقعدين في مناطقه.
وينظر إلى أول انتخابات منذ انتفاضة 2019 على مستوى البلاد لتحديد مصير النخبة السياسية، على أنها فاسدة وغير ناجحة في ظل سيطرة أجنحة سياسية على قلب العمل السياسي في لبنان، سواء من جهة الأحزاب الشيعية أو الأحزاب المسيحية، ورغم ذلك فإن العمل السياسي في لبنان أصبح له وجهان لا ثالث لهما، هما حزب الله والمتحالفون والوجه الآخر القوى المعارضة له، وهي أيضا متناثرة على عدة أطراف لكنها تتفق في معارضة الحركات الإيرانية.
كما أن نسبة المشاركة المتدنية تعطينا صورة واضحة عن أن اللبنانيين باتوا يدركون واقعهم السياسي، وأصبحوا يعلمون أن المشاركة في الانتخابات لم تعد تجدي نفعا، وهذا الأمر نتيجة تجارب سابقة، ولولا “المال السياسي” لوجدنا نسبة أقل للمنتخبين.
لا أستبعد حصول انسداد سياسي مشابه للعراق في الفترة المقبلة، ونحن أمام مرحلة “الثبات للأقوى”، ولن يمر تشكيل الحكومة اللبنانية المقبلة بسهولة، وستقوم الأطراف السياسية الكبيرة بالعمل على إيقاف أي فرص لتشكيل حكومة من دونها، رغم أنها لم تعد تملك الأغلبية مثل السابق، لكن سيؤدي ذلك إلى تظاهرات شعبية تخرج عن صمتها تجاه الوضع الحالي في البلاد التي تمر بمنحنى خطير.
وأعتقد أن كلام رئيس كتلة الوفاء للمقاومة التابعة لحزب الله محمد رعد بعد الانتخابات، الذي قال انتبهوا لخطابكم وسلوككم ومستقبل بلدكم، ولا تكونوا وقودا لحرب أهلية، نتقبلكم خصوما في المجلس النيابي لكن لن نتقبلكم دروعا للإسرائيلي ومن وراء الإسرائيلي، هو أول تهديد يخرج من حزب الله حول نتائج الانتخابات، وبداية التشنج السياسي في لبنان، وتأكيد على أنهم غير راضيين على فقدانهم للأغلبية النيابية.
كما لا أستبعد الذهاب إلى خيار الانتخابات المبكرة في حالة خروج تظاهرات شعبية وعدم وجود توافق سياسي، وهذا المحتمل لكن الأكيد هو أن الانتخابات أظهرت حجم السخط على حزب الله وحلفائه، كما أنها رسالة واضحة لهم على أن القادم سيكون نهايتهم السياسية في ظل اختراق الحركات الشبابية للبرلمان بمقاعد قليلة لكن ستزداد إذا ما ذهب لبنان لخيار الانتخابات المبكرة.
المجتمع الدولي يتابع ما يجري في لبنان، ورغم الوعود السابقة التي قدمت بدعمه ليعود، فإن المجتمع الدولي لن يهتم بالشكل المطلوب بلبنان وشعبه وسط انشغاله بالأزمة الروسية الأوكرانية، وهنا على اللبنانيين إدراك معنى ذلك وهو أنهم لوحدهم في معركتهم الحالية في مواجهة العملية السياسية التي جعلت البلد يصبح مفلسا، لذلك أرى أن التغيير سيكون صعبا خلال الفترة المقبلة، التي لن تكون سهلة إنما أصعب من الفترة الأخيرة، وستؤدي إلى انفجار وطوفان شعبي لن يتوقف إلا برحيل من هم السبب في دمار لبنان.