سياسة

هل تحولت تركيا لدولة مافيات؟!


أطلقت السلطات التركية قبل أيام سراح علاء الدين تشاكيجي، زعيم أكبر مافيا تركيّة، بعد دخول قانون عفوٍ جديد في البلاد حيّز التنفيذ بعد إقراره في البرلمان قبل نحو أسبوعين، وذلك على الرغم من رفض واعتراض 3 أحزابٍ من المعارضة التركية على التعديلات المقترحة ضمن مشروعٍ طرحه حزب “العدالة والتنمية” وحليفه حزب “الحركة القومية”.

ويبلغ عمر عرّاب المافيا التركية 67 عاماً وكان مسجوناً منذ سنوات بعد ترحيله من دولةٍ أوروبية إلى بلاده على خلفية أنشطته المافيوية في الخارج، وسيطلق معه بالتوازي سراح نحو مئة ألف سجين آخر جلّهم من مرتكبي جرائم جنائية بشعة، كالاغتصاب والقتل والسرقة والاتجار بالبشر وغيرها من الفظائع، بالإضافة لزعماء مافيات أخرى أيضاً.

وكان يسعى حزب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مع حليفه دولت بهجلي لتمرير هذه التعديلات في البرلمان منذ أكثر من عامين، لكنهما فشلا في ذلك حينها، ولولا انتشار فيروس كورونا المستجد في البلاد هذه الأيام، لم يكن سيمر هذا القانون من البرلمان بهذه السهولة والعجالة.

فقد استغل أردوغان وحليفه، انتشار الوباء المميت في تركيا وسارعا إلى استخدامه كمحاولة انقلاب على حكومتهما ونجحا في تمرير القانون الجديد في البرلمان رغم اعتراض حزبي “الشعب الجمهوري” المعارض و”الشعوب الديمقراطي” المؤيد للأكراد ومعهما حزب “الخير”.

إن هذا القانون، بموجب بنوده السبعين، يشمّل مرتكبي جرائم خطيرة وبشعة، ويستثنى منه كلّ معارضي أردوغان من الأكاديميين والصحفيين ورؤساء البلديات المنتخبين ونواب البرلمان وقادة الأحزاب المعتقلين وكلّ منتقدي الحكومة التركية القابعين في السجون. ونتيجة هذا الأمر، نددت منظمات حقوقية معروفة بهذا القانون أبرزها “العفو الدولية” باعتبار أنه لا يشمل شريحة كبيرة من الذين يجب الاستفادة منه وإطلاق سراحهم.

المفارقة أن فيغان يوكسك داغ، السياسية التركية المعروفة والرئيسة المشتركة السابقة لحزب الشعوب الديمقراطي ومعها صلاح الدين دميرتاش الرئيس الأسبق للحزب ذاته، معتقلان منذ نحو 3 سنوات ونصف رغم أنهما كانا يتمتعان بحصانة نيابية عند احتجازهما. ومع ذلك لا يشملهما هذا القانون، حالهما حال الآلاف من معارضي أردوغان الذين لم يرتكبوا فعلياً أي جرائم!

ويضاف إلى هؤلاء المعارضين، رؤساء البلديات المنتخبون وقد اعتقلت أنقرة بعضاً منهم خلال الفترة الماضية دون وجود أي سبب جرمي ملموس وأيضاً لا يشملهم هذا القانون ولا يستطيعون الاستفادة منه. 

المضحك في القضية أن رؤساء البلديات قبل ترشّحهم يستحصلون على موافقة الترشح من وزارة الداخلية التركية وهذا ينفي وجود ملاحظات في سجلاتهم القضائية سواءً كانت جنائية أو من ناحية تورطهم بممارسة أنشطة إرهابية، بينما قانون العفو يعيد الحرية لزعماء المافيات ومرتكبي الجرائم علماً بأن رؤساء البلديات المسجونين خلال فترة الانتخابات لم توجه لهم أي تهم، ولكن بعد فوزهم باتوا “إرهابيين” بنظر الحكومة التركية، دون أن يرتكبوا أي جرائم أيضاً.

يبدو أن كل من ينتقد أردوغان وسياسته يصبح “إرهابياً” حتى لو لم يكن، وعلى سبيل المثال يعاقب القانون التركي مواطنيه بتهمة “إهانة الرئيس”، إذ يتم محاكمة والتحقيق مع عشرات الآلاف واعتقال الآلاف من المواطنين بهذه التهمة الجاهزة عند الطلب.

واللافت أكثر أن زعيم المافيا المفرج عنه حديثاً كان قد دعا الأتراك للتصويت لصالح مرشح أردوغان في الانتخابات البلدية المكررة في إسطنبول العام الماضي، وهذا أمر يترك الكثير من إشارات الاستفهام ومنها هل هناك حكومة في العالم تدعمها المافيات كما في حالة تشاكيجي وانتخابات بلدية أردوغان؟

إن من يطّلع على بنود القانون الجديد ويتعرّف على الفئة التي يشملها وتستطيع الاستفادة منه، حتماً سيسأل هل أصبحت تركيا فعلاً دولة مافيات؟ لا سيما وأن رئيس حزب يشارك في الحكومة قام بزيارة زعيم مافيا مثل تشاكيجي في سجنه، كما فعل بهجلي، حليف أردوغان.

سيكون لهذا العفو عواقب كارثية على المجتمع التركي، فالذين أطلقت السلطات سراحهم، كانوا قد ارتبكوا أبشع الجرائم في وقتٍ سابق وأردوغان شخصياً يعرف ذلك لا سيما وإنه قال حرفياً في غضون مساعيه لتمرير هذا العفو قبل إقراره في البرلمان “أرجو ألا تسوّدوا وجهنا”. ومع ذلك أحد الذين تمّ إطلاق سراحهم مؤخراً قتل صديقه بعد مرور يومٍ واحد من خروجه من السجن بمدينة إزمير نتيجة خلافٍ شخصي بينهما!

نقلا عن العين الإخبارية

تابعونا على

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى