هكذا تتوغل تركيا في لبنان
تخطو تركيا على غرار إيران لنشر نفوذها الاستعماري خارجيا، من خلال إنشاء المؤسسات الثقافية
والخيرية والتعليمية؛ وذلك لتحقيق حلم إحياء «الإمبرواطورية العثمانية» المزعومة؛ ووجدت أنقرة في لبنان ضالتها وتحديدًا في الشمال؛ حيث أكبر نسبة للتيارات السنية وتحديدا في مدينة «طرابلس» وفي الجنوب مدينة «صيدا».
إدارة تركية وتمويل قطري
وتمتلك تركيا العديد من الجمعيات الخيرية والمؤسسات الثقافية في لبنان؛ بهدف فرض نفوذها على المدن خاصة التي يوجد بها كتل لا بأس بها من السنة؛ وما يسهل الأمر أن لبنان به خلفيات طائفية متعددة.
ورغم عدم وجود إحصاءات دقيقة للعدد الإجمالي للجمعيات الخيرية التركية في لبنان؛ فإن الموقع اللبناني المعارض «عربي برس» أعلن في نوفمبر 2018؛ حصوله على معلومات خاصة تفيد بوجود شبكات خيرية وتعليمية ودينية تديرها المخابرات التركية وتمولها قطر في الأراضي اللبنانية؛ مبينًا أن هناك «جماعة علمائية» تضم 800 شيخ سني ينتشرون فوق كافة الأراضي اللبنانية ويؤمون المساجد ويديرون الجمعيات الخيرية، ودعموا طوال السنوات الثمانية الماضية منذ عام 2010؛ تواجد تنظيمات قاعدية في لبنان وتظاهروا من أجلها وانتفضوا حين اعتقل الجيش اللبناني عناصر منها.
وبحسب المعلومات التي حصل عليها الموقع، فإن هؤلاء مسجلين رسميًا كمنظمة لبنانية، رغم أن مرتباتهم يحصلون عليها من الدوحة ويديرهم موفدون آتراك تابعون للاستخبارات وينسقون مع «ياسين أقطاي» مستشار الرئيس التركي «رجب طيب أردوغان» ونائبه في حزب العدالة والتنمية.
أذرع ثقافية
أنشأت تركيا مراكز ثقافية لتعليم اللغة التركية، والترويج للثقافة التركية وتقديم منح دراسية مع إعطاء الطلاب تسهيلات للدراسة في المراكز الواقعة بالشمال اللبناني، فهناك المركز الثقافي التركي «معهد يونس أمره الثقافي» في بيروت؛ الذي يعمل لتحقيق المخطط التركي؛ إذ أنه يعلن دائمًا على صفحته بموقع «الفيسبوك» عن بدء قبول طلبات للراغبين في الانتساب إليه لتعلم اللغة التركية مع تقديم العديد من التسهيلات لتشجيع اللبنانيين للانضمام إليه.
جمعيات خيرية
ووضعت أنقرة نصب أعينها على اللاجئين الفلسطينيين والسوريين الموجودين في مخيمات بمختلف الأراضي اللبنانية؛ حيث وظفت جمعياتها الخيرية من أجل السيطرة على هؤلاء تحت شعار المساعدات الإنسانية والمشاريع الإنمائية والتعليمية والثقافية.
وكان لجمعية «حجر صدقة (Sadaka Taşı) التركية» برئاسة «كمال أوزدال»؛ الدور الأكبر لتنفيذ المخطط التركي؛ حيث قامت هذه الجمعية في يونيو 2016 بإعطاء العائلات اللاجئة السورية والفلسطينية في منطقة «كترمايا» بمحافظة جبل لبنان (في الوسط)، مساعدات غذائية، كما دشنت في أكتوبر 2015 مدرسة «الأقصى» لأطفال اللاجئين الفلسطينيين، في مخيم برج البراجنة (أكبر المخيمات في العاصمة اللبنانية بيروت).
وأشار «أوزدال» رئيس الجمعية أن جمعيته “قدمت هبة لبناء المدرسة بشكل كامل، بقيمة 250 ألف يورو، مشيرا إلى المبلغ تم جمعه من المتبرعين الأتراك.
وهناك أيضًا «جمعية توحيد شبيبة» في منطقة الدبية جنوبي بيروت ويرأسها «ملك النمر» وهي موظفة اجتماعية تركية، أنشأت بهدف مساعدة أطفال اللاجئين الفلسطينيين الذين يحصلون على درجات علمية مرتفعة، في الحصول على تعليم ثانوي جيد بهدف منحهم فرص للالتحاق بأفضل الجامعات على الصعيد المحلي والعالمي.
وما سبق يوضح أن أنقرة تعمل على استغلال الأطفال ليكونوا حاملين للثقافة والفكر التركي؛ وبالفعل في افتتاح حفل «مدرسة الأقصي» رفع أطفال اللاجئين الفلسطينيين، الأعلام التركية مرددين هتافات الشكر والتقدير للدولة التركية ورئيسها «أردوغان».
وفي مارس 2010 دشنت أنقرة «جمعية الصداقة اللبنانية التركية» في مدينة صيدا، بحضور سفير تركيا في لبنان في ذلك الوقت «سليمان إنان أوز»، بهدف تعزيز وتفعيل العلاقات التي تربط بين الشعبين التركي واللبناني؛ والتي تسعى للقيام بكافة النشاطات العلمية والثقافية والاجتماعية، كما تعلن تقديمها دعما خيريا للفقراء والأيتام؛ إضافة لقيامها بتأسيس مكتبة علمية وثقافية تضم المؤلفات العلمية والنشرات الدورية العربية والتركية.
وهناك أيضا بعض الجمعيات الأهلية التركية التي تزعم عملها في الأنشطة الخيرية والتعليمية والتوعية والاجتماعية؛ منها «جمعية دورس الخيرية الاجتماعية» و«جمعيةالإخوة اللبنانية-التركية» و«الجمعية الثقافية اللبنانية-التركية» و«وكالة التنمية التركية»، وفي محاولة لاحتواء الأقلية التركمانية ذات الأصول التركية؛ دشنت أنقرة لهم بعض الجمعيات يأتي من بينها؛ «الجمعية التركمانية-اللبنانية»، و«جمعية انماء حوارة التركمانية».
ودوافع النظام التركي من استغلال الجمعيات الخيرية هي مسح الهوية العربية وأحياء الصراعات الطائفية، وتجلي ذلك واضحًا في الدعم التركي لجمعية حراس المدينة التي يرأسها السفير التركي لدي لبنان «محمد شوك أبو محمود»، وقد قامت خلال المظاهرات اللبنانية بتأجيج الصراع الداخلي وإثارة الرأي العام ضد القيادة السياسية اللبنانية.
أهداف تركية إيرانية
هشام النجار، الباحث المتخصص في الحركات الإسلامية، أوضح أن تركيا لا تترك أي بلد عربي مأزوم ويعاني مشكلات داخلية وحبذا لو كانت هناك صراعات بخلفيات طائفية، للدخول واللعب على وتر المظلومية السنية وتقديم نفسها كحامي السنة ومنقذها من الاضطهاد وهي ذاتها خطة داعش ونفس أسلوبه.
ولفت «النجار» في تصريح لـ«المرجع»؛ أن الداخل اللبناني لم يعد يتحمل المزيد من التعقيدات في الملف الطائفي وحل مشاكله في الأساس تكمن في امكانية الخروج من هذا النفق ودخول تركيا على الخط؛ لصالح تثبيت النفوذ الايراني وحضور «حزب الله» كطرفين يتغذى كلاهما على الآخر، وتفكيك المشهد الطائفي والبدء في ترسيخ الدولة الوطنية المدنية بحضور تدخل خارجي متطرف جديد.
وأضاف أن كلا من ايران وتركيا تلعبان نفس اللعبة وكلاهما يدخل من نفس المدخل على طرفي تناقضات الحالة السنية والشيعية لتثبيت النفوذ والتدخل في الشأن العربي، ولاشك أن هذا له مردوده السلبي على الداخل التركي لأن هناك تنوعات عرقية وطائفية في أنقرة.
عن موقع “المرجع”