هجوم مالي.. بداية مرحلة جديدة من العنف في الساحل الأفريقي؟

ناقوس خطر يعيد خلط الأوراق في مالي البلد المضطرب حيث تتداخل التنظيمات الإرهابية مع الجماعات الانفصالية لتشكل مشهدا بالغ التعقيد.
ففي مشهد دموي يعكس تصاعد التهديدات الأمنية في قلب الساحل الأفريقي. دوى هجوم جماعة “نصرة الإسلام والمسلمين” على معسكر “ديورا” وسط مالي، في مؤشر ينذر بتصاعد خطر الفصيل المرتبط بتنظيم القاعدة.
والهجوم يعتبر من أكثر الاعتداءات دموية في تاريخ الأزمة الأمنية. التي تشهدها البلاد منذ 2012، حيث قتل ما لا يقل عن 41 جنديًا ماليًا. بينهم قائد المعسكر ونائبه، وفقًا لمصادر أمنية محلية.
-
صراع النفوذ يحتدم.. تركيا تزاحم روسيا في دول الساحل الأفريقي
-
داعش يسعى لبسط نفوذه في الساحل الأفريقي.. كيف ذلك؟
وبينما كانت الأنظار متجهة نحو تراجع الدعم الدولي وانكماش العمليات الفرنسية. باغت التنظيم الجميع بعملية أظهرت قدراته المتجددة، وكشفت هشاشة المنظومة الدفاعية في مالي.
وتبنّت جماعة “نصرة الإسلام والمسلمين” هذا الهجوم. مؤكدة سيطرتها على المعسكر بشكل كامل، في مشهد أثار العديد من التساؤلات حول قدرات هذه الجماعة وأهدافها المتجددة.
فهل يحاول التنظيم إعادة التموقع أم أنه يستعرض قوة تسبق مرحلة توسع جديدة في ظل تنام لافت للهجمات المتزامنة بالجارة بوركينا فاسو، على وقع تراجع التنسيق الإقليمي .وانهيار الهياكل الأمنية المشتركة.
«رسالة قوة»
في تعقيبه على التطورات، يرى الدكتور إبراهيم مايغا، باحث أول في “معهد الدراسات الأمنية” (ISS) في باماكو بمالي. أن “الهجوم على معسكر ديورا يعد نقلة جديدة في التكتيك الذي تعتمده جماعة نصرة الإسلام والمسلمين”.
ويقول مايغا، المتخصص في الأمن الإقليمي والحوكمة والجماعات المتطرفة بمنطقة الساحل. إن “اختيار توقيت الهجوم، وتنفيذه بهذه الدرجة من التنسيق. يُظهر أن التنظيم أعاد بناء قدراته الميدانية وأصبح يملك قدرة على الضرب في العمق، حتى في ظل وجود قوات نظامية”.
ولفت إلى أن “غياب أي دعم جوي أو تعزيزات للجنود. المستهدفين يكشف عن وجود فجوات خطيرة في منظومة الإنذار والاستجابة داخل المؤسسة العسكرية”.
-
الجماعات المسلحة في الساحل الأفريقي: لماذا تستهدف الأوروبيين؟
-
الساحل الأفريقي بين الانفلات الأمني والتجنيد العرقي: أرض خصبة للتطرف
وتابع: “الجماعة تسعى بوضوح لإثبات أنها الفاعل الأكثر تنظيماً في الساحة. مستغلة الفراغات الأمنية وتشتت القوات المالية بين جبهات متعددة. هذا الهجوم ليس فقط رسالة قوة، بل أيضًا خطوة استباقية للسيطرة على مواقع استراتيجية في وسط البلاد”.
تقاطع
طرحٌ يتفق فيه معه البروفيسور باسيلي بيهو. مدير “مركز الدراسات الأمنية الأفريقية” في جامعة أبوجا النيجيرية، بالقول إن “ما يجري في مالي الآن هو نتيجة لتقاطع الأزمات الأمنية والسياسية في منطقة الساحل” الأفريقي.
وأوضح بيهو أن “جماعة نصرة الإسلام والمسلمين تستفيد من التنافس بين الجماعات المسلحة والانفصالية. مستغلة تراجع التنسيق الإقليمي بين الدول المتأثرة”، في إشارة إلى بوركينا فاسو والنيجر.
-
التوترات بين المنظمات الإرهابية تزيد من عدم الاستقرار في دول الساحل الأفريقي
-
الساحل الأفريقي تحت تهديد الإرهاب المتزايد: هل تصبح الثغرة القديمة نقطة انطلاق الفوضى؟
وأشار إلى أن “الهجوم على ديورا يُظهر أن الجماعة قادرة على التكيف مع المعطيات الميدانية. بل وفرض واقع جديد”.
وبالنسبة للخبير، فإنه “من المهم الإشارة إلى أن الجماعة. لا تستهدف فقط منشآت عسكرية، بل تسعى إلى ترسيخ نفوذها وسط المجتمعات المحلية عبر بث الرعب واستغلال انعدام الثقة في الدولة. هذا يُنذر بتوسع نموذج “اللا دولة”. حيث يحلّ التنظيم محل السلطة المركزية في بعض المناطق”.
ويأتي الهجوم على معسكر “ديورا” بعد أيام قليلة فقط من هجوم مباغت آخر استهدف موقعًا عسكريًا في بوركينا فاسو المجاورة. ما يعزز فرضية أن الجماعة الإرهابية تسعى إلى إثبات قدرتها على تنظيم صفوفها وتوسيع نطاق عملياتها جغرافيًا.
وأكد شهود عيان ومصادر محلية أن المسلحين تحركوا بحرية بين المعسكر. وبلدة ديورا طوال يوم الهجوم، دون أن يواجهوا مقاومة تذكر. في غياب تام لأي دعم جوي أو تعزيزات عسكرية للقوات المستهدفة.
هجوم منسّق ورسالة واضحة
بحسب الصور والفيديوهات التي بثّها التنظيم عبر قنواته الدعائية. فقد أظهرت مشاهد مروّعة عشرات الجنود القتلى. بالإضافة إلى عرض غنائم الحرب من عربات عسكرية وأسلحة وذخائر ومستندات وهواتف محمولة.
وفيما لم يتسن التأكد من صحة تلك المقاطع والصور. إلا أن مصدرا أمنيا ماليا وصف، في تصريحات إعلامية سابقة، الهجوم بـ”الرهيب”. مؤكدا أن المعسكر “تمّت سرقته بالكامل”، في إشارة إلى حجم الخسائر المادية والبشرية.
-
الإرهاب ودول الساحل الأفريقي الغربي
-
تصاعد هجمات نصرة الإسلام يسلّط الضوء على تنامي الإرهاب في الساحل الإفريقي
ولم يصدر الجيش المالي أي بيان حول الهجوم حتى الآن. فيما أعلن في بيان أصدره السبت الماضي، “تحييد عدد من الإرهابيين” في عملية أخرى قرب مدينة “سوفارا” الواقعة أيضا في إقليم موبتي.
من جهة أخرى، تعرّض معسكر “سومبي” العسكري في منطقة تمبكتو (شمال)، صباح الإثنين، لهجوم عبر طائرات بدون طيار (درون)، تبنّته هذه المرة “جبهة تحرير أزواد” الانفصالية. ما يشير إلى أن الدولة المالية تواجه الآن تحديات متوازية من الجماعات الإرهابية والانفصالية على حد سواء.
-
تغير في استراتيجيات “داعش” و”القاعدة” في الساحل الأفريقي
-
بعد الانقلاب: بوركينا فاسو تعود إلى جذور حركات التحرر الأفريقية
تطورات تعيد بدورها صياغة نقاط التوقف، لتصبح الأسئلة المطروحة اليوم لا تتعلق فقط بمكان الهجوم وتوقيته. بل أيضا بمدى قدرة جماعة “نصرة الإسلام والمسلمين” على الاستفادة من الانقسامات السياسية والأمنية في مالي لتوسيع نفوذها.
وتطرح طبيعة الهجوم على “ديورا” تساؤلات حول نوايا التنظيم في فرض حضور عسكري جديد بمناطق استراتيجية خارج معاقله التقليدية، مثل شمال مالي. والانتقال إلى وسط البلاد وصولا إلى الحدود مع بوركينا فاسو.