نشرت صحيفة نيويورك تايمز وقائع أكبر فدية في التاريخ تدفعها قطر لدعم الإرهاب، وذلك تعليقاً على دفع الدوحة مئات الملايين من الدولارات لجماعات إرهابية في العراق مقابل الإفراج عن رهائن قطريين، معززة ما نشرته سابقا صحيفة فايننشال تايمز حول الفدية المقدرة بمليار دولار لجماعات شيعية وسنية وإيران وحزب الله.
وكشف مقال نيويورك تايمز ، الذي كتبه روبرت أف وورث، عن محاولة قطر إدخال 360 مليون دولار في حقائب سوداء عبر طيرانها إلى مطار بغداد، كما وثق مقال الصحيفة الأمريكية الاتصالات القطرية مع الجماعات الإرهابية وتمويلها لهم بمئات الملايين من الدولارات التي ذهبت إلى الحرس الثوري الإيراني وحزب الله وجبهة النصرة، وهو ما يدفع إلى مطالبة الدوحة مجددا بكشف الحقائق حول المبالغ التي دفعتها لتمويل جماعات إرهابية.
وأوضح الكاتب روبرت أف وورث في مقاله بصحيفة نيويورك تايمز ، تفاصيل العملية قائلا: إن محطة انتظار الشخصيات المهمة في مطار بغداد الدولي هي مكان نظيف وهادئ، وهي على بُعد نحو ربع ميل من الضوضاء والضجيج من صالة الواصلين والمغادرين الرئيسية.. وإذا كنت تحظى بمعارف قوية وبحوزتك 150 دولاراً، يمكنك انتظار رحلتك براحة وأنت جالس على إحدى الأرائك الجلدية البيضاء الناعمة، وتحتسي قهوة الإسبريسو، بينما تأخذ فكرة عامة عن الأشخاص الذين يحكمون الشرق الأوسط اليوم.
وتابع قائلا: في يوم عادي، قد يشمل الركاب المسافرون معك مقاتلين مسلحين إيرانيين أو مقاتلين سابقين في فرق الموت الذين جمعوا ثرواتهم عبر الاختلاس.. وفي حال بقيت لفترة طويلة، قد ترى هوامير المال أو ضباطا من الحرس الثوري الإيراني بزيهم الرسمي أو حتى دبلوماسيين من تركيا وروسيا، يحاولون بطرقهم الخاصة إخضاع أو رشوة المسؤولين العراقيين.. الجميع هنا موضع ترحيب طالما يتكلمون بلغة المال.
وأضاف روبرت أف وورث، في الـ 15 من أبريل/نيسان من العام الماضي، أن رجلا قطريا وصل إلى محطة انتظار الشخصيات المهمة في رحلة مسائية من قطر.. وبعد أن أعلن أنه مبعوث حكومي رفيع المستوى، قال إنه لا يريد أن يتم تفتيش أمتعته مع زملائه الـ14 الآخرين، وكان بحوزة هؤلاء القطريين 23 حقيبة سوداء، وكل حقيبة كانت تزن أكثر من 100 رطل، حتى أن العتالين كان يواجهون مشكلة في حملها.. وأصر ضباط المطار بأدب على ضرورة فحص جميع الحقائب حتى لو كانت في محطة انتظار الشخصيات المهمة. وبدت على وجوه القطريين الصدمة عندما سمعوا ذلك، اجتمع القطريون جانباً للتشاور فيما بينهم، ثم أجروا عدداً من المكالمات الهاتفية، وفي نهاية المطاف رضخوا لتعليمات الضابط وسمحوا له بتفتيش الحقائب، كانت كل واحدة من الحقائب تحتوي على أكوام من الطوب الملفوفة بشريط أسود لم تستطع الماسحات الضوئية اختراقها. وعندما سأل مسؤولو الجمارك القطريين عما بداخل هذه الأكوام، رفضوا الحديث.
وتابع وورث: في البداية رفض القطريون الخروج من المطار من دون أمتعتهم، واستمر الأمر على ذلك طوال الليل، وأخيراً قرب الفجر، خضع القطريون الغاضبون واستقلوا سيارة إلى بغداد من دون أمتعتهم.. وفي وقت لاحق من ذلك اليوم، فتح ضباط المطار الحقائب الـ 23 ليجدوا أنها تحتوي على مجموعة من الدولارات واليوروهات بقيمة 360 مليون دولار.
وبعد مرور أسبوع، حيث كانت الأموال لا تزال محتجزة، غادر الفريق القطري بغداد في نفس الطائرة التي قدموا فيها، ولكن كان يرافقهم أكثر من 20 قطرياً بمن فيهم أفراد من عائلة آل ثاني الحاكمة الذين تم اختطافهم خلال رحلة صيد في جنوب العراق قبل 16 شهراً من ذلك التاريخ، ولم يتم الكشف عن تفاصيل ما جرى في تلك الرحلة حتى الآن، والتي تضمنت صفقة فدية كبيرة الحجم دفعت قطر أموالها للحركات الإرهابية التي تعيش في منطقة يتآكلها الانقسام الطائفي والحروب الأهلية العنيفة.
وتجاوزت تكلفة تلك الرحلة بالنسبة للقطريين ما يزيد على 360 مليون دولار، بيد أن الأموال في حد ذاتها لم ترق إلى أهمية الأبعاد السياسية لتلك الصفقة، ففي سبيل استعادة رهائنها، دخلت قطر في مفاوضات معقدة مع مجموعات إرهابية في سوريا لإخلاء 4 مدن بالكامل من سكانها باستخدام القوة، ومما لا شك فيه أن تلك العملية قد سهلت طريق إيران لتحقيق هدفها المتمثل في تحويل سوريا والعراق ولبنان واليمن إلى دول تابعة تعزز الهيمنة الإيرانية في أنحاء المنطقة.
وأوضح الكاتب في مقاله، أنه في أواخر نوفمبر/تشرين الثاني 2015، غادرت مجموعة من صيادي الحبارى القطريين الدوحة بمجموعة من سيارات الدفع الرباعي متجهة إلى الحدود السعودية، من ثم توجهوا شمالاً ليعبروا جزءاً من الأراضي الكويتية.. وكانت المجموعة تتألف من عدد من الخدم ويقودهم 9 أفراد من العائلة الحاكمة في قطر، واختارت بعدها تلك المجموعة مكانها المفضل للصيد وهي منطقة المثنى التي لم تشهد الكثير من الزوار منذ الاجتياح الأمريكي للعراق عام 2003، وهذه المنطقة أصبحت ملاذاً موسمياً للحبارى، وعلى الرغم من أن القطريين اطلعوا على تقارير تفيد بخطورة هذا المكان، فإنهم لم يفكروا بتفويت هذه الفرصة، وكانوا يتجولون في تلك الصحراء تحت حراسة من أفراد عراقيين مأجورين، ويقومون في بعض الأحيان بتقديم هدايا قيمة للبدو القاطنين في تلك المناطق لضمان سلامتهم.
وحينما اقترب موعد مغادرة الصيادين إلى بلدهم، تحولت إحدى لياليهم إلى برد قارس، حتى جاء يوم هرع فيه أحد الخدم إلى المجموعة يخبرهم بأنهم محاطون بمجموعة من العساكر المدججين بالسلاح وسيارات الدفع الرباعي.. وتبادر إلى ذهن المجموعة في البداية أنها ربما تكون مجموعة تابعة للقوات العراقية جاءت لزيارتهم والاطمئنان عليهم، بيد أن الأمر انتهى إلى اختطاف جميع أعضاء المجموعة، وكان يبدو على الخاطفين أنهم يريدون الشخصية الأكثر أهمية في عائلة آل ثاني، وسرعان ما اكتشفت المجموعة أن الخاطفين ليسوا إلا من الجماعات الشيعية المسلحة.
وبعد أن تم اقتياد المجموعة إلى مكان مجهول بدا أن هؤلاء الخاطفين يخشون شيئاً ما مثل هجوم أو اجتياح.. وفي محاولة مستلهمة من الأسلوب القطري في شراء الذمم، حاول أحد أفراد المجموعة إخراج محفظته من جيبه ربما ليدفع للخاطفين لكي يفرجوا عنه، بيد أنه لم يكن يعلم أن الخاطفين قد استولوا مسبقاً على جميع أموالهم وهواتفهم النقالة.. ووصلت أول أخبار الاختطاف إلى قطر صبيحة اليوم التالي، ما أدى إلى كثافة كبيرة في الاتصالات الهاتفية بين الحكومة والعائلة المالكة في قطر.
وأبرزت تلك الأخبار نقاط ضعف الصعود المفاجئ لدولة قطر على الصعيد السياسي في المنطقة. وتتضح للمراقب من خلال متابعة الوضع في قطر والسياسات، العداءات المخفية التي اتبعتها مع جميع جيرانها وأنها كانت تسعى للخروج عن الإجماع الخليجي بيد أن كل ما قامت به خلال العقود الماضية، انفجر في وجهها.
وتابع الكاتب: بعد أن تأكدت أخبار الاختطاف، علمت الحكومة في قطر أن الخاطفين على صلة بالجماعات المسلحة المنتمية للشيعة وهو ما جعل مصير المُختَطَفين في أيدي جماعات مجهولة، وبدا أن العملية كانت بإشراف مباشر من القيادات العليا بتلك الجماعات المسلحة.. وعلى الرغم من أن الرهائن القطريين لم يكونوا ذوي قيمة، فإنهم تحولوا فجأة إلى سلعة قيّمة يمكن من خلالها تغيير الأوضاع الجيوسياسية في المنطقة، حيث كانت قطر على صلة وثيقة بالجماعات التي تتداخل مهامها وتعبث بالأمن في المناطق التي تحاول الأطراف المتنازعة السيطرة عليها، الأمر الذي جعل من هؤلاء الرهائن سلعة قيّمة يمكن أن تكون ورقة رابحة للضغط على قطر وإجبارها على سلك طريق غير الذي تتخذه .. ولجأت كل الأطراف في النهاية إلى حزب الله، الذي يعتبر موثوقاً لدى قيادات الخاطفين والجماعات الشيعية الأخرى إضافة إلى قطر، وقام حزب الله بإرسال ممثل رفيع المستوى إلى قطر للتفاوض حول إطلاق سراح المحتجزين.
وكان هم الحكومة القطرية الأول سلامة هؤلاء الرهائن بغض النظر عن الآثار السياسية والقوة التي سيكتسبها هؤلاء الإرهابيون، وبعد أشهر من المحادثات، لم يتضح لحكومة قطر الطريقة التي يمكن خلالها تحرير هؤلاء الرهائن، حيث كانت على استعداد للقيام بكل ما يلزم لتحريرهم أياً كانت الآثار الناتجة عن ذلك، حتى ولو كان على حساب صعود وتقوية الجماعات الإرهابية، وحاولت عبر العديد من الطرق التي تضمنت اللجوء إلى شركات العلاقات العامة وغيرها، إلا أن كل محاولاتها باءت بالفشل.
وبعد مرور 16 شهراً من احتجاز الرهائن، نجحت قطر بطرقها الملتوية في إيجاد شخصية فاعلة يمكنها التواصل مع الجماعة الإرهابية وتحرير الرهائن، حيث اشترطت تلك الشخصية على قطر الحفاظ على سرية المحادثات مع الخاطفين، وهو ما وافقت عليه فوراً، بل وقالت إنه يمكن تقديم هذه الفدية كدعم لتطوير ميناء وسفارة جديدة في العاصمة العراقية بغداد.
وبعد أسبوع من ذلك، وصل فريق قطري رفيع المستوى للتفاوض حول هذا الأمر وفي أيديهم الحقائب الـ 23 التي ذكرتها في أول هذا السرد.. وهنا يأتي دور الحكومة القطرية الشائك والملتوي في إخراج الحقائب المليئة بالأموال من قبضة سلطات مطار بغداد الدولي، خصوصاً بعدما علمت السلطات العراقية بما تنوي قطر القيام به، حيث حاولت بكل الطرق منع تسليم هذه الأموال للجماعات الإرهابية.. وشعر القطريون وقتها بالخطر الذي يهدد الصفقة التي خططوا أشهراً لإتمامها.
وانتهى تحايل الوفد القطري الذي جاء للتفاوض على الصفقة بتمكنهم من الاختفاء عن أعين المسؤولين العراقيين، حيث استقلوا سياراتهم رباعية الدفع، واتجهوا بها إلى مركز لأحد قادة الجماعات الإرهابية المسؤولة عن عملية الاختطاف وجلسوا مع قادة تلك الجماعة بعد أن عُرض عليهم مقطع فيديو مصور يؤكد أن الرهائن ما زالوا أحياء، ولكن المشكلة الأكبر التي واجهتهم كانت في كيفية إقناع هؤلاء القادة بأن الأموال التي جاءوا بها من قطر محجوزة بواسطة السلطات العراقية، بيد أنهم قدموا لقادة الجماعة الإرهابية عرضاً آخر غير معروف حتى الآن.
وبعد أيام قليلة من ذلك، سافر الوفد القطري الذي جاء للتفاوض حول إطلاق سراح الرهائن بصحبة الرهائن أنفسهم إلى الدوحة، لكن الأمر الأكثر غرابة والذي أصابني بالحيرة هو الطريقة التي تمكن من خلالها فريق التفاوض القطري من إطلاق سراح الرهائن، رغم أن الأموال التي جاءوا بها من الدوحة لا تزال تحت قبضة السلطات في بغداد، فكيف تم إطلاق سراح هؤلاء الرهائن؟
وأضاف الكاتب قائلا: لقد تواصلت مع أحد المصادر المطلعة في قطر، والذي أفادني بأن المسؤولين القطريين دفعوا مبلغاً آخر بلغ 360 مليون دولار خلال أيام التفاوض بطرق سرية عبر إجراء تحويلات خارجية أشرف عليها حزب الله، وقام باستلام تلك الأموال في مكان غير معروف.. وهو ما يعني أن إجمالي ما دفعه القطريون 720 مليون دولار .
ورغم محاولتي الاتصال بمسؤولين قطريين للتعرف على تفاصيل الصفقة، لم أتلق أي رد على ذلك، بل إنهم أنكروا دفع أي مبلغ في سبيل تحرير هؤلاء الرهائن، وأصروا على أن الأموال التي أرسلوها إلى العراق كانت لدعم الحكومة العراقية.
ولا تزال آثار تلك الفدية تلقي بظلالها على الوضع في العراق وسوريا، حيث اكتسب الإرهابيون المزيد من القوة، وهو ما يعكس الموقف القوي الذي اتخذته كل من السعودية والإمارات ضد قطر في دعمها للجماعات الإرهابية، وأكدت هذه الصفقة الدور الكبير الذي تقوم به قطر لدعم الجماعات الإرهابية بطرق مباشرة وغير مباشرة. ولم تكن هذه المرة الأولى التي تقوم بها الدوحة بهذا الأمر، حيث قدمت سابقاً فدية لتحرير قادة من تنظيم القاعدة في اليمن.
واختتم الكاتب مقاله قائلا: إن أكثر ما يثير حيرتي هو لماذا قام الصيادون القطريون بالتوجه جنوباً إلى منطقة يعلمون تماماً أنها خطرة؟ خصوصاً أنه كان جلياً حجم الثروات التي يمتلكونها والتي انعكست على سياراتهم وطرق تخييمهم.. هل كانوا لا يدركون أنهم سيكونون صيداً سهلاً للوقوع في أيدي الجماعات الإرهابية رغم التحذيرات التي وجهت إليهم؟ .