نتابع في الولايات المتحدة راهناً تحقيق الكونغرس الأميركي في الهجوم على مبنى الكابيتول في واشنطن يوم 6 يناير (كانون الثاني) 2021، عندما حاول حشد مسلح عرقلة التصديق على فوز جوزيف بايدن في الانتخابات. وبعد أول أسبوعين من جلسات الاستماع، أصبح هدف التحقيق واضحاً: يهدف أعضاء لجنة التحقيق، الديمقراطيون والجمهوريون على حد سواء، إلى تدمير دونالد ترمب سياسياً، حتى إن لم يتمكنوا من القضاء على «الترمبية» كحركة سياسية.
أكد التحقيق، في جلسات الاستماع عبر التلفاز، ثلاث حقائق أساسية، من اعترافات عائلة ترمب والمستشارين المقربين.
– أولاً، حذر محامو البيت الأبيض، ثم ويليام بار، النائب العام (وزير العدل)، دونالد ترمب من أن منع المصادقة على الانتخابات في الولايات والكونغرس أمر غير قانوني.
– ثانياً، تجاهل الرئيس ترمب ومحاموه القانون، وقاموا بمحاولة أخيرة لوقف التصديق، من خلال الضغط على نائب الرئيس مايك بنس لوقف جلسة التصديق بالكونغرس في 6 يناير.
– وأخيراً، علمنا أنه عندما قرر نائب الرئيس بنس الإذعان للقانون، وصف ترمب بنس بالجبان، وشجع حشداً مسلحاً على مهاجمة مبنى الكابيتول. ورفض ترمب إصدار أمر إلى وزارة الدفاع أو وزارة الأمن الداخلي بإرسال قوات لوقف الهجوم على مبنى الكابيتول.
وجاءت كل هذه المعلومات من شخصيات سياسية من الحزب الجمهوري، وليس من منتقدي ترمب من الحزب الديمقراطي.
وكان التأثير السياسي كبيراً، وربما كان التأثير القانوني أيضاً. ويمكن فقط لوزارة العدل الأميركية، وليس الكونغرس، رفع دعوى قضائية ضد دونالد ترمب في قاعة المحكمة. وحتى الآن، امتنع كبير موظفي وزارة العدل، النائب العام ميريك غارلاند، عن التصريح بما إذا كانت وزارته ستوجه اتهامات بحق ترمب من عدمه، إلا أن محققين من الوزارة طلبوا الملفات من لجنة الكونغرس، ومن المفترض بدء وصول هذه الملفات خلال الأسبوع الحالي.
وتجدر الإشارة إلى أن قاضياً فيدرالياً في كاليفورنيا نظر في كثير من الأدلة الواردة من لجنة التحقيق التابعة للكونغرس في مارس (آذار) الماضي، وأمر محامي ترمب في البيت الأبيض بإبلاغ اللجنة برسائله الإلكترونية، لأن الأدلة في مارس تشير بالفعل إلى أن ترمب ربما ارتكب جريمة محاولة «عرقلة عمل الكونغرس»، وتآمر أيضاً «لارتكاب أعمال احتيال ضد الولايات المتحدة»، بحسب تعبير ذلك القاضي.
لا أعني بذلك أن ترمب سيواجه بالتأكيد الإدانة في حالة إجراء محاكمة؛ إذ يتعين على وزارة العدل إثبات أن ترمب كان يعلم أن أفعاله غير قانونية، وأنه سوف يُنكر إحاطته بالمسائل القانونية. فالجهد الشخصي الذي بذله ترمب لإقناع مسؤولي الانتخابات في جورجيا بتغيير فرز الأصوات في هذه الولاية الحيوية، سيجعل فوزه أكثر صعوبة.
على كل حال. إذا عُقدت المحاكمة، فسوف تتحول إلى حدث إعلامي كبير، وسيكون ترمب أول رئيس أميركي يواجه المحاكمة، وعلى الأرجح أن ربع الأميركيين الذين يحبونه بالفعل لن ينتقدوه أبداً. بيد أن هذا الربع لا يكفي للفوز في الانتخابات الرئاسية لعام 2024. ويتعين على الجمهوريين الفوز بأصوات المستقلين وأصوات الناخبين المستائين من الحزب الديمقراطي. ولن يُقنع المرشح ترمب، خصوصاً إذا كان يُحاكم، الناخبين المستقلين بدعمه. وحتى إن أفلت ترمب من المحاكمة، فإن البث التلفزيوني للجنة الكونغرس الذي شاهده ملايين الأميركيين خلال الأسبوعين الماضيين، قد أضر بمصداقية ترمب.
ويدرك الناشطون في الحزب الجمهوري هذه الحقيقة تمام الإدراك. والجدير بالذكر أن استطلاعاً للرأي أجرته شبكة «إن بي سي نيوز» في مايو (أيار) 2022، أظهر أن 58 في المائة من الناخبين الجمهوريين يعتقدون أن الحزب الجمهوري أكثر أهمية من ترمب نفسه، وأن 39 في المائة فقط من الناخبين الجمهوريين يريدون ترشيح ترمب في عام 2024. وستُقنع استطلاعات الرأي هذه مرشحي الحزب الجمهوري الآخرين بتحدي ترمب في انتخابات 2024. وعلى وجه الخصوص، يتأهب حاكم فلوريدا رون ديسانتس لحملة انتخابية جديدة، ولديه قاعدة سياسية كبيرة من دون مشاكل قانونية أو مشاكل تتعلق بمصداقية ترمب.
صحيح أن نفوذ ترمب آخذ في التضاؤل، إلا أن النزعة الترمبية لا تزال قوية للغاية. ففي مؤتمر الحزب الجمهوري في تكساس، نهاية الأسبوع الماضي، ضايق نشطاء الحزب عضو الكونغرس المحافظ دان كرينشو، وهو بطل من أبطال الحرب في أفغانستان. واتهم هؤلاء المتشددون كرينشو بدعم العولمة بدلاً من الترويج لسياسات «أميركا أولاً». وخلال المؤتمر، وصف الجمهوريون في تكساس الرئيس بايدن بأنه غير شرعي، وطالبوا بإلغاء بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، وإلغاء الضرائب على الدخل.
إن الأجندة الترمبية تشكك في جدوى التجارة الدولية والتدخل في الحروب الخارجية. وهي تروّج للمسيحية، وتتعهد بمحاربة اليساريين في الحرب الثقافية الأميركية الجارية. كما تشكك في المؤسسات. وفي هذا الموسم من الانتخابات التمهيدية بمختلف أنحاء أميركا، ما زال كثير من المرشحين المؤهلين لتولي منصب الحاكم أو عضو مجلس الشيوخ في ولايات مهمة، يصرون على فساد انتخابات 2020 الرئاسية.
وتتوقع المؤشرات السياسية هنا حدوث موجات مد شعبية للحزب الجمهوري في انتخابات نوفمبر (تشرين الثاني) 2022، وسوف يفوز كثير من هؤلاء المرشحين ويوطدون من نفوذ النزعة الترمبية في السياسة الأميركية.
* خاص بـ«الشرق الأوسط»