سياسة

نقص الأدوية في تونس… أزمة تتفاقم


لم يعد العثور على العديد من أنواع الأدوية في الصيدليات التونسية أمرا هينا في ظل أزمة نقص الدواء التي تعيشها البلاد منذ فترة.

فيما يزداد الوضع تعقيدا بالنسبة إلى الأطباء في غياب الأدوية البديلة أحيانا، ما دفع بالبعض من المواطنين إلى الالتجاء إلى طرق أخرى من بينها تبادل الأدوية وإطلاق نداءات موجهة إلى التونسيين بالخارج في رحلة البحث عن دواء.

واختفت العديد من الأدوية من أرفف الصيدليات في العديد من مناطق البلاد منذ شهور، بما في ذلك علاجات مهمة لأمراض مثل القلب والسرطان والسكري.

وأقرت وزارة الصحة التونسية في وقت سابق بالأزمة المالية التي تعاني منها الصيدلية المركزية ومخابر الأدوية. داعية إلى الشروع الفوري في الإصلاحات العاجلة للقطاع ومن بينها إحداث وكالة وطنية للأدوية والترخيص للترويج بالسوق الخارجية، بالإضافة إلى تسوية ديون الصيدلية المركزية.

وتقول الدكتورة ضحى معاوي فوراتي وهي طبيبة تونسية متخصصة في أمراض الكلى وضغط الدم، “موضوع فقدان الأدوية أصبح صعبا للغاية على المرضى. لدينا مشكلة حقيقية مع بعض الأدوية التي لا تتوفر لها أدوية جنيسة (بديلة)”.

وكان على فوراتي أن تطلب من بعض المرضى أحيانا محاولة الحصول على أدوية من أوروبا، بما في ذلك الأدوية المستخدمة للسيطرة على عدم انتظام ضربات القلب وتخثر الدم والتي تقول إنه لا يوجد بديل جيد لها في تونس.

وتسعى تونس إلى التوصل إلى اتفاق نهائي مع صندوق النقد الدولي لصرف قرض بقيمة 1.9 مليار دولار للخروج من أزمتها الاقتصادية الخانقة. لكن الرئيس قيس سعيد رفض الرضوخ لإملاءات الجهات الدولية المانحية خاصة المتعلقة برفع الدعم، داعيا التونسيين إلى التعويل على إمكانياتهم الذاتية.

وتستورد تونس الأدوية عبر الصيدلية المركزية المملوكة للدولة والتي توفر الأدوية للمستشفيات والصيدليات في جميع أنحاء البلاد.

ويقول رئيس نقابة الصيدليات التونسية نوفل عميرة إن مئات الأدوية لم تعد متوفرة بما في ذلك أدوية السكري والتخدير وعلاج السرطان. موضحا أن الصيدلية المركزية مدينة بمبالغ كبيرة لموردين أجانب، مما دفعهم لفرض قيود على مبيعاتهم لتونس. وأضاف “المشكلة مالية بالدرجة الأولى”.

ويؤكد عميرة إن الصيدلية المركزية مدينة بنحو مليار دينار (325 مليون دولار) لموردين أجانب. مؤكدا أن الدولة كانت تغطي العجز المالي في السنوات الماضية لكنها لم تعد تفعل ذلك بسبب الأزمة المالية المتفاقمة، موضحا أن هذا هو غياب الأدوية.

وتعاني الصيدلية المركزية من أزمة مالية أساسا بسبب عدم حصولها على مستحقاتها من الصندوق الوطني للتأمين على المرضى والمستشفيات العامة في البلاد.

بعض التونسيين يلجؤون إلى تبادل الأدوية
بعض التونسيين يلجؤون إلى تبادل الأدوية

ويقول العسكري المتقاعد نبيل بوكحيلي الذي فتح نقطة غير رسمية لتبادل الأدوية في غرفة صغيرة فوق سطح منزله في حي الزهور بالعاصمة تونس بالتنسيق مع أطباء محليين “لدينا عشرات الأشخاص يأتون إلى هنا يوميا للحصول على الأدوية مجانا”.

ويحصل بوكحيلي على الأدوية من الأشخاص الذين يسافرون إلى الخارج وكذلك الحبوب المتبقية من الأشخاص الذين أنهوا علاجهم، ويعطيها مجانا للأشخاص الذين يمكنهم تقديم ما يثبت حاجتهم للدواء كوصفة طبية.

وقالت نجية القادري، التي تحتاج تناول دواء الغدة يوميا قبل الإفطار، “لقد ظللت دون هذا الدواء منذ أكثر من أسبوع”، مضيفة أنها شعرت بأنها غير قادرة على الحركة وتشعر بالدوار باستمرار. تأكد بوكحيلي في تاريخ الدواء قبل أن يسمله لها وتسلمه ما لديها لم تعد بحاجة إليها.

وفي مكان غير بعيد عن حي الزهور، يجلس شاب آخر اسمه عبدالسلام المرواني في بيته وبداخله مزيج من الغضب واليأس بسبب عدم توفر دواء يحتاجه بشدة في الصيدليات منذ أشهر.

ويتحدث عبدالسلام المرواني (25 عام) وهو جالس في منزل والديه في الزهروني، عن أن نقص قطرات العين الطبية جعله معرضا لخطر الإصابة بالعمى عاجزا عن الخروج من بيته. ويعاني من جفاف في عينيه التي لا تنتج دموعا.. ويحتاج هذا الدواء الخاص لترطيب العينين وتقليل الالتهابات.

وبسبب اختفاء الدواء منذ أكثر من ستة أشهر، تفاقمت مشاكله الصحية. فبعد أن فقد البصر بإحدى عينيه يكافح لانقاذ عينه الثانية التي تحتاج دواء مستمرا وأصبح لا يرى بها إلا بصعوبة. وتخلى عبدالسلام عن حلمه بالتخرج في الجامعة وبأن يصبح في يوم من الأيام واحدا من رجال القانون في بلده.

يروى هذا الشاب بحسرة وألم كيف أنه اضطر منذ بداية هذا العام لمغادرة مقاعد الدراسة في كلية الحقوق بتونس بسبب تفاقم المرض نتيجة غياب الدواء بشكل مستمر.

ويحتاج هذا الشاب علبتين من الدواء يوميا على الأقل لممارسة حياته بشكل عادي، لكنه لم يتمكن من العثور على الدواء لمدة ستة أشهر واضطر إلى طلبه من الأشخاص الذين يسافرون إلى الخارج، ودفع مقابل ذلك أكثر بكثير مما كان سيفعله من الصيدليات المحلية.

وقال الرئيس التونسي قيس سعيد خلال زيارة أداها إلى مركز التكوين المهني والشركة التونسية للصناعات الصيدلية بالضاحية الجنوبية للعاصمة في فبراير/شباط الماضي إن “هناك مجرمين يقفون وراء إهدار أدوية بملايين الدينارات انتهت تواريخ صلاحيتها وتونس تريد التخلص من هؤلاء المجرمين”.

وأكد أن “هذه اللوبيات تسعى للسيطرة على قطاع الأدوية من أجل ترويج منتجاتها في السوق وبجودة أقل وذلك من خلال بقاء أدوية في المخازن حتى تنتهي صلوحيتها بينما يتقاسم المرضى علبة دواء واحدة”.

تابعونا على
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى