نظرية المؤامرة: الجزائر تزعم هجومًا مغربيًا فرنسيًا على أراضيها
ذهبت صحيفة ‘الخبر’ الجزائرية التي تعبر غالبا عن مواقف السلطة، بعيدا في سيناريو صناعة الأعداء وفي استمرار ترويج نظرية المؤامرة الخارجية، بأن قدمت قراءة لا تستند لأي أدلة ولا واقعية بالحديث عن مخطط فرنسي للعدوان على الجزائر من خلال تسليح ودفع المغرب لشن هجوم على الجارة الشرقية للمملكة نيابة عن باريس.
وتبدو المغالاة في صناعة الأوهام والبناء عليها كاحتمال وارد لتطور مسار التوتر بين المغرب والجزائر وتصاعد التوتر بين باريس والجزائر، مبنية على هوس لا يهدأ وعداء جزائري رسمي للرباط ومحاولة شيطنة التقارب المغربي الفرنسي الذي تم في إطار طبيعي وعلى أسس ثابتة من منطلق تبادل المصالح وعلى قاعدة الاحترام المتبادل واحترام مبدأ السيادة وهو العنوان الأبرز للعلاقات المغربية الفرنسية بعد طي صفحة الخلافات والتأسيس لمرحلة جديدة من التعاون بما يشمل الأقاليم الجنوبية للمملكة.
وتكشف قراءة الصحيفة المحلية وافتراضاتها حجم الانزعاج الجزائري من التقارب المغربي الفرنسي وحجم الضيق من أي تطور قد يخدم مصالح المملكة وتعكس في الوقت ذاته إلى أي مدى يمكن أن تذهب في حملة شيطنة المغرب.
وتحت عنوان ‘فرنسا تلعب بالنار’ استهلت ‘الخبر’ تقريرها الذي أفردت له حيزا مهما من صدر صفحتها الأولى، بجملة من التساؤلات من قبيل “هل تحضّر فرنسا لعمل عدائي ضد الجزائر؟ هل يمكن توقّع أن تقوم باريس بإصدار أوامر بشن هجوم عسكري مباغت على الجزائر من أجل استعادة الكرامة الضائعة بسبب “خشونة” الرأس الجزائري وقيادته السياسية والعسكرية؟ هل مثل هذا السيناريو مطروح على طاولة الإليزيه وحلفائه في المنطقة؟”.
وعلى أساس هذه الافتراضات بدأت الصحيفة المحلية في تفصيل السيناريوهات المحتملة، مستندة إلى عموميات ومعلومات غير موثوقة تتحدث عن قيام “السلطات الفرنسية بتخزين شحنات معتبرة من الأسلحة في ميناء مدينة مرسيليا (جنوبي فرنسا) وبتسييرها على متن باخرة شحن بتاريخ 20 نوفمبر الجاري (تشرين الثاني) باتجاه موانئ المملكة المغربية.
ورأت استنادا لتلك المعلومات التي لم تحدد مصدرها ولا موثوقيتها، أن القراءات المتاحة لما وصفته بـ”السلوك العدواني غير المباشر”، تفيد بأن وضع “شحنة الأسلحة على ذمة الجيش المغربي تصب في اتجاه التحريض والدفع بالجار الغربي إلى شن عدوان على الجزائر.. وإشعال حرب إقليمية…”.
ودأبت الجزائر منذ عقود على الترويج لوجود مؤامرات خارجية تستهدف أمنها واستقراراها. وفي كل مرة تستحضر فيها هذا الافتراض إلا وتزج بالمغرب كطرف في تلك المؤامرة.
على الطرف المقابل لم يصدر من المغرب طيلة عقود من العداء الجزائري، ما يشير إلى تصعيد عسكري رغم الاستفزازات الجزائرية المتواصلة ورغم محاولات لا تهدأ للمساس بوحدة المملكة وسيادتها على كامل ترابها.
ودأب العاهل المغربي الملك محمد السادس في كل خطاباتها تقريبا حين يتعلق الأمر بالجزائر، على انتهاج خطاب هادئ ترسيخا لسياسة اليد الممدودة وهي السياسة التي تؤسس للأمن والاستقرار في المنطقة.
واتخذت صحيفة ‘الخبر’ المحلية لزيارة الرئيس الفرنسي امانويل ماكرون الأخيرة للرباط ولقاء القمة مع الملك محمد السادس، باعتبارها إشارة لترتيبات فرنسية مغربية ضد الجزائر، وهو أمر يبدو مفهوما من الناحية السياسية والاقتصادية ويفسر حجم الغضب الجزائري من تفضيل فرنسا المغرب شريكا استراتيجيا على بقية دول منطقة شمال افريقيا.
ودخل التوتر بين باريس والجزائر مرحلة جديدة مع تصعيد الجانب الجزائري ومع تعثر زيارة الرئيس عبدالمجيد تبون لفرنسا والتي تأجلت أكثر من مرة بسبب خلافات قائمة وأخرى ناشئة كان أبرزها اعتراف باريس بمغربية الصحراء وبمقترح الحكم الذاتي تحت سيادة المملكة حلا وحيدا للنزاع المفتعل في الصحراء.
وأشارت الصحيفة المحلية إلى تصريحات السفير الفرنسي لدى المغرب كريستوف لوكورتي التي أكد فيها دعم بلاده للجيش المغربي في مختلف جهوده العسكرية بالمنطقة ومن ضمنها الذود عن سيادة البلاد وحماية حدوده وأراضيه وتأكيده دعم باريس لمغربية الصحراء، باعتبارها دليلا على مخطط تعده فرنسا لشن هجوم على الجزائر، في تفسير لا يستند لأي منطق ولا يقيم الدليل إلا على أوهام جزائرية أو على صناعة عداءات مجانية انطلاقا من عقيدة رسخها جنرالات الجيش الذين تقول تقارير متطابقة إنهم يحكمون من وراء ستار ويديرون أزمة التوتر مع المملكة في غرف مظلمة.
وخلصت ‘الخبر’ في تفصيلها للسيناريو الوهمي، إلى أن كل التطورات (الاسنادات التي اعتمدتها كقراءة للتقارب المغربي الفرنسي) “تصب في اتجاه إشعال الحروب في المنطقة”.
وتحدثت عن عزلة فرنسا والمغرب وعن فشلهما دبلوماسيا، في اسقاط واضح للاخفاقات الدبلوماسية الجزائرية على أكثر من جبهة إقليمية ودولية، فعلى أرض الواقع قد تكون باريس واجهت متاعب وانحسار نفوذها في افريقيا، لكن بالنسبة للرباط تقف الإنجازات الدبلوماسية والاقتصادية شاهدا على نجاح منقطع النظير على أكثر من مستوى.
ولا يبدو أي أثر لما تقول الصحيفة المحلية إنه عزلة وفشل مغربي بل على العكس، يجني المغرب اليوم ثمار الدبلوماسية الهادئة التي أرسى دعائمها العاهل المغربي في تفكيك أحزمة الدعم الإقليمي والدولي لطروحات الانفصال التي تدفع بها بوليساريو وحاضنتها الجزائر.
ويفسر التشنج السياسي الجزائري سواء في الاعلام الذي يدور في فلك النظام أو في التصريحات الرسمية، إلى حالة شعور بالعزلة والارباك والاخفاق في ملف الصحراء وفي انتزاع موقع متقدم اقتصاديا في العمق الافريقي.
وبالنسبة للرباط، تجمع كل المؤشرات على نقلة نوعية على جميع الأصعدة وعلى المستويين الإقليمي والدولي، على أن المملكة تتقدم بخطوات ثابتة وواثقة في بناء علاقات متينة مع مختلف الفاعلين الدوليين ونجحت منذ انهاء سياسة الكرسي الشاغر واستعادة مقعدها في الاتحاد الافريقي، في تعزيز علاقاتها مع الشركاء الأفارقة وأصبحت بحكم سياسة الحياد وعدم التدخل في شؤون غيرها، شريكا موثوقا وقوة وازنة في دعم الأمن والاستقرار وحل الأزمات، على خلاف الجزائر التي خسرت الكثير من نفوذها التقليدي وفقدت العديد من الشركاء من دول الساحل الافريقي بفعل تدخلاتها وعدم وقوفها على الحياد في التعاطي مع بعض الأزمات.