نظام الملالي.. قنبلة موقوتة
وصل نظام ولاية الفقيه إلى السلطة في إيران بعد الإطاحة بنظام الشاه.
فقد أنشأ نظامه بنفسه بعد “القمع الدموي” للقوى الليبرالية والديمقراطية والوطنية من قبل المعممين عام 1979، وبنى رؤيته وتوجهه الفكري والسياسي المتطرف لهذا النظام، مخالفاً الشعارات التي نادى بها قبل “الثورة”، حيث فُرض نظام ولاية الفقيه على الشعب، وتم تشكيل مجلس خبراء؛ لصياغة هذا الدستور ونشأته برئاسة “الولي الفقيه” أو “المرشد الأعلى”، صاحب القرار المطلق باستمرار أداء نظام ولاية الفقيه خلال 40 عاماً من خميني إلى خامنئي في تشكيل وتعزيز القوى الإرهابية مثل: فيلق القدس، وحزب الله اللبناني، ووجود عسكري مليشياوي واسع في سوريا والعراق واليمن.
تجربة نظام ولاية الفقيه في حكم إيران على الصعيد الداخلي لم تكن سوى قمع وانتهاك لحقوق الإنسان والحريات الأساسية، وعنف حكومي منظم وفساد هيكلي، واتساع رقعة فقر الشعب الإيراني، حيث كانت غايته مواجهة كل ما يبدو مختلفاً أو لا يناسب وجهة نظر النظام لاستخدام الوسائل في ترسيخ نظامه الفكري المتطرف والطائفي والعنصري، وترسيخ شعور قومي متعالٍ وناقم على كل الأعراق الأخرى، مما غير وجه المنطقة، حيث تعتبر إيران حالياً “الأسوأ في الحرية بكل تفاصيلها ومعانيها”.
نظرياً.. ليس العرب وحدهم الذين لم يحسنوا قراءة المشهد الإيراني بعدما سقطوا في فخ الشعارات التي خدمت هذا النظام الجديد، كما أن أمريكا وفرت لإيران دعماً حقيقياً لمشروعها التوسّعي؛ عندما سلمتها العراق على طبق من فضّة، فكل عربي لا يرى النظام الإيراني مصيبة أو خطراً على مستقبله يعتبر “غير واعٍ”، كما أن إيران لو لم تعرف مكانتها في قلب أمريكا خصوصاً، والغرب عموماً، ما تحدت العالم بدعمها للإرهاب، وإنتَاجِها للمخدرات، وتهريبها واستخدامها فِي تحطيم الأخلَاق والشعوب.
إيران المنهكة اقتصاديا، لا ترغب أبداً في استمرار سياسات الخنق الاقتصادي التي شلت اقتصادها، وعمَّقت ضائقتها الاجتماعية والسياسية، لكن تطورات الأسابيع الأخيرة أظهرت أن موجة من المغازلة لفتح صفحة جديدة بين طهران وواشنطن تنطوي على قدر من المبالغة، وأن ما يحدث من ضجيج وصخب إعلامي متبادل يذكرنا بسنوات أوباما الثماني، وأن لعبة القط والفأر مستمرة، فإيران تكرر اختبارها عزيمة جو بايدن بشن هجمات على عدة جبهات في الأيام الماضية، ثم بإبلاغ الوكالة الدولية بتركيب أجهزة طرد مركزي متطورة إضافية في نطنز، بينما ترى وتلخص حكومة بايدن نحو المنطقة، “أن كل ما فعلته من تصرفات متناثرة، فإنها تنتظم جميعاً في أنها رسائل ودية تتجه نحو احتواء إيران، وما سوف يفعله بايدن في اتفاقها النووي السابق الذي خرج منه سابقه ترامب”، بأنه يريد العودة إليه بعد تعديل وإضافة بعض الشروط، وتمديد الهدنة معها بإيماءات وتصريحات وقرارات أنعشتها، وهو ما يجعل إيران تستعجل تنبيه الوافد الجديد إلى البيت الأبيض بأزمتها، والإسراع إلى حلها عبر رسائل محدودة لكنها مفهومة، بمعنى ألا تتجاوز ذلك إلى تسخين الأجواء، ولكي تتملص من بعض الشروط التي لا تناسبها، كإشراك وإضافة الدول الخليجية للاتفاق بعدة أساليب، مستخدمة في ذلك حملة الضغوط القصوى، أو إشاعة أخبار تؤكد من خلالها عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق القديم من غير شروط بدءاً من رفع العقوبات.
الحقيقة.. أن الاتفاق النووي سقط بسبب جرائم إيران الكثيرة التي لم يعد غض الطرف عنها ممكنا، ولقد تحوّل إلى فضيحة؛ لأنه كان من الأساس فضيحة، ولأنه زاد من بعد توقيعه فضيحة على أخرى. إن النظام في إيران “قضية” أعقد وأخطر من أن يكون أي اتفاق قادم له دور حاسم في إيقاف توسعه والإرهاب لديه، في ظل عقيدته المبنية على تصدير مايسميه “الثورة”، والاعتداء على جيرانه، وتقويض أمنهم، والتمادي في سياسات العدوان في المنطقة، من خلال تمويل مليشياته في العراق وسوريا ولبنان واليمن بالسلاح والمال، كما أن الوثوق بهذا النظام لم يعد ممكنا، والموازين تغيرت، والخطر بات واضحاً ليس على دول المنطقة وحدها، بل على الغرب والملاحة الدولية؛ بعدما أصبحت عرضة للابتزاز والتهديد المتواصل، وهو ما يكشف تماماً عن الجانب المظلم والقاتم للسلوك الإيراني الذي يحاول الغرب تجاهله والالتفاف حوله .