موسكو وواشنطن ماقبل المحظور
منذ اكتشاف الحياة على وجه المعمورة ومسألة التنافس والتقاتل على النفوذ.
هي المسألة الشاغلة لكل الباحثين عن صناعة المجد وفق نظرتهم . وسلوكياتهم وقد يصل في بعض الأحيان الشغف بالنفوذ والبحث عنه ببعض الدول إلى درجة خوض حروب فمنذ الأزل والصراع على النفوذ هو المحور الرئيس الذي تدور عليه القوى العظمى وهذا ماجربه العالم من خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية وراح ضحيتهما ملايين البشر.
قد لايصل الأمر حد المواجهة العسكرية ولكن حيثياتها قد تتعدى ذلك وإن بطريقة غير مباشرة من تجويع وتوتر وقلق وعدم الاستقرار بأخذه شكل الحرب الباردة، وهو ما جرّبه العالم منذ منتصف القرن العشرين حتى تسعينياته بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي آنذاك، وطبولها اليوم تُقرع بين واشنطن وموسكو، على خلفيّة فرض الولايات المتحدة عقوباتٍ اقتصاديّةٍ على روسيا بعدما تقول عنه واشنطن تدخل موسكو في الانتخابات الأمريكية وهذا ما ترفضه روسيا بالطبع وبل وقابلته بعقوبات شبيهة بالتي تلقتها من أمريكا .
الناظر لشكل العلاقة بين الدولتيين العظميين قد يبدو له للوهلة الأولى أنّ هذه مجرد اضطرابات في العلاقات بينهما، وأنّ الأمر لن يأخذ شكل الكارثة العالمية إذما وقع الصدام المباشر، ولكنّ الواقع في جوهره جدُّ خطيرٍ وليس مقتصراً على هاتين الدولتين فحسب، وذلك بتأثيره المباشر سياسياً واقتصادياً وحتى عسكرياً على دول العالم أجمع.
نستطيع القول أنه وعلى الرغم من أنّ السياسة العالمية وفق نظمها المعاصرة تحاول تجاوز مفهوم الهيمنة على المجتمع الدولي سواء بأحاديّة القطب أو بثنائيته، إلّا أنّ هذا في الواقع المفروض لا يمثّلُ إلا خطاباً دبلوماسيّاً لا يتعدّى المنابر الدعائيّةِ كي لا تضع هذه الدول نفسها في خانة الدول الاستعمارية ، فواقع الأمر يتمثّلُ بقوى سياسيّة وعسكريّة كبرى تحاول جهدها لفرض أجنداتها على دول العالم الضعيف منها والقوي كذلك بشتّى السُّبُل السياسيّة والاقتصاديّة وحتى العسكريّة، ولا سيّما في ظلّ العولمة المفروضة على الجميع من دون استئذانهم.
ما يعيشه العالم من إرهاصات بين واشنطن وموسكو يقود حتما لحالة من القلقلة قد تحول هذه المواجهة الباردة إلى صراع مباشر سيدمر العالم لارتباط أغلب الملفّات الدوليّة بسياسة هاتين الدولتين بشكل مباشر، الأمر الذي يجعل من هذه الحرب السياسية والاقتصادية عابرةً لحدودهما، لتأخذ شكلَ المواجهة الدولية؛ بتكتّل كلّ حليفٍ مع حليفه الداعم له فيما مضى، عندها سيفقد حتما مفهوم مفهوم الأمن و الاستقرار وهما العنصران الرئيسان للسلام والاقتصاد، ولا سيّما في ظل الملفات المعقدة التي تنهش العالم أجمع من الصدامات العسكريّة إلى التغيرات المناخية والكوارث الصحية، فما يعيشه العالم من معضلة كوفيد19 ما زالت مصدر تهديد للبشرية جمعاء.
نعم باب الحوار مفتوح بين البلدين خاصة مع مارشح من أخبار عن قمة رئاسية قد تجمع رئيسي البلدين جو بايدن وفلاديمير بوتين، إلّا أنّ الخطر المُحدق في شكل وطبيعة العلاقات بين البلدين بات واضحاً، والتصريحات العدائية باتت تسمع تلميحاً أو تصريحاً .
هنا لابد لصانعي القرار في هاتين الدولتين التريث والعمل بعقلانية للحيلولة دونَ الوقوع في المحظور الذي سيصيب العالم برّمته ولا مكان للنأي بالنفس لأحدٍ حينها لأن أي توتر وعدم استقرار في العلاقة بين الجانبين الأميركي والروسي سيدفع ثمنه الجميع .