سياسة

موسكو – بكين.. بعد أوكرانيا إلى أين؟

إميل أمين


إلى أين تمضي سفينة العلاقات الروسية الصينية، لا سيما بعد بدء الحرب الروسية الأوكرانية؟

 

التساؤل المتقدم في واقع الأمر شغل ولا يزال الكثير من الدوائر الدولية، وبخاصة بعد نشوء وارتقاء ما يمكن أن نطلق عليه، “تحالفا”، بين الدولتين الكبيرتين. حيث أن المصلحة البراغماتية الواحدة التي تجمع البلدين، هي من تقود إلى هذا التوجه . 

تدرك كل من موسكو وبكين أن واشنطن لهما بالمرصاد، وأن دعاة العولمة الأمريكية، ونخبة المحافظين الجدد التي عادت مرة أخرى إلى سماوات واشنطن، لهم جميعا هدف واضح، وهو قطع الطريق على أي قطبية دولية قائمة أو قادمة، وإذا كانت روسيا قوة نووية بردعها التقليدي عسكريا، فإن الصين قوة نقدية بأصولها وجذورها المالية المنتشرة حول العالم، في الوقت الحالي، وعما قريب ستتناطح كل من موسكو وواشنطن على صعيد التسلح، ويكفي المرء النظر إلى فكرة السور النووي الذي تقوم الصين ببنائه تحت الأرض، وصوامعه التي تصل إلى نحو عشرة آلاف صومعة .

هل توافق الصين على الحرب الروسية الأوكرانية؟

من بين التحليلات التي طفت على سطح الأحداث خلال الشهرين الماضيين، القول إن الهدف الرئيس للولايات المتحدة في الوقت الراهن لم يكن منع حرب روسية أوكرانية، بل دفع روسيا إلى مستنقع عسكري جديد وكبير، يفوق ما جرى للاتحاد السوفييتي القديم في ثمانينات القرن الماضي في أفغانستان، فيما الهدف الأساس من وراء ذلك، العمل على تحييد روسيا، ما يجعل من الصين وحيدة في ميدان الوغى حال قررت مواجهة الولايات المتحدة .

واشنطن لا تود للتحالف الصيني – الروسي أن يشتد عوده بحال من الأحوال، بل يضعف إلى أن يضمحل .

مؤخرا كشفت صحيفة النيويورك تايمز الأمريكية عن ” أن الولايات المتحدة ناقشت الصين في نوايا عملية عسكرية روسية ضد أوكرانيا على 3 أشهر، في محاولة لثني موسكو عن التقدم باتجاه أوروبا الشرقية” .

وبحسب الصحيفة الشهيرة، فإن كبار المسؤولين في إدارة بايدن عقدوا ستة اجتماعات عاجلة مع كبار المسؤولين الصينيين، قدم فيها الأمريكيون معلومات استخبارية تظهر زيادة القوات الروسية حول أوكرانيا، وطلبوا من الصينيين إقناع الروس بعد الإقدام على التحرك عسكريا .

هل كان في الأمر شبه فتنة من جانب واشنطن للوقيعة بين موسكو وبكين ؟

أغلب الظن أن ذلك كذلك، ولهذا يشك الأمريكيون بصورة كبرى في أن الصينيين قد سربوا معلومات استخبارية أمريكية للروس . 

عطفا على ما سبق ظهر تساؤل جديد حول ما إذا كان الصينيون ينتوون مساعدة الروس في عملياتهم العسكرية أم لا؟

المؤكد أن هذا لن يحدث رسميا، وإن بقي هناك هامش من الشك في كل الأحوال، وقد لاحظ الروس مؤخرا أن الموقف الصيني، يميل إلى جانبهم، ذلك أنهم فيما كانوا أول الأمر يؤكدون على فكرة وحدة أراضي أوكرانيا، تغيرت اللهجة لاحقا وبدا أنها تدفع في إطار عام شامل من غير تخصيص لأوكرانيا، وذلك باستخدام تعبير ” جميع دول العالم “. 

الذين تابعوا جلسات مجلس الأمن التي عقدت الأسبوع الماضي والمحاولات الغربية الحثيثة لإدانة روسيا، لفت انتباههم الصمت الصيني والعزوف عن التصويت، وهو ما يفسر ضمنا لصالح روسيا، وغالب الأمر هذا ما سيحدث خلال جلسات الدورة غير الاعتيادية للجمعية العامة للأمم المتحدة، والتي بدأت انطلاقا من الفصل السابع من الميثاق، والمعروف باسم ” الاتحاد من أجل السلم “.

ولأن الصين تدرك أنه لا مجال لصدام عسكري روسي مع الناتو في الوقت الراهن، لذا كان عليها أن تجهز موقفا واضحا من العقوبات الاقتصادية الأمريكية والأوربية المفروضة على روسيا وبقسوة .

جاء الموقف الصيني كما هو توقع بعدم الموافقة، الأمر الذي تجلى في الاتصال الهاتفي الذي أجراه وزير الخارجية الصيني، وانغ بي، مع نظيرته الألمانية أنالينا بيربوك، وفيه أبلغ الألمان بأن بكين لا توافق على استخدام العقوبات كوسيلة لحل الوضع حول أوكرانيا.

تبدو العقلية الكونفوشيوسية الصينية حاضرة بقوة في الأزمة الأوكرانية، إذ تعتقد بكين بأنه يجب الابتعاد عن عقلية الحرب الباردة، واستئناف الحوار وإتباع النهج الدبلوماسي لحل الأزمات .

هل يمكن لموقف الصين من روسيا أن يتغير؟ 

لا تزال الأزمة محتدمة والمشهد ضبابي وكافة السيناريوهات مفتوحة على كل الاحتمالات . 

 

تابعونا على

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى