سياسة

من يهدي أردوغان حرباً؟


من يتابع حالة الهيجان السياسي التي يعيشها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وجوقته السياسية والصحفية قد يظن أنه رجل مجنون أو متهور؛ فهو يستفز الجميع، ويتحرش بالجميع؛ من فرنسا إلى اليونان وقبرص والعراق وسوريا ومصر وليبيا…الخ، وكأنه ينادي على محارب جاهز ليدخل تركيا في حالة حرب، ولو محدودة وسريعة خلال الأسابيع القليلة القادمة. وهنا يثور السؤال: هل يريد أردوغان فعلا الدخول في حالة حرب؟ … والإجابة بمنتهى السرعة: نعم؛ وإليكم التفسير.

أولاً: تركيا مقبلة على فترة عصيبة من عدم الاستقرار الاجتماعي الناتج عن انهيار الاقتصاد التركي بفعل انهيار العملة، وتراكم الديون التي تصل إلى ما يقارب 170 مليار دولار واجبة السداد خلال هذا العام، وتكاليف خدمة هذه الديون من فوائد وغرامات تمثل في حد ذاتها عبئا ثقيلاً على الاقتصاد التركي. ويضاف إلى ذلك تراجع السياحة بسبب أزمة كوفيد 19، وتراجع الصادرات كذلك؛ ناهيك عن الآثار الكارثية للعقوبات الأوروبية إذا ما تم فرضها خلال الفترة القادمة. كل ذلك سيقود إلى حالة من التوتر الاجتماعي؛ تفاقمها حالة الانسداد السياسي، والتضييق على الحريات الذي لم تشهد تركيا له مثيلا بهذا الحجم وهذه القسوة.

ثانياً: في ظل هذه الحالة من الانهيار الاقتصادي، والتوترات الاجتماعية المتوقعة؛ سيكون هناك احتمال لتدخل الجيش؛ ومن ثم لن يهدأ بال أردوغان، ولن يستقر في قصره المنيف طالما بقي الجيش التركي في حالة من الاسترخاء والهدوء، لأن أردوغان مسكون بفكرة الانقلاب؛ لذلك يسعى دائما إما لإجراء عمليات اعتقال، وإحالة إلى التقاعد للمخالفين له في الأيديولوجيا، أو لتوريط الجيش في مغامرات وصراعات مع دول قريبة أو بعيدة. لذلك نجح أردوغان في توريط الجيش التركي في عشر دول هي: قطر وليبيا وسورية والعراق وقبرص والصومال وأفغانستان، وأذربيجان والبلقان والسودان. ولذلك فإن الحرب هي السبيل الوحيد أمامه لضمان عدم تدخل الجيش في السياسة التركية أو التفكير في انقلاب عسكري في ظل التردي الهائل في الوضع الاقتصادي.

ثالثاً: إن التحالف الحاكم في تركيا بين حزب العدالة والتنمية الإسلامي، وحزب الحركة القومية العلماني الأتاتوركي يمثل حالة من توظيف الدين لخدمة القومية، فهناك مقايضة للأيدولوجية بالسياسة، فقد تخلى حزب الحركة القومية عن المكاسب السياسية من أجل الحفاظ على الأيديولوجية، وعلى الجانب الآخر وظف حزب العدالة والتنمية الأيديولوجية الإسلامية من أجل تحقيق مكاسب سياسية؛ حتى وإن كان ثمن هذه المكاسب السياسية سيكون الأيديولوجية ذاتها، وبذلك تم توظيف الإسلام بكل حمولته الروحية والثقافية والتاريخية لخدمة القومية التركية الطورانية العنصرية، وكان أردوغان هو عراب تسخير الإسلام لخدمة المشروع القومي التركي، لذلك كان حزب الحركة القومية يقف خلف البيدق أردوغان، لأن كل ما يقوم به هو لخدمة المشروع القومي التركي الذي وضع أسسه مصطفى كمال أتاتورك. ولذلك فإن إثارة المشاعر القومية والتذكير بالظلم الذي تعرضت له الأمة التركية بعد الحرب العالمية الأولى، والسعي لرفع هذا الظلم، والدخول في مواجهات لاستعادة الكرامة الوطنية سوف يحشد الجماهير التركية خلف أردوغان، وبذلك يستعيد شعبية حزبه التي سقطت بسبب الانهيارات الاقتصادية، والفشل في السياسات المالية، وتراجع التشغيل والاستثمار.

رابعاً: إن توقيت قيام أحد قيادات حزب العدالة والتنمية بنشر خريطة تركيا الكبرى التي تشتمل على دول كاملة بداخلها مثل أرمينيا وقبرص، وعلى أجزاء كبيرة من اليونان وبلغاريا وسوريا والعراق، هذا التوقيت مقصود في ذاته لاستثارة المشاعر خصوصا عند اليونان وأرمينيا وقبرص، وهذا قد يدفع إلى تحرشات عسكرية، ولو محدودة كما حدث مع الطيران الحربي اليوناني، وهذا ما قد يقود إلى حرب محدودة تحقق ما يسعى إليه أردوغان.

خامساً: إن الدخول في حالة حرب محدودة خصوصاً مع اليونان أو قبرص أو أرمينيا سيحقق للرئيس التركي العديد من الأهداف أولها: تبرير الانهيارات الاقتصادية القادمة بتكاليف الحرب التي دخلت فيها تركيا للحفاظ على “كرامتها القومية”، وثانيها: ستكون وسيلة سهلة وسريعة لاستعادة شعبية أردوغان وحزبه التي وصلت إلى أدنى مستوياتها، والتي لن تمكن الحزب من الفوز في أي انتخابات قادمة، وثالثها: ستمكن أردوغان من التخلص من باقي المعارضين لحكمه، وستمكنه من ضمان الاستمرار التوريث لمن يشاء بعده.

تأسيساً على هذه الأسباب فإن المصلحة السياسية الحالية للتحالف الحاكم في تركيا والرئيس التركي شخصيا هي في الدخول في حالة حرب محدودة مع أي من الدول الثلاث التي تمثل إزعاجا مستمراً للعقل التركي وهي اليونان وقبرص وأرمينيا. وهنا سوف يثور السؤال: هل ستهدي أي من هذه الدول أردوغان حرباً؟ والجواب لمن يتابع التطورات الحالية في شرق المتوسط، وبين أذربيجان وأرمينيا سوف يخلص إلى أن جميع هذه الدول غير مستعدة أو راغبة في الدخول في حالة حرب مع تركيا، وسيظل التصعيد الكلامي مستمراً، ولكن ستلجأ هذه الدول إلى وسائل أخرى أكثر إيلاماً لتركيا وأردوغان مثل العقوبات من جانب الاتحاد الأوربي، أو التأديب السري من الرئيس الروسي بوتين الذي يحمي أرمينيا من التحرشات التركية.

نقلا عن العين الإخبارية

تابعونا على

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى