من هم رجالات تركيا في ليبيا؟
من هم رجالات تركيا في ليبيا؟ من هم السياسيون والقادة ورجال الدين الذين يسوقون للاحتلال التركي في ليبيا ويعملون على تقديم التسهيلات له؟ وهل كان ليصل حجم التدخل التركي في الشأن الليبي هذا الحد لولا وجود من يقدم الدعم من الداخل؟ على من تعتمد تركيا في الداخل الليبي؟ وما هي المعايير التي يتم وفقها انتقاء ودعم الأشخاص للوصول بهم إلى مراكز السلطة والقرار في ليبيا؟
تعتمد أنقرة في سياستها بالتدخل في الدول العربية على التركيز على الأقليات الموجودة والتي تعود إلى أصول تركية أو تركمانية وتغذية هذا الانتماء كما في سوريا والعراق، أو على من يتزعمون التيارات الإسلامية التي تنتهج منهج الإخوان المسلمين كما حدث مع حكومة مرسي في مصر أو البشير في السودان.
وفي الحالة الليبية ينحدر كثير من الليبيين من أصول تركية وهم من نسل الأتراك الذين استقروا في ليبيا على مدار ثلاثة قرون بعد الاحتلال العثماني عام 1551م، يعيشون اليوم بشكل رئيسي في مصراتة وطرابلس والزاوية وبنغازي ودرنة، ويتركزون بشكل خاص في مصراتة، حيث يمثلون نسبة كبيرة من سكان المدينة.
وسبق أن نسبت تركيا الفضل في صد وإيقاف هجوم الجيش الوطني ومنعه من الدخول إلى طرابلس إلى كتائب مصراتة وهم أتراك ليبيا (الكراغلة) الذين أبدوا نوعا مميزا من المقاومة والفاعلية العسكرية بحسب ما تصفهم أنقرة.
وفي هذا السياق يمكن فهم موقف كلا من رئيس حكومة الوفاق فايز السراج ووزير داخليته فتحي باشاغا وانصياعهما الكامل لرغبات أنقرة والعمل على تنفيذ أجندتها في ليبيا على حساب أمن واستقرار البلد وزرع الفرقة بين الأشقاء، عندما يعرف أن كلا الرجلين من أصول تركية.
ينتمي فايز السراج، رجل تركيا الأول في ليبيا والذي تولى رئاسة حكومة الوفاق الوطني في أكتوبر 2015 إلى إحدى عائلات طرابلس العريقة وهي عائلة السراج ذات الأصول التركية.
وعمل السراج من خلال منصبه كرئيس لحكومة الوفاق، على تكريس التدخل التركي في ليبيا وشرعنته حيث وقع السراج في نوفمبر اتفاقيتين مثيرتين للجدل مع أردوغان في تركيا، نص الاتفاق العسكري على إمكان أن تقدم أنقرة مساعدة عسكرية لحكومة الوفاق في معركتها ضد “الجيش الوطني الليبي” بقيادة المشير خليفة حفتر، تطورت فيما بعد إلى إرسال أسلحة ثقيلة وطائرات مسيرة وذخائر وحتى مقاتلين مرتزقة من سوريا أغلبهم من الفصائل التركمانية كالسلطان مراد وغيرها، ومؤخرا تم البدء بإنشاء قواعد عسكرية تركية دائمة في قاعدة الوطية وغيرها..
بينما نص الاتفاق الثاني على ترسيم الحدود البحرية بين تركيا وليبيا تمنح أنقرة سيادة على مناطق غنية بالمحروقات في البحر المتوسط، متجاهلة وجود جزيرة كريت، ما أثار حفيظة اليونان ورفض مصر وإسرائيل والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، تطور أيضا فيما بعد واعتبرته تركيا المرجع الشرعي لعمليات الحفر والتنقيب في شرق المتوسط.
وكذلك الأمر بالنسبة لوزير الداخلية فتحي باشاغا الذي كلف بالوزارة في عام 2018، فإنه من مواليد مدينة مصراتة وهو من أصول تركية أيضاً، الذي دافع عن الاتفاق الموقع مع تركيا ورد على منتقديه وروج للعلاقة المتميزة مع تركيا بالقول: “لطالما كانت تركيا دولة صديقة وحليفة لليبيا منذ القدم، أي أن العلاقة معها ليست طارئة أو مستحدثة، فضلا عن امتلاكها لحصة وازنة من عقود المقاولات والإنشاءات منذ العهد السياسي السابق لثورة فبراير.. والاتفاقيات الموقعة حديثا تخدم مصالح البلدين وتحديدا ليبيا، فهي تصب في اتجاه السيطرة على الحدود ومكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة والهجرة غير الشرعية.. ولا تتعارض مع مصالح أي دولة.. وكل من يرى بهذه الاتفاقيات انتهاكا للقانون الدولي يستطيع أن يلجأ إلى السبل القانونية الدولية، فهذا حق مكفول لمن يمتلكه”.
أما من جهة رجال الدين فإن أنقرة اعتمدت في الترويج لتدخلها في ليبيا واحتلالها على مجموعة منهم مرتبطين بشكل مباشر بتنظيمات سلفية أو جهادية أو بإخوان المسلمين.
أحد أهمهم، الصادق عبد الرحمن الغرياني، وهوعالم دين إسلامي وأستاذ جامعي، يشغل منصب مفتي المجلس الوطني الانتقالي منذ 2012، ويلقب في ليبيا “بمفتي الفتنة”، يعتبر أحد رموز الإخوان المسلمين في ليبيا، ويراه البعض تهديدًا لمدنية الدولة حسب رأي نشطاء في المجتمع المدني والمهتمين بقضايا الحريات.
من أخطر فتاويه التحريضية أنه أجاز بالتزامن مع بيان دار الإفتاء عبر برنامج “الإسلام والحياة” الذي تبثه قناة تلفزيونية يديرها ابنه من إسطنبول بتمويل قطري، استيلاء الميليشيات والمقاتلين في طرابلس على الممتلكات حيث أفتى بأن “السيارات والأسلحة الثقيلة والمعدات والنقود لا تعد من السلَب الذي يختص به المقاتل، بل هي غنيمة، أربعة أخماسها ملك لجميع الحاضرين للقتال، وخمسها تتصرف فيه القيادة للمصالح العامة”.
وسبق أن أجاز الغرياني أيضا دفع أموال الزكاة للجماعات المسلحة لشراء المقاتلين والسلاح لصالح حكومة الوفاق في تبرير فاضح لانتهاكات تركيا في ليبيا واستثمارها في أموال الليبيين وتأجيجها للاقتتال فيما بينهم.
بعد تدخل تركيا عسكريا في ليبيا زادت وتيرة التحريض على العنف من قبل الغرياني وصلت حد التشكيك في هيئة الأوقاف التابعة لحكومة الوفاق نفسها بزعم تبنيها للسلفية العلمية أو ما يسميه الإسلام السياسي بـ”التيار الجامي المدخلي” المحسوب على المملكة العربية السعودية.
رجل دين آخر من أهم رجالات تركيا في ليبيا، علي محمد الصلابي وهو رجل دين وعالم ومؤرخ وينتمي إلى تيار الإخوان المسلمين ومن أصول تركية أيضاً، وموضوع على قوائم الإرهاب في مصر والسعودية والإمارات والبحرين.
ويعتبر علي الصلابي الليبي التركي من مصراتة، ممثل ليبيا للداعية المصري المقيم في قطر، يوسف القرضاوي، رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين سابقا، اشتهر بمناشدة أردوغان بالتدخل في ليبيا وإسقاط النظام وحماية الأقلية التركية.