من خلال شركات ومشاريع إعادة الإعمار، تركيا تحقق أهدافها في ليبيا


بحثت زيارة الوفد التركي الرفيع إلى طرابلس الأسبوع الماضي في عودة الشركات التركية لاستكمال أعمالها في ليبيا، إلى جانب آليات التعاون في مجالات الاستثمار والبنية التحتية والنفط، مما يجعلها لافتة، وفق ما جاء في بيان صدر حينها عن حكومة الوفاق، وشرعت تركيا تخطط لجني مئات المليارات حتى تنهض باقتصادها، وذلك من خلال الاستحواذ على الجزء الأكبر من الاستثمارات المتوقعة في ليبيا لاسيما في مجالات إعادة الإعمار والطاقة.

وبذلك، فقد انطلقت الاجتماعات والمشاورات بين أنقرة وحكومة الوفاق الوطني بطرابلس، بهدف عودة الشركات التركية إلى ليبيا إما لاستعادة مشاريعها التي توقفت بسبب سقوط نظام معمر القذافي عام 2011 أو بدء أعمال أخرى جديدة، إذ ظهر بشكل واضح أن تركيا تسرع الخطى للانفراد باستثمارات إعادة الإعمار، والهدف منها إصلاح ما دمرته الحرب المستمرة في ليبيا منذ حوالي عقد، إلى جانب الاستفادة من الموارد الطبيعية الضخمة في ليبيا من خلال الفوز بعقود لإدارة وإنتاج قطاع النفط.

الحصة الأكبر من الإعمار

وقال من جهته المحلل الاقتصادي الليبي محمود العون، وهو مدير سابق في شركة مليتة النفطية، بأن الأطماع الاقتصادية لأنقرة في ليبيا لم تعد خفية، وتابع بأنّ المتمعن في تصريحات المسؤولين الحكوميين الأتراك وتحركاتهم في الملف الليبي تتضح له المصالح التركية في ليبيا ودوافع تدخلها ودعمها لحكومة الوفاق، والتي تتمحور حول الأموال الليبية وحقول النفط، كما أشار إلى أن حكومة الوفاق تبدو غير قادرة اليوم وعاجزة عن رفض الشروط والعروض التركية التي تريد الحصول على الحصة الأكبر من مشاريع إعادة الإعمار والصفقات التجارية، وترغب بالمشاركة في إدارة الحقول النفطية، بسبب الدعم العسكري والسياسي الذي تتلقاه من تركيا.

 

تعويضات عن مشاريع تعطلت

وخلال تحدثه للعربية.نت، أشار العون إلى أن تركيا تسعى على المدى القريب إلى الحصول على تعويضات لمشروعات الشركات التركية، حيث أنها تعطلت بسبب الاضطرابات الأمنية التي صاحبت وأعقبت الإطاحة بمعمر القذافي قبل 9 أعوام، وعقد اتفاقيات جديدة من أجل ضمان فوائد اقتصادية من عملية تدخلها في ليبيا لصالح حكومة الوفاق التي لم ترحب ولم تشرع أبواب وأراضي ليبيا لأي دولة كما فعلت مع أنقرة، وأضاف بأن أولويتها حاليا تتمثل في البقاء من بين اللاعبين الأساسيين الذين سيحددون ويشكلون ما سيأتي من أحداث في ليبيا، وأيضا حماية حكومة الوفاق ودعمها للبقاء في الحكم.

إن المفاوضات بشأن هذه الخطط بلغت حد الذروة بين تركيا وحكومة الوفاق، في الوقت الذي زار وفد تركي كبير يضم وزيري الخارجية والمالية الأسبوع الماضي طرابلس واجتمع مع مسؤولين بحكومة الوفاق في محادثات، قالت عنها أنقرة بأنها تهدف إلى وضع نهاية للقتال، غير أن مسؤولا تركيا بارزا ذكر أهدافها لرويترز إذ أنهم ناقشوا المدفوعات المستحقة للشركات التركية عن أعمال الطاقة والبناء السابقة في ليبيا وبحثوا أيضا إمكانية بدء تركيا في إعادة إعمار ليبيا.

مشاريع الطاقة

وتابع المسؤول البراز كلامه بأن المسؤولين الأتراك وحكومة الوفاق تطرقوا كذلك إلى السبل التي ستجعل لتركيا تساعد في عمليات الطاقة، بما في ذلك التعاون في كل مشروع يمكن تصوره للمساعدة في وصول الموارد إلى الأسواق العالمية.

تعويض مبدئي

وفي يناير الماضي، أورد مظفر أكسوي، رئيس مجلس العلاقات الاقتصادية الخارجية التركي- الليبي بأن بلاده تعتزم توقيع اتفاق تعويض مبدئي مع حكومة الوفاق بقيمة 2.7 مليار دولار عن أعمال نفّذت في ليبيا خلال عهد القذافي وكان من المفترض أن يسددها الأخير قبل حرب 2011، موضحا أن الاتفاق سيشمل خطاب ضمان بمليار دولار إلى جانب 500 مليون دولار عن الأضرار التي لحقت بالآلات والمعدات إضافة إلى ديون غير مسددة بقيمة 1.2 مليار دولار.

وقال أيضا بأنه وفي ظل توقف المشروعات في ليبيا في الوقت الحالي بسبب القتال، فإن قيمة تأخيرات الأعمال التركية المتعاقد عليها في ليبيا تبلغ 16 مليار دولار، بما في ذلك ما بين 400 و500 مليون دولار لمشروعات لم تبدأ حتى اللحظة.

شركة يملكها مقرب من أردوغان

وشرعت الشركات التركية في العودة إلى ليبيا واستئناف نشاطاتها وأعمالها في المناطق الخاضعة لسيطرة حكومة الوفاق، وشركة جنكيز إنسات، التي يملكها محمد جنكيز رجل الأعمال المقرب من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، من أبرز تلك الشركات الحيث نجحت قبل عام من الحصول على حكم قانوني ضد دولة ليبيا في غرفة التجارة التابعة للمحكمة الجنائية الدولية في باريس، والذي يقضي بأن تدفع الدولة الليبية 50 مليون يورو مقابل عقود أنجزتها المجموعة قبل عام 2011.

كما عملت تلك الشركة المتخصصة في البناء، في العديد من مشاريع البنية التحتية لاسيما في مدن الجنوب الليبي، وقامت أيضا ببناء سدّ للمياه ومشروعات سكنية وعقارية أخرى، وهناك شركات أخرى تضررت بعد سقوط نظام معمر القذافي وتطمح أيضا للحصول على تعويضات من الدولة الليبية والمشاركة في بناء المنشآت المتهالكة من مؤسسات عامة ومطارات وشبكات طرقات، ومنها شركة غوريش للإنشاءات التي قامت ببناء عدة مشروعات عقارية وتوسعات إنشائية ونفذّت مشاريع في البنية التحتية خاصة بالعاصمة طرابلس، بالإضافة إلى شركة إنكا للمقاولات الكهربائية، والتي استأنفت أعمالها المتعلقة بإنشاء محطات توليد الطاقة الكهربائية والحرارية ومحطات الغاز في المناطق التي تسيطر عليها حكومة الوفاق، ولو بصفة غير منتظمة بسبب الأوضاع الأمنية غير المستقرة.

صهر أردوغان

هذا وأعادت شركة جاليك القابضة للطاقة الكهربائية والتي كان يديرها بيرات البيرق صهر أردوغان، قبل أن يتركها لشقيقه يافوز الذي يتولاها حاليا، فتح مكاتبها بليبيا واستأنفت هي الأخرى أعمالها في مجال الطاقة والكهرباء.

يظهر بأن تركيا تسعى إلى أن تستأثر بكل المشاريع الكهربائية في ليبيا، إذ قامت شركة الكهرباء التركية كارادينيز باور بالتعبيرعن استعدادها لاستخدام سفنها للتخفيف من حدة نقص الكهرباء في ليبيا بتكلفة إجمالية تصل لـ16 مليار دولار أميركي.

إلى ذلك تسعى أيضا تركيا اليوم إلى الدخول في إنتاج وإدارة والتنقيب عن النفط في محاولة منها لإحداث تغيير في قائمة منتجي الطاقة في ليبيا التي تضم خاصة شركات إيني الإيطالية وتوتال الفرنسية وبريتش بتروليوم البريطانية، عبر شركة البترول الحكومية تباو التي تقدمت قبل شهر بطلب لحكومة الوفاق الوطني في العاصمة الليبية من أجل الحصول على إذن بالتنقيب عن النفط في شرق البحر المتوسط.

Exit mobile version