سياسة

من تجميد لإقالة نهائية..ضربة قوية لزعيم إخوان تونس راشد الغنوشي


من تجميد لإقالة نهائية بات زعيم إخوان تونس راشد الغنوشي في موقف لا يحسد عليه بعد أن خرج خالي الوفاض من سلسلة قرارات الرئيس قيس سعيد.

ونشرت الجريدة الرسمية التونسية (الرائد) قرار رئيس الجمهورية بإعفاء كل أعضاء ديوان رئيس البرلمان المجمد راشد الغنوشي من مهامهم وهو ما ينطبق عليه أيضا.

وعلى مدار عقود حاول شيخ الإخوان يائسا أن يغير الصورة السائدة عنه لدى التونسيين، لكنه لم ينجح في التأقلم مع المظهر الخادع والموقف المتلون، فظل تلك الشخصية المنبوذة المحاطة بالشكوك والمخاوف، وذلك الرجل الذي دفع ببلاده نحو القاع، وسعى لتوريطها في حروب إقليمية.

صورة رجل “متطرف” في نظر معظم التونسيين، وخائن في أعين رفاقه ممن شاركوه تجربة تأسيس تنظيمه نهاية ستينيات القرن الماضي، فسلمهم على طبق من ذهب للنظام في عهد الرئيس الراحل زين العابدين بن علي.

انعكاس ظل عالقا في أذهان التونسيين ولم تبتره جزئيا إلا حالة الارتباك التي سادت عقب “ثورة 2011″، حين اختلطت المفاهيم فكان أن اصطاد الرجل في الماء العكر، وطار من العاصمة البريطانية لندن عائدا محملا بوعد أن لا أطماع سياسية لديه.

حينها ادّعى أنه “لن يعود مزهوا بنشوة الانتصار ويطالب بمنصب في الحكومة بل كمواطن عادي”، غير أن كلامه كما يقول التونسيون في مثلهم الشعبي “مدهون بالزبدة”، فما إن طلعت شمس النهار حتى تبخرت وعوده وأطلق منظومة فساد نهبت جيوب البلاد.

عاد محملا بأجندة استثمرت غضب الشارع، الشارع نفسه الذي طفح كيله في عيد الجمهورية الـ64، وخرج بالأمس يلفظ ديكتاتورية الإخوان، ولسان حاله يردد كلمات شاعره أبو القاسم الشابي من النشيد الوطني “لتدو السماوات برعدها.. لترم الصواعق نيرانها.. إلى عز تونس إلى مجدها..رجال البلاد و شبانها.. فلا عاش في تونس من خانها..ولا عاش من ليس من جندها”.

وما إن تلبدت سماء تونس بغيوم غاضبة من الإخوان، حتى أمطرت قرارات رئاسية من قصر قرطاج تبشر بالفرج والانعتاق من حكم رجل غلّب فقه الجماعة على قانون الدولة.

قرارات أصدرها الرئيس التونسي قيس سعيد، تضمنت تجميد عمل البرلمان الذي يتزعمه الغنوشي، وإعفاء رئيس الحكومة هشام المشيشي من منصبه.

وبموجب تلك القرارات، أُسندت السلطة التنفيذية لرئيس الدولة الذي استند في خطواته إلى الفصل 80 من الدستور الذي يسمح بهذا النوع من التدابير في حالة “الخطر الداهم”.

خطواتٌ أنهت “عشرية الإخوان الذهبية” التي كان يظن الغنوشي أنها باقية إلى الأبد، وذكّرته بغروره حين طمع بالسلطة دون أن يدرك بأنه سيأتي يوم يدفع فيه ثمن ما تبقى من حياته السياسية.

“أسوأ” رجل

منذ ترؤس الغنوشي رئاسة البرلمان عام 2019، تصدر اسمه قائمة أسوأ السياسيين بتونس، والشخصية الأدنى ثقة، وهو ما عكس إرادة شعب خَبِر كيف يسقط الجدار، وغضبه من نشاطات جماعة تآمرت على البلاد وألحقت بها ضررا سياسيا واقتصاديا فادحا.

في تلك الفترة أيضا، وجد رجل الدين الذي نزع جلبابه وارتدى ربطة عنق السياسي، نفسه في مرمى آل البيت الذين انسلخوا عن جلد الحركة والخصوم أيضا الذين أخضعوه للمساءلة أكثر من مرة.

فمنذ بداية حكم الإخوان يجد المتابع نفسه على خط مستقيم نحو تأزم الأوضاع السياسية والاقتصادية وغيرها في تونس، دون أن يشعر الغنوشي بخطاياه المميتة.

مسيرة دم كتبها الغنوشي منذ بداياته، وهو الذي نجا من حكم بالإعدام لتورطه في أعمال إرهابية صادر بحقه في آخر سنوات عهد بورقيبة، مقابل تسليمه قائمة بأسماء جميع قيادات حركته التي كانت تسمى حينها “الاتجاه الإسلامي”.

حينها، سلم الغنوشي أسماء رفاق دربه إلى النظام، وغادر هو البلاد متجها إلى الجزائر ومنها إلى لندن حيث استقر، والمعروف أن الرجل كان هناك يحصل على منحة لجوء من سلطات البلاد، ولم يعرف له يوما أي نشاط اقتصادي يدر عليه الثروة الخيالية التي يملكها الآن.

فاسد تحت الطاولة زاهد فوقها

عام 2019 انتخب البرلمان التونسي الغنوشي رئيسا له، في صفقة عقدتها حركته الإخوانية مع حزب “قلب تونس” الليبرالي بقيادة نبيل القروي.

خطوة جاءت بعد أسابيع فقط من اتهام الغنوشي لكتلة الحزب الليبرالي بالفساد والسطو على أموال وحقوق العباد في تونس، ليطفو ذات النشاز الفاضح.

فالشعارات الواهية التي يرفعها الغنوشي والزهد الكاذب، تظل مجرد أدوات لفتح الطريق نحو التغلغل بمفاصل الدولة، أما الوفاء بالتعهدات فتلك مسألة مختلفة تماما.

فمن هو الغنوشي؟

في السيرة الذاتية في محركات البحث، وجدت أنه ولد في الـ 22 من يونيو/حزيران عام 1941، في قرية الحامة بولاية قابس شرقي تونس.

أما تعليمه فتلقى الأساسي والجامعي منه في تونس، وحصل على شهادة في أصول الدين بجامعة الزيتونة.

في بداية حياته عمل معلما في قصر قفصة عام 1963، وفي السنة التالية اتجه لدراسة الزراعة في جامعة القاهرة بمصر.

لكن سرعان ما وقف الظرف السياسي أمام مشواره الأكاديمي في مصر حين تصاعد التوتر بين النظام الناصري والرئيس التونسي الحبيب بورقيبة، وغادر القاهرة متوجها إلى دمشق التي درس فيها الفلسفة قبل أن يسافر إلى فرنسا عام 1968 ويستكمل دراسته العليا في جامعة السوربون.

وفي أواخر الستينيات عاد إلى تونس وانضم إلى الجماعة الإسلامية التي تغير اسمها إلى “حركة الاتجاه الإسلامي” في ثمانينيات القرن الماضي، قبل أن تصبح “حركة النهضة” عام 1989.

خلال حكم بورقيبة، حوكم الغنوشي مرتين، الأولى بالسجن 11 عاما، عام 1981 بتهمة “التورط بأعمال إرهابية”، لكنه قضى ثلاث سنوات وخرج بعفو رئاسي في 1984.

أما الثانية فكانت بعد ثلاث سنوات، حيث حُكم عليه بالسجن المؤبد، وطلب بورقيبة حيتها بتغليظ العقوبة إلى الإعدام.

غير أن وصول زين العابدين بن علي إلى الحكم عام 1987، حال دون تنفيذ حكم الإعدام، وأمر الرئيس الراحل بإطلاق سراح الغنوشي.

بعدها حاول الغنوشي الاندماج في المشهد السياسي عبر طلبه تقنين أوضاع النهضة، وهو ما قوبل بالرفض من بن علي الذي لم يقبل أيضا ترشح أي من أعضاء حركته في الانتخابات.

تضييق دفع زعيم النهضة إلى مغادرة تونس في أبريل/نيسان 1989، قبل أن يعود إليها عام 2011 ويبدأ فصل المؤامرة على البلاد.

رحلةٌ على ألغام رفض اختزلت محطات الغنوشي منذ عودته إلى تونس في 2011، فعلاوة على اللفظ الشعبي والحزبي، واجه المساءلة البرلمانية في أكثر من مرة، في شبح عزل كاد أن يخرجه من المشهد التونسي من الباب الصغير إلى أن ودعه من بوابة الشارع والقصر.

تابعونا على

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى