متابعات إخبارية

من الرباط إلى القاهرة.. بوادر محور إقليمي يعيد صياغة المعادلات


لقاء وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة بنظيره المصري بدر عبد العاطي في القاهرة، على هامش الدورة الـ164 لمجلس جامعة الدول العربية، لم يكن مجرد تواصل دبلوماسي تقليدي، بل محطة تكشف عن تحوّل في مقاربة الرباط والقاهرة لقضايا الإقليم، ورغبة في إعادة بناء توازنات استراتيجية في ظل بيئة إقليمية ودولية تتسم بالتعقيد.

1. إعادة تموضع في الفضاء العربي

الاجتماع شكّل فرصة لتأكيد الالتزام المشترك تجاه القضايا العربية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية التي تعود بقوة إلى صدارة الأجندة الدولية مع تفاقم الوضع في غزة. التنسيق المغربي–المصري يعكس سعياً لتقديم مبادرة عربية متماسكة تتجاوز ردود الفعل الآنية، نحو صياغة مسار سياسي مستدام يعيد الثقة في الحلول الإقليمية ويمنع تهميش الفاعلين العرب في المفاوضات الدولية.

2. ربط المحور العربي بالعمق الإفريقي

البعد الإفريقي كان حاضراً بقوة في النقاش، وهو ما يعكس رؤية مشتركة تعتبر أن مستقبل الاستقرار الإقليمي يمر عبر القارة. المغرب، منذ عودته إلى الاتحاد الإفريقي، عمل على إعادة تعريف دوره كقوة اقتراحية في ملفات الأمن والتنمية. ومصر بدورها تستثمر ثقلها الدبلوماسي لتعزيز الأمن الإقليمي في القرن الإفريقي وحوض النيل. اللقاء يشير إلى إدراك الطرفين لأهمية تنسيق الجهود من أجل تقوية آليات العمل الإفريقي المشترك في مواجهة التحديات العابرة للحدود، مثل الإرهاب، والهجرة غير النظامية، وأزمات الغذاء والطاقة.

3. نحو مقاربة شراكة استراتيجية متعددة الأبعاد

ما يميز هذا اللقاء هو خروجه عن النمطية الدبلوماسية، إذ يرسم ملامح تعاون يتجاوز الإطار الثنائي ليشمل تنسيقاً في المحافل الدولية، بل وحتى إمكانية بناء منصات مشتركة للاستثمار في مشاريع البنية التحتية، والتحول الطاقي، والتعاون الأمني. ذلك يجعل من المغرب ومصر فاعلين قادرين على لعب دور “جسر” بين العالم العربي وإفريقيا جنوب الصحراء، في وقت تعرف فيه القارة سباقاً محموماً بين القوى الكبرى لتعزيز نفوذها.

4. دلالات استراتيجية

الرسالة الأبرز لهذا الاجتماع أن الرباط والقاهرة تعيان أن التحديات المقبلة ـ من إعادة تشكيل النظام الإقليمي إلى تداعيات الأزمات العالمية ـ تتطلب مقاربات استباقية وتحالفات مرنة مبنية على المصالح المشتركة. هذا النهج يضع البلدين في موقع يسمح لهما بالتأثير في صياغة الأجندة الإقليمية، لا الاكتفاء برد الفعل على التطورات.

اللقاء إذن ليس مجرد حدث بروتوكولي، بل خطوة في مسار بناء محور استراتيجي عربي–إفريقي جديد، يعيد للدبلوماسية العربية دورها كفاعل منتج للأفكار والحلول، ويعزز من قدرة القارة على فرض أولوياتها في النظام الدولي القادم.

تابعونا على

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى