من الدعم إلى الإدانة.. كيف تحولت صورة إسرائيل دوليًا بعد حرب غزة؟

بدأت إسرائيل الحرب على غزة بدعم دولي غربي واسع، ولكن بعد عامين من هذه الحرب تجد نفسها معزولة وحتى منبوذة.
واستطاعت إسرائيل توظيف الهجوم المفاجئ الذي شنته حركة حماس على قواعد عسكرية وبلدات إسرائيلية في غلاف قطاع غزة لصالحها.
ففي الأيام الأولى من الحرب أضيئت المباني الشهيرة حول العالم بلون علم إسرائيل في إشارة إلى التضامن الدولي معها، بعدما اعتبرت أن الهجوم هو الأسوأ في تاريخها.
فمع بداية الحرب كانت العديد من الدول حول العالم تعتبر الحرب مبررة ولكن بمرور عدة أشهر على الحرب تراجع الدعم الدولي لإسرائيل ولم يعد ينظر للحرب باعتبارها دفاعا عن النفس.
وقوضت إسرائيل هذا التعاطف بعد مشاهد قصف وتدمير أدت إلى مقتل عشرات آلاف الفلسطينيين، غالبيتهم من الأطفال والنساء، وإصابة وتشريد مئات آلاف المدنيين.
وامتلأت منصات التواصل الاجتماعي بعشرات آلاف مقاطع الفيديو لمقتل الأطفال والنساء تحت قصف طائرات مقاتلة حديثة للمساكن بآلاف الأطنان من القنابل.
وسريعا انتشرت مقاطع الفيديو، على مليارات الهواتف الذكية حول العالم، التي تظهر الجوع وحتى الموت نتيجة الجوع.
سعت إسرائيل لمحاولة التهرب من الاتهامات بالادعاء بأنها تحذر الفلسطينيين قبل القصف ونفت بشدة وجود جوع في غزة رغم التقارير الدولية والأممية التي أكدت وجوده.
وساهمت عشرات مقاطع الفيديو التي نشرها جنود إسرائيليون من داخل قطاع غزة إضافة إلى التغطيات الصحفية في إحداث التحول الدولي.
فالجنود في مقاطع الفيديو، التي تم تداولها على نطاق واسع في العالم، اعتبروا أن دافع الحرب ليس فقط الانتقام وإنما القضاء على كل ما في غزة من بشر وحجر.
فكان الجنود ينشرون مقاطع فيديو لتدمير أحياء بكاملها لذكرى جندي قتل في المعارك وأحيانا حتى في مناسبات مثل عيد ميلاد بنت أحد الجنود.
لم يعد العالم يقوى على المشاهدة أكثر، فخرج إلى الشوارع في عواصم العالم للمطالبة بوقف الحرب.
وساهم أيضًا في بلورة الموقف العالمي ضد الحرب تصريحات قادة المعارضة الإسرائيلية الذين قالوا إن الهدف من إدامة الحرب هو بقاء الحكومة اليمينية في إسرائيل برئاسة بنيامين نتنياهو.
وصدرت آلاف التصريحات عن المسؤولين في المعارضة الإسرائيلية التي دعت إلى وقف الحرب بعد أشهر من انطلاقها.
وإضافة إلى مقاطع فيديو الجنود وتصريحات المعارضة، فإن تصريحات صدرت عن مسؤولين إسرائيليين، بينهم وزير الأمن القومي اليميني المتطرف إيتمار بن غفير، ووزير المالية اليميني المتطرف بتسلئيل سموتريتش، دعت إلى احتلال قطاع غزة، وإقامة المستوطنات على أراضي القطاع، وترحيل سكانه بعد تدمير المدن.
فتصريحات مثل “لا أبرياء في غزة”، و”لنلقِ عليهم القنبلة النووية”، و”لنقضِ عليهم جميعًا”، و”حتى الأطفال سيصبحون مسلحين عندما يكبرون”، قادت الانقلاب في الموقف الدولي، بدءًا من الشعبي ثم الرسمي، ضد إسرائيل.
فقد شكلت هذه التصريحات وقودًا لرأي دولي توسّع سريعًا، بعدما أدرك العالم أن الهدف من الحرب لم يعد الانتقام من المسؤولين عن هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول، وإنما الانتقام من الفلسطينيين عمومًا في قطاع غزة.
وساهمت المظاهرات الكبيرة التي قادتها عائلات الرهائن الإسرائيليين، تحديدًا في أمسيات يوم السبت، للمطالبة بوقف الحرب، في تنامي الموقف الدولي الرافض لاستمرارها.
وغاب ما يجري في قطاع غزة عن عيون الإسرائيليين، إذ اكتفى الإعلام بنقل مشاهد الطائرات الحربية وهي تقصف، والمباني وهي تسقط بفعل المتفجرات، ولم تصل إلى شاشات محطات التلفزة الإسرائيلية مشاهد الأطفال والنساء والشيوخ القتلى في غزة.
مظاهرات في القارات الخمس
وخرج الملايين من الناس في مظاهرات حاشدة في القارات الخمس ضد الحرب.
فمن الجامعات المرموقة في الولايات المتحدة الأمريكية إلى شوارع باريس ولندن وروما وبرشلونه إلى أمريكا الجنوبية وأفريقيا وآسيا وحتى أستراليا، خرج الملايين مطالبين بوقف الحرب.
وبمواجهة مقاطع الفيديو المنتشرة عبر منصات التواصل الاجتماعي فشلت إسرائيل في حرب الدفاع الكلامي عن ما يجري.
ماذا يقول الجمهور الإسرائيلي؟
أظهر استطلاع للرأي العام أجراه معهد ديمقراطية إسرائيل التابعة لجامعة تل أبيب إن “غالبية الجمهور تعتقد أن مكانة إسرائيل على الساحة الدولية اليوم أسوأ مما كانت عليه قبل السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023”.
وقال 73% من المشاركين في الاستطلاع إن مكانة إسرائيل الدولية أسوأ مما كانت عليه قبل الحرب.
وعلى ذلك فإن “غالبية الجمهور الإسرائيلي ترى أن الوقت قد حان لإنهاء الحرب في غزة (66% من إجمالي العينة)”.
للمقاطعة أوجه متعددة
وقالت صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية إن “إسرائيل تفقد شرعيتها تدريجيًا حول العالم، إذ وُضعت ضمن مجموعة تضم دولًا منبوذة أخرى. حتى أقدم أصدقائها وأكثرهم ولاءً يجدون صعوبة متزايدة في الارتباط بها”.
وأضافت أنه “للمقاطعة أوجه متعددة. تشمل عقوبات على المستوطنين، وحظر دخول كبار الوزراء، واحتجاجات في الفعاليات الرياضية، وإبعادًا غير مباشر للمشاركين فيها؛ وحظرًا على الأسلحة، واحتجاجات من عمال الموانئ الذين يرفضون تحميل السفن الإسرائيلية؛ وسلاسل متاجر كبرى ترفض شراء المنتجات الزراعية من إسرائيل؛ وسحب صناديق استثمارية استثماراتها من الشركات الإسرائيلية، بل وحتى من الشركات الأمريكية التي تدعم إسرائيل في أفعالها في غزة”.
وتابعت قائلة: “بدأت المقاطعة في عالم الثقافة، مُضرةً بشكل رئيسي بالفنانين المسرحيين. لكن من هنا تطورت الأمور: فالتعاون والتمويل، وحتى المشاركة في المؤتمرات، بدأت تختفي، في ظل الضغط العالمي المتزايد. حتى مجال كان محل حسد العالم أجمع – شركات التكنولوجيا الناشئة – بدأ يشعر بضغط في الأشهر الأخيرة. بدأت العديد من الشركات تفكر في إعادة تأسيس أعمالها في بلد آخر، أو القيام بذلك، و/أو إزالة الرموز الإسرائيلية أو على الأقل عدم إبرازها”.
كما أشارت إلى أنه “بشكل عام، يواجه الإسرائيليون عداءً متزايدًا عند سفرهم إلى الخارج”.
وقالت “هآرتس”: “يمكن للإسرائيليين أن يهتفوا بـ”معاداة السامية” حتى يحمرّ وجههم، وينكرون أن هذه المقاطعات موجهة ضد سياسات الحكومة، وليس ضد اليهود. بدأ العالم يُوضح لإسرائيل أن هناك ثمنًا لاستمرار الحرب في غزة. إنها طريقته في القول إن أفعالها لم تعد مقبولة. إذا استمرت إسرائيل على نهجها الحالي، فقد نستيقظ قريبًا لنجد أنها لا تستطيع الصمود في هذه العزلة”.
أما بن درور يميني فقد كتب في صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية ” من المفيد النظر إلى العامين الماضيين من منظور شامل. في الأسابيع الأخيرة، كادت إسرائيل أن تنهار تمامًا. ليس عسكريًا، بل سياسيًا واستراتيجيًا. نجحت حماس في جرّ إسرائيل إلى الانهيار”.
وأضاف أنه : “بدأت المقاطعة الاقتصادية تؤثر على الواردات والصادرات. لم يثبت الافتراض الإسرائيلي بأن “الضغط العسكري سيؤدي إلى تنازلات” صحته خلال العامين الماضيين، على العكس من ذلك، هدد الضغط الدولي، المدفوع بالعمل العسكري، بدفع إسرائيل من الانهيار إلى الانهيار التام”.
وتابع: “جاء الاتفاق في لحظة حرجة.. إن إعلان إسرائيل وقف القتال، حتى لو استمر لأغراض دفاعية فقط، يُعدّ في الواقع إنقاذًا لها من الانهيار”.
واعتبر أنه “على أي حال، تكمن المشكلة في تراكم الأضرار. لقد كسبت إسرائيل المعركة، لكنها خسرت الحرب. بدأت جميع الإنجازات الاستراتيجية المهمة ضد إيران وحزب الله تتلاشى بسبب تفاقم الضرر الذي لحق بمكانة إسرائيل الدولية. كاد رفض عمال الموانئ المتزايد تحميل البضائع المتجهة إلى إسرائيل أن يؤدي إلى أزمة اقتصادية غير مسبوقة. خطوة أخرى نحو الانهيار. بالفعل، لم تصل معدات عسكرية حيوية إلى إسرائيل”.
وأضاف في إشارة إلى خطة ترامب: “الاتفاق، إذا ترسخ، لن يمحو العداء تجاه إسرائيل بين عشية وضحاها. لكنه يكبح جماحه.. الآن، ستبدأ المهمة الصعبة المتمثلة في إعادة بناء المكانة الدبلوماسية لإسرائيل. من المشكوك فيه أن تكون هذه الحكومة قادرة على القيام بهذه المهمة. ستكون مهمة طويلة الأمد”.