سياسة

منْ يبحث عن الحرب في ليبيا؟


مرّ الأسبوع الأول من الهدنة المعلن عنها ثنائياً وبشكلٍ فردي بين كلّ من مجلس النواب الليبي وحكومة “الوفاق الوطني”، لكن ما يجري ميدانياً على الأرض فعلياً يبعث على القلق، لا سيما وأن التحرّكات العسكرية من مليشيات حكومة الوفاق لم تتوقف بعد، رغم إعلان وقف إطلاق النار بين الجانبين.

             

إن الهدنة الّتي دعا إليها الطرفان الليبيان لوقف إطلاق النار يوم الجمعة الماضي، تبدو للوهلة الأولى خطوة تاريخية مهمة ولكن الأحداث الدموية التي ترافقها في العاصمة طرابلس خيّبت الآمال، وخاصة مع استخدام مليشيات حكومة “الوفاق” المدعومة من تركيا وقطر الرصاص الحي لتفريق المتظاهرين الغاضبين خلال هذا الأسبوع، والمطالبين بإسقاط الحكومة التي يقودها فايز السرّاج، والذي يتسبب في استمرار النزاع الحالي في ليبيا.

وبالتالي فإن استخدام العنف المفرط بحق المحتجين السلميين قتل الهدنة قبل أن تبدأ فعلياً، لا سيما وأن الرصاص جاء من جهة طرف رئيسي في الحرب الليبية وكان مطلوباً منه التهدئة كخطوة نحو حلٍ سلمي لأزمة البلاد، بدلاً من التصعيد العسكري الذي حدث في طرابلس أخيراً، وتضمن بالإضافة إلى استهداف المتظاهرين بالرصاص الحي، حملة اعتقالاتٍ واسعة النطاق بحق المدنيين العزل، الأمر الذي يؤكد عدم نية السراج لحل المشكلة المستمرة، ويوضح مرة جديدة أن الأخير وحكومته لا يتقبلان فكرة التفاوض مع المشير خليفة حفتر بشكل حضاري وسلمي.

واللافت أيضاً في احتجاجات طرابلس، مقتل جنديّ تركي آخر، أعلنت أنقرة عن مقتله دون ذكر تفاصيلٍ أخرى، ما يوضح أن القوات التركية كانت حاضرة بقوّة خلال عملية قمع التظاهرات الليبية، وأن أوامر إطلاق النار على المحتجين قد تكون صدرت عنها وميليشيات “الوفاق” نفذت المهمة الدموية بسرعة، لتلعب مجدداً الدور الموكل إليها في زعزعة استقرار ليبيا وحماية مصالح أنقرة على أراضيها.

كذلك رافق إعلان الهدنة الهشة، تحرّكات عسكرية لمليشيات “الوفاق” نحو منطقتي سرت والجفرة في خطوة تثبت عدم وجود نيّة حقيقية لديها لوقف إطلاق النار بشكل فعلي، تتمتع المنطقتان بأهمية استراتيجية كبيرة لوقوع عدّة قواعدٍ جوّية فيها، وكذلك تمثلان صلة وصل يمكن من خلالها الوصول لكل المناطق الليبية وحتى الحدود المصرية. لذلك لا يمكن للجيش الوطني الذي يقوده المشير حفتر السماح لتلك المليشيات بالسيطرة عليهما، والالتزام بالهدنة في ظل هذه المحاولات.

لذلك فإن مجلس النواب الذي يمثّل الشرعية الليبية يود بالفعل حلّ الأزمة الحالية وهذا ما دعاه لإعلان الهدنة مع حكومة الوفاق للوصول إلى السلام، لكن الطرف الأخير لا يملك هذا القرار، لأن السلطة الفعلية في حقيقة الأمر ليست في يد حكومة السراج وإنما بيد تركيا، التي تسيّر تحركاته بالكامل، الأمر الذي يمنعه من المضي قدماً في الحلّ السياسي بسبب وجود قواتٍ وقواعد تركيّة على الأراضي الليبية مع آلاف المرتزقة الذين نقلتهم أنقرة إلى ليبيا للقتال، إضافة إلى التعزيزات العسكرية الضخمة التي عبرت الحدود إلى ليبيا في الأشهر الأخيرة.

ومن الضروري الإشارة أيضاً إلى أن حكومة مليشيات الوفاق ليست شرعية، فهي لم تعد تحظى بثقة البرلمان بعد انتهاء مدتها، ومنح البرلمان بعد ذلك الثقة للجيش الذي يقاتل الإرهاب في ليبيا ويدافع عن شعبها، ما يعني أن تلك المليشيات ليست طرفاً شرعياً على الإطلاق.

وعليه فإن المعركة اليوم في ليبيا هي بين قواتٍ شرعية تحظى بثقة البرلمان من جهة، وجهات غير شرعية مدعومة من أنقرة، تريد منح ليبيا على طبق من ذهب للرئيس التركي رجب طيب أردوغان. ولذلك أي مبادرة لوقف إطلاق النار لن تنجح ما لم تتضمن قراراً حاسماً من الجيش الوطني بمنح حكومة المليشيات مهلة محددة لمغادرة القوات التركية ومعها المرتزقة، وبعد ذلك يمكن البدء بالمفاوضات.

وفي المحصلة، استمرار وجود قوات أردوغان ومليشياته على الأراضي الليبية لا يسمح بأي هدنة ووقف القتال، بل سيكون هناك سيناريو جديد في محاولة لتضليل العالم، كما حصل في سوريا سابقاً، فكل هدنةٍ كانت تركيا طرفاً فيها تبعها سيطرتها بالكامل على المناطق التي التزمَّ فيها الطرف الآخر باتفاق وقف إطلاق النار، وهو أمرٌ لا يجب أن يتكرر في ليبيا.

نقلا عن العين الإخبارية

تابعونا على
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى