سياسة

منهج إسرائيل في القدس.. وقطار السلام


أرجو ألا يتجاوز التفكير الإسرائيلي الواقعية حول المطلوب من جيرانها العرب وهي تطمح بقوة إلى أن تقيم علاقات سلمية مع الجميع.

القدس تاريخياً وعقدياً منطقة معقّدة ولا يمكن أن تؤدي الحلول العسكرية إلى إنهاء أزماتها، ومن المستحيل أن يتم طي الصفحات التاريخية ببساطة ولمجرد أن السلام قد تم مع إسرائيل، القضية فيها جانبان مهمان؛ الأول سياسي والآخر تاريخي، السياسي حقق نجاحاته في عمليات السلام التي قد تتطور في المستقبل، ولكن ذلك لا يعني أبداً التنازل عن الحق الفلسطيني وأعني بالحق الفلسطيني أي الحق العربي والإسلامي في القدس بجانب الحق التاريخي للمواطنين الفلسطينيين للعيش في دولة مستقلة.

القضية ليست نزاعاً عقارياً حول أربعة منازل يراد إخلاؤها لصالح مستوطنين، وليست بهذه البساطة التي تتوقع القوات الإسرائيلية أنها ستتمكن من معالجتها بسرعة، فالقوات الإسرائيلية قامت بمحاصرة بوابة العامود التاريخية والمؤدية إلى المدينة القديمة في شهر ديني يهم كل العالم الإسلامي، ففي شهر رمضان تحديداً اعتادت الأسر الفلسطينية المقدسية تناول الإفطار في هذه المنطقة، وبذلك فإن أي استثارة في هذا التوقيت وفي هذا المكان ستكون مؤشراً سلبياً ومقدمة لأزمة قد تعيد الكثير من القضايا إلى المربع القديم.

النزاع على الأرض هو لب المشكلة، ويستحيل أن يسمح التاريخ لأي فرد من العرب أو المسلمين سواء كان قائداً أو مواطناً تقبل فكرة أن النزاع على الأرض يسهل حسمه لصالح طرف بعينه، لمجرد أنه الأقوى أو لمجرد أن علاقات دبلوماسية قامت بين دول المنطقة وإسرائيل، السلام لا يعني الذهاب إلى خيارات غير مقبولة، أو تجاوز مراحل تاريخية معقدة، صحيح أن قبول إسرائيل في المنطقة تجاوز الكثير من المنعطفات، ولكن ذلك لا يعني ألا تتحمل إسرائيل مسؤوليتها في فهم طبيعة وجودها في المنطقة، والحق الفلسطيني في إقامة دولته على أرضه ووفقاً للقرارات الدولية.

الحق الفلسطيني لن يكون منعطفاً سهل التجاوز، والقضية الفلسطينية الكل يدرك متطلباتها، ومعالجة الأزمة السياسية في الداخل الإسرائيلي يجب ألا تمر عبر “حي الشيخ جراح”، وتلك الأزمة التي قد تهدد الاستقرار في المنطقة بأكملها فيما لو تطور الأمر إلى انتفاضة جديدة في ظل هذه الظروف السياسية التي تمر بها المنطقة، وذلك الاحتقان السياسي في أكثر من موقع في المنطقة العربية والإسلامية.

على إسرائيل أن تنحاز إلى حل الأزمة في هذه المنطقة ليس بالانسحاب فقط من محيط القدس في هذه الأيام، ولكن بالعمل على تقديم نفسها للعالم المحيط بها بشكل مناسب، خاصة إذا كانت تطمع حقاً في الاستفادة من الفرص التاريخية التي قد تتغير خلال العقود المقبلة مع دخول العالم في منافسات الأقطاب الكبرى، فالقدس سوف تظل قضية معقدة وصعبة الحلول، ولن تكون القوة وحدها كفيلة بطمس التاريخ، فالعالم اليوم يتابع وبقلق كل ما يجري في هذه البقعة التي تهم كل ديانات العالم، وتعد مسرحاً تاريخياً لن يكون من السهل فرض السيطرة عليه لمجرد القدرة على فرض القوة فيها، فبهذا المنهج ستكون إسرائيل عالقة في قطار مشروعات السلام التي تطمح إلى توسيعها في المنطقة، والثمن المباشر لتوسيع دائرة السلام والاندماج مع دول المنطقة هو الحق الفلسطيني، وفق القرارات الدولية والمبادرات الإقليمية.


تابعونا على
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى