منظمات حقوقية تتهم مالطا بإعادة مهاجرين قسرًا إلى ليبيا
تتزايد الضغوط التي تفرضها الهجرة غير النظامية على ضفتي البحر المتوسط، في وقت تكشف فيه تقارير صحفية وحقوقية عن ممارسات مثيرة للجدل في إدارة هذا الملف، لا سيما ما يتعلق بتنسيق غير معلن بين بعض الدول الأوروبية والسلطات الليبية، ينتهي بإعادة مهاجرين قسراً إلى الأراضي الليبية، رغم المخاطر الإنسانية والقانونية المترتبة على ذلك.
وتشير معطيات نشرتها وسائل إعلام في مالطا إلى تكرار حالات دخول زوارق خفر السواحل الليبي إلى مناطق بحث وإنقاذ خاضعة للسيادة المالطية، وهو ما يعكس، بحسب مراقبين، نمطاً متزايداً من التعاون العملي يهدف إلى منع المهاجرين من بلوغ السواحل الأوروبية، حتى وإن كان ذلك على حساب التزامات دولية تتعلق بإنقاذ الأرواح في البحر.
وتوضح البيانات أن السلطات المالطية تلقت خلال النصف الأول من العام الجاري مئات نداءات الاستغاثة من قوارب تقل آلاف المهاجرين، إلا أن الاستجابة المباشرة ظلت محدودة للغاية. وفي المقابل، سُجل ارتفاع ملحوظ في عدد المهاجرين الذين جرى اعتراضهم وإعادتهم إلى ليبيا، في مؤشر على تحول واضح في آليات التعامل مع الهجرة البحرية.
ويثير هذا النهج انتقادات حادة من منظمات حقوقية، ترى أن إحالة عمليات الإنقاذ فعلياً إلى خفر السواحل الليبي تمثل التفافاً على القوانين الدولية، خاصة أن ليبيا لا تُعد، وفق توصيف الأمم المتحدة، “بلداً آمناً” لإعادة المهاجرين. وتؤكد هذه الجهات أن إعادة الأشخاص قسراً تعرّضهم لمخاطر جسيمة، في ظل واقع أمني هش وانقسامات سياسية ما زالت تلقي بظلالها على البلاد.
من الجانب الليبي، يشكّل ملف الهجرة عبئاً إضافياً على دولة تعاني أصلاً من ضعف المؤسسات وتعدد مراكز النفوذ. فمراكز الاحتجاز، التي يُعاد إليها المهاجرون، تواجه اتهامات متكررة بارتكاب انتهاكات جسيمة، فيما تعجز السلطات عن توفير الحد الأدنى من الحماية أو الظروف الإنسانية، ما يجعل ليبيا نقطة اختناق خطرة في مسار الهجرة نحو أوروبا.
أما على الضفة الأوروبية، فتواجه الحكومات ضغوطاً سياسية داخلية متصاعدة للحد من تدفق المهاجرين، وسط صعود تيارات يمينية تشدد على تشديد الحدود. ويرى محللون أن هذا السياق يدفع بعض الدول إلى تبني سياسات “الردع الخارجي”، عبر نقل عبء الهجرة إلى دول العبور، حتى وإن تعارض ذلك مع المبادئ المعلنة للاتحاد الأوروبي بشأن حقوق الإنسان.
ويوضح ناشطون أن تراجع عمليات الإنقاذ الرسمية في وسط المتوسط تزامن مع ارتفاع عمليات الاعتراض، ما يعكس تحولاً من منطق الإنقاذ إلى منطق المنع. ويؤكدون أن هذا التحول لا يقلل من أعداد المهاجرين بقدر ما يزيد من خطورة الرحلات، ويدفع شبكات التهريب إلى اعتماد مسارات أكثر خطورة.
وفي ظل هذا المشهد المعقد، تبدو الهجرة غير النظامية اختباراً مزدوجاً لليبيا وأوروبا معاً: فالأولى تجد نفسها محاصرة بأعباء إنسانية وأمنية تفوق قدراتها، بينما تواجه الثانية معضلة التوفيق بين حماية حدودها والالتزام بقيمها القانونية والأخلاقية. وبين هذين الطرفين، يظل المهاجرون الحلقة الأضعف، عالقين في سياسات متشابكة يدفعون ثمنها من حياتهم وكرامتهم.



