مقذوف “حوثي” ضرب منطقة جازان السعودية، ونتج عنه قتلى وجرحى مدنيون وتضررت بعض المحلات التجارية والسيارات، هذا نموذج واقعي ومثالٌ للعبث الاستراتيجي الذي تمارسه “مليشيا الحوثي” في اليمن وتجاه السعودية.
أدانت دولة الإمارات الحادث بأوضح العبارات، وجاء في بيان وزارة الخارجية والتعاون الدولي بأن “أمن الإمارات والسعودية كلٌ لا يتجزأ” وأن “أي تهديد أو خطر يواجه المملكة تعتبره الدولة تهديداً لمنظومة الأمن والاستقرار فيها”، وهذه سياسة إماراتية ثابتةٌ.
توالت الإدانات العربية والدولية لهذا الحادث المؤسف، والجديد هو تصاعد عبارات الإدانة الأمريكية، حيث عبرت السفارة الأمريكية في الرياض عن إدانة هذا الهجوم، وقالت: “إن هجمات الحوثيين تديم أمد الصراع وتطيل معاناة الشعب اليمني، وتعرض الشعب السعودي وأكثر من 70 ألف أمريكي يقيمون في المملكة للخطر”.
إحدى جرائم “مليشيا الحوثي” الكبرى هي “تجنيد الأطفال” أيديولوجياً وعسكرياً، ففضلاً عن حرمان أطفال اليمن من التعليم والصحة والخدمات الأساسية، فهي تغسل أدمغة الأطفال بمناهج أيديولوجية متطرفة لا علاقة لها بدين الأطفال ومذهبهم، ما يؤثر بشكل مباشر على تكوينهم العقلي والنفسي ويحوّلهم -وهذه جريمة أخرى- لأدوات قتلٍ وتفجيرٍ ولجنودٍ في معركةٍ ليست لهم وحربٍ لا يفهمونها ولا يدركون كنهها وأبعادها.
مقاطع الفيديو القادمة من اليمن تحكي فصولاً مؤلمةً في هذا السياق، فأطفال بعمر الزهور يخرجون على آليات عسكرية أو شبه عسكرية، مدججين بالأسلحة ويرددون عباراتٍ أيديولوجية متطرفة يتم إجبارهم على حفظها من “ملازم حسين الحوثي” ويهددون المخالفين بالويل والثبور وعظائم الأمور.
جيل كامل من الشعب اليمني يخضع لمليشيا متطرفة وإرهابية تمارس في حقه كل أنواع الجرائم وتحوّل مستقبله إلى ظلامٍ دامس وتيه دائم، وجماعات الإسلام السياسي بنسختيها السنية والشيعية تقيم قدراً كبيراً وعالياً لموضوع “التربية والتعليم” وتسخر من كل المواثيق الدولية وحقوق الطفل وتحوّل الأطفال إلى مشاريع إرهابية طويلة الأمد، ثم تغلّف ذلك كله بشعاراتٍ دينية وطائفية ومذهبية فاقعة ومدمرة.
تعنى الدول الحية بأجيالها القادمة وتسعى في جهدها لبناء الإنسان المتعلم والمتميز والقادر على صناعة الفارق في مستقبل دولهم وبلدانهم، بينما تسعى هذه الجماعات الأيديولوجية إلى هدم الإنسان وتجهيله وتحويله إلى قنبلة متفجرة وأداة عنيفة تعشق الدماء وتحب الدمار، وهذه الجريمة هي أقسى أنواع الجرائم وأبعدها أثراً في المستقبل.
بعض المؤسسات الدولية تظهر عنايةً بمظاهر الحروب العسكرية ذات الصدى الإعلامي، ولكنها تتغافل تماماً عن تشويه عقول الأجيال وتجنيد الأطفال والقضاء المبرم على مستقبلهم، وهذا نوعٌ من الانحياز لمليشيا “الحوثي” والتغطية عليها.
يدفع لهذا وجود انحيازات سياسيةٍ لدى بعض هذه المؤسسات الدولية وبعض قادتها تمنعهم من رؤية الواقع كما هو والتعامل مع مخاطره وجرائمه بحيادية، وهذه الانحيازات لها نماذج متعددة تجاه قضايا مختلفة لا يجمع بينها إلا أنها ضد الدول العربية وشعوبها.
“اختطاف التربية والتعليم” هو تخصص تركز عليه جماعات الإسلام السياسي تركيزاً عالياً وتمنحه أولويةً قصوى في كل الدول التي عملت بها لتحقيق أهداف هذه الجماعات السياسية، وإن باستخدام الإسلام كأداة للصراع، لا كدينٍ سماويٍ كريم، وإن بتشويه وتسميم عقول الأطفال خدمةً للجماعة والتنظيم، وهي صنعت هذا كله في كل بلدٍ عملت فيه، وتستهدف به كل شعبٍ تغلغلت في مجتمعه.
أخيراً، فهذه المعركة تحديداً تحمل عبئها المؤسسات الدولية والدول العظمى في العالم، التي لا تولي هذه الجرائم الخطيرة على واقع ومستقبل اليمن الاهتمام الكافي، وتحمل عبئها -كذلك- الشرعية اليمنية المدعومة عربياً ودولياً، وهي معركة حاسمة ولكنها تحتاج إلى وعي وعمل استراتيجي طويل الأمد.
نقلا عن الاتحاد الإماراتية