مقتل السنوار يكشف صراعاً داخلياً في حماس حول قيادة الجناح العسكري

في تطور دراماتيكي يُحتمل أن يعيد تشكيل المشهد القيادي لحركة حماس، أعلنت مصادر إسرائيلية بارزة، الأربعاء، مقتل محمد السنوار، القيادي الميداني الأبرز وشقيق زعيم الحركة يحيى السنوار، في غارة استهدفت مجمعًا تحت الأرض بخان يونس، العملية، التي وصفتها تل أبيب بـ”الجراحية”، استهدفت موقعًا سريًا لاجتماع عسكري، بعيدًا عن المناطق المحصّنة بالأسرى الإسرائيليين، ما منح الاستخبارات الإسرائيلية فرصة نادرة لتصفية أحد أبرز العقول المخططة لهجوم السابع من أكتوبر، غير أن ما جعل العملية أكثر تعقيدًا من مجرد اغتيال ميداني، هو ما كُشف لاحقًا عن وجود خلافات استراتيجية حادة بين محمد السنوار وقادة حماس في الخارج، وصلت إلى حد تجاوز صلاحياته في ملف الأسرى، هذا التطور لا يسلط الضوء فقط على الانقسام الداخلي، بل يطرح أسئلة عن هوية خليفته وديناميات السلطة داخل الجناح العسكري في غزة، في وقت يزداد فيه الضغط الدولي والإقليمي على الحركة.
*اجتماعًا استثنائيًا*
أكدت القناة 14 الإسرائيلية، نقلاً عن مصادر أمنية، مقتل القيادي في حركة حماس محمد السنوار في غارة نفذتها القوات الإسرائيلية جنوب قطاع غزة، وتحديدًا في مجمع تابع لمستشفى الأوروبي في خان يونس.
الغارة جاءت عقب معلومات استخبارية دقيقة أشارت إلى عقد السنوار اجتماعًا استثنائيًا لقيادة جناحه العسكري بعيدًا عن مواقع احتجاز الأسرى الإسرائيليين، وهو ما اعتبرته إسرائيل “الخطأ القاتل” الذي أدى إلى تصفيته.
من هو
محمد السنوار، الأخ الأصغر ليحيى السنوار، كان يعد من أكثر القادة تشددًا داخل الحركة، وقد برز اسمه منذ بداية الحرب بعد عملية السابع من أكتوبر، التي تتهمه إسرائيل بأنه أحد عقولها المدبرة.
على الرغم من مكانته الرفيعة داخل الجهاز العسكري، فإن السنوات الأخيرة شهدت تصاعد توترات بينه وبين قيادة حماس في الخارج، وخاصة بعد دخول وساطات دولية، أبرزها أمريكية وقطرية، على خط مفاوضات تبادل الأسرى.
بحسب صحيفة “معاريف” الإسرائيلية، فإن الخلاف بين محمد السنوار وقادة الخارج بلغ ذروته مؤخرًا حين قرر هؤلاء الإفراج عن الجندي الأميركي- الإسرائيلي عيدان ألكسندر، دون الرجوع إليه.
القرار، الذي اعتُبر بمثابة انتزاع لصلاحياته، دفعه للرد بتنظيم اجتماع طارئ مع عدد من القيادات الميدانية الموالية له، وهو الاجتماع الذي رُصد من قبل إسرائيل، وتم استهدافه لاحقًا في عملية محكمة.
رفض التفاوض
وكشفت الصحيفة، أن محمد السنوار تمسك بمواقف متشددة إزاء أي تنازلات في ملف التفاوض، ورفض الانخراط في التفاهمات التي يجريها ممثلو حماس في قطر ولبنان.
ووفقًا لمصادر إسرائيلية، فإن هذه المواقف كانت إحدى نقاط الاحتكاك الجوهرية بين الجناحين: الميداني في غزة، والسياسي في الخارج. بل إن بعض التحليلات داخل إسرائيل ترى أن تصاعد هذا التوتر الداخلي قد يكون قد سهل اختراق البنية الأمنية المحيطة بالسنوار.
وبينما لم تؤكد حماس رسميًا نبأ مقتل السنوار حتى اللحظة، فإن تسريبات إسرائيلية متطابقة تحدثت عن بدء ترتيبات داخلية لاختيار خليفة له، ورجّحت أن عز الدين حداد، أحد أبرز قادة كتائب القسام في القطاع، سيكون الخليفة العسكري المنتظر.
حداد، المعروف بارتباطه الوثيق بيحيى السنوار، يتمتع بخبرة ميدانية واسعة، وكان مسؤولًا عن إدارة عدة ملفات عملياتية خلال الحرب الجارية.
تشير هذه التطورات إلى تغير في تركيبة القيادة الميدانية لحماس، قد يفتح الباب أمام إعادة تموضع داخلي، وربما مراجعة بعض السياسات العسكرية، خاصة إذا تعززت مكانة الجناح السياسي على حساب القيادة المحلية في غزة.
الضربة التي استهدفت السنوار لا تعدّ مجرد اغتيال فردي بل رسالة استراتيجية مزدوجة من إسرائيل: أولًا، أنها قادرة على اختراق أعلى مستويات التحصين في قلب غزة رغم الحرب المفتوحة، وثانيًا أنها تتابع عن كثب صراعات الداخل الحمساوي وتستثمرها أمنيًا.
تعميق الانقسام
من جانب آخر، ترى بعض الأوساط الفلسطينية، أن التسريبات الإسرائيلية تهدف إلى تعميق الانقسام داخل حركة حماس، في وقت تتعرض فيه الحركة لضغوط دولية متزايدة بشأن ملف الأسرى والهدنة طويلة الأمد.
وفي حين رحب الإعلام العبري بالعملية واعتبرها “إنجازًا استخباراتيًا”، فإن الحركة لم تصدر حتى الآن بيانًا رسميًا يؤكد أو ينفي الحادث، ما يعزز فرضية وجود تداعيات تنظيمية وأمنية داخلية معقدة.