مقاطعة تركيا ضرورة أمنية واقتصادية
مقاطعة المنتجات التركية، حملة محض شعبية انتشرت في بلادنا انتشار النار في الهشيم، وهي في المحصلة النهائية خطوة أمنية واقتصاديه، فضلاً عن مردوداتها السياسية في تلقين تركيا، وربما غير تركيا، درساً لن ينسوه، فقد تكالبت على أردوغان المشاكل من كل حدب وصوب، لتزداد آمال المعارضة التركية في إسقاطه، وإنقاذ تركيا، وإصلاح ما أفسده من مغامراته التي يكتنفها الهوس باستعادة الإمبراطورية العثمانية من جديد.
أردوغان متشبع من رأسه حتى أخمص قدميه بالهوية العثمانية الاحتلالية، وهذه الفكرة تسيطر على كل قراراته، ويشير لها في بعض الأحايين في خطبه، وهو يستخدم الإسلام السياسي، وبالذات جماعة الإخوان المسلمين كمطية لتحقيق غاياته وطموحاته؛ بل إن هذه الطموحات والمغامرات هي التي أدت إلى أن تركيا على خصام مع أغلب دول العالم، وليس المملكة والإمارات والبحرين ومصر فحسب؛ لذلك فإن الخطر التركي أصبح خطراً محدقاً بكل الدول العربية؛ الأمر الذي يجعل إسقاط أردوغان بالنسبة للعرب قضية ملحة وعاجلة ولا يمكن أن نتساهل معها. وليس هناك وسيلة متاحة بالنسبة لنا لتحقيق هذا الهدف إلا الضغط على الاقتصاد التركي، بالشكل الذي يسحق هذا العدو الخطير، ويلقن من يخلفه في رئاسة تركيا درساً يستقي منه العبر.
سقوط أردوغان يعني من ضمن ما يعنيه لنا، وهذه نقطة في غاية الأهمية، تقلص (الإرهاب) من كل بلاد المعمورة. فالدواعش -مثلاً- الذين كانوا، وربما ما زالو، يملؤون سوريا والعراق، كانوا يدخلون من خلال البوابة التركية، وبتسهيلات من السلطات التركية، التي يتحكم في قرارها أردوغان. وهو يتعامل معهم بحميمية، حتى أنه تدخل في تغيير بوصلتهم، فانتهوا حسب أمره، إلى أن جزءًا ذهب إلى ليبيا، وجزء آخر إلى أذربيجان، رغم أنهم ليس لهم لا ناقة ولا جمل في هذه البلاد غير العربية وذات المذهب الشيعي، والغريب المثير للتساؤلات أن كل هذا يحدث أمام نظر أوروبا وأمريكا ولم يحركوا ساكناً؛ وهذا يعني بكل وضوح أن (المتأسلم السياسي) إذا قفز إلى قمة أي دولة، فإنه يصدر الإرهاب، ويتحول الإرهابيون إلى (بيادق) مسلحة يوجهم كيف يشاء، لتعيث فساداً وتخريباً أينما اتجهت وأينما حلت.
أضف إلى كل ذلك أن المنتجات التركية (الرخيصة) هي آفة الصناعات المحلية. المغرب -مثلاً- اضطرت لحماية منتجاتها الوطنية، وبالذات القطنية منها، ففرضت ضرائب جمركية على البضائع التركية وصلت إلى 90 %؛ كما أن الأردن أيضًا تنوي فرض ضرائب لحماية صناعاتها المحلية من منافسة المنتجات التركية، والمنوال نفسه يُقال إن الجزائر ستلجأ إليه. هذه الضرائب الجمركية إذا تم فرضها، إضافة إلى المقاطعة الشعبية من السعوديين، ستشكل في المحصلة رقماً كبيرًا نسبياً، كما أنه سيغري آخرين على السير في المنوال نفسه، الأمر الذي سيخلق لتركيا عوائق فعلية ستؤدي إلى تراجع الصادرات التركية، وبالتالي الإطاحة بأردوغان، وهذا ما نسعى إليه. ولا تلتفتوا لنقيق ضفادع الأخونج الذين يعيشون في المستنقعات وبرك الكهنوتيين الآسنة، هماً، فلو أن المقاطعة لم (توجعهم) وتثير مخاوفهم من أن تكون بمنزلة أول القَطر الذي سينهمر لاحقاً، ويشجع الآخرين، وبالذات العراق التي أجرم في منابع أنهاره هذا العصملي الخسيس، لما جندو ضفادعهم، ولما حشدت دويلة قطر المشردين المسيسين السعوديين في لندن وكندا ليتصدوا لهذه المقاطعة، في محاولة لإفشالها من خلال قنوات التواصل الاجتماعي؛ ويجب أن يتذكر العراقيون أن حزب العدالة والتنمية التركي في البرلمان كان قد وافق على استخدام قاعدة انجرليك التركية للأمريكيين لغزو العراق، بينما عارض العلمانيون في البرلمان هذا القرار. وبهذه المناسبة أود أن أشير إلى أن المملكة رفضت استخدام أراضيها في تلك العملية الأمريكية التي دمرت العراق.
المهم -أيها السادة- مواصلة هذه الحملة، وليس لدي أدنى شك أن الأمر سيتفاقم، وسيُسقط الأتراك هذا الغول المؤدلج القادم إلى العالم من تلافيف التاريخ.
إلى اللقاء
*نقلاً عن “الجزيرة“