سياسة

مقاربة يمنية لحديث الأمير بندر بن سلطان


تابعت باهتمام بالغ اللقاء الذي أجراه الأمير بندر بن سلطان بن عبدالعزيز، السفير ورئيس الاستخبارات السعودي السابق، على قناة “العربية” بأجزائه الثلاثة، وكانت كما توقعت، وأعجبت مجددا بشخصية الأمير وطريقة سرده وعرضه للأمور، فأنا حقيقة من المعجبين بشخصيته الدبلوماسية والسياسية الدولية التي فرضت نفسها على أحداث المنطقة والعالم، من موقعه كسفير للمملكة العربية السعودية في واشنطن لمدة تربو على ثلاثة عقود، بالإضافة إلى ما يمتلكه من مواهب وقدرات جعلته محط اهتمام الصحافة لعقود.

ظهر الأمير بندر، وكعادة الملوك والأمراء السعوديين الذين لا يظهرون إلا قليلا ولكن ظهورهم يكون بمستوى المملكة سياسيا وأخلاقيا، وسرد بطريقة سلسلة ومترابطة أحداثا ووقائع وحقائق تتعلق بمسار العلاقات السعودية – الفلسطينية والسعودية العربية – الأميركية، ودون حشو وتصنّع استطاع أن يضع الشعب السعودي، الذي أكد أنه الهدف الأول لحديثه، وشعوب الخليج والمنطقة، أمام حقائق دامغة تحكي جزءا من مواقف صانع القرار السعودي القوية والحازمة دعما لقضية الشعب الفلسطيني العادلة، واستعرض محطات هامة وقفت السعودية بكل ثقلها إلى جانب فلسطين وحدد الخط الزمني لشهادته بين عامي 1939 و2020، منذ عهد الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، مرورا بمن خلفه من أبنائه الملوك ومعاونيهم، إلى اليوم بقيادة الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمير محمد بن سلمان.

ورغم ثقتي في المملكة ومواقفها، إلا أن حديث شخص بحجم واطلاع الأمير بندر بن سلطان يحتاجه الصديق قبل العدو، وبالتأكيد فإنه أزاح الستار عن معلومات هامة كنا نجهلها ونحتاج إلى سماعها من شاهد على العصر بحجمه، عاش وعايش واحتك بهذه الملفات وكانت من صميم عمله، وبغض النظر عن المعلومات الهامة التي أطلع الرأي العام عليها في سياق ما قال إنه يراه واجبا للرد على من وصفهم بـ”ناكري الجميل” و”جاحدي المعروف” من القيادات الفلسطينية، التي ظلت تحرّض ضد السعودية ودول الخليج وتكيل لها اتهامات التقصير بل والخيانة، فإن مدلول هذا اللقاء الأهم بنظري يتلخص في أن السعودية التي صبرت 75 عاما على هذه الإشاعات والأقاويل باعتبارها دولة عظيمة، عرف عن قياداتها الحلم والصبر والتعامل بشعور الشقيق الأكبر الذي يجب أن يتجاوز ويتحمّل أخطاء إخوته الصغار مهما بلغت حدّتها، وأن السعودية إذا أرادت أن تردّ فإن بيدها من المعلومات والحقائق ما يدحض ويعري ويخنق كل من يناصبها العداء، ويسيء إلى سياستها ومواقفها وتاريخها العروبي الإسلامي المشرّف، وكما كان رد الأمير بندر كاشفا وساحقا، فإني على ثقة أنه لم يدل بربع ما يحمله في جعبته من معلومات وحقائق تجنّبا لإلحاق ضرر كبير بالقضية الفلسطينية العادلة، التي يحترمها كسعودي عربي مسلم ناضل من واشنطن تحت قيادة ملوكه ودولته وكان سفيرا لفلسطين قبل أن يكون سفيرا للسعودية.

قال الأمير في ثنايا مقابلته المليئة بالنصائح إن “الزمن تغيّر” وهي رسالة قوية يجب أن يتلقاها كل عربي بجدية، الزمن تغير والصبر الذي تحلت به السعودية خلال العقود السبعة الماضية قد لا يستمر، وفقا لمعطيات ووضع اليوم وما تشهده المنطقة والعالم من حروب وصراعات واصطفافات واحتقانات خطيرة، وفي هذا إشارة إلى توجه سعودي سيتعامل بجدية مع الأشقاء الأعداء، قبل الأعداء الأعداء أنفسهم، وبناءً على هذا فإن الأمير حدّد خيارين للفلسطينيين جميعا بقوله تريدون كسب قضيتكم عبر طهران وخامنئي أو عبر أردوغان وتركيا، أصحاب المشاريع الاستعمارية العدوانية، فاستمروا في غيّكم، ولن تجدونا معكم، ومن باع نفسه وقضيته لتتاجر بها إيران وتركيا لا يولول ولا يبكي ولا يشتم الإمارات ولا مصر ولا السعودية ولا أي دولة عربية، ومن هذا المنطلق، فإن الامتحان يواجه القيادات الفلسطينية لتحدد مسارها الأخير وتضع الخيار الذي تتحمل نتائجه أمام الشعب الفلسطيني والأمة والتاريخ لوحدها، ولن تقف السعودية ولا غيرها لترمّم أخطاءها وتصبر على تلاعبها واتجارها بالقضية بعد اليوم.

لكن دعوني أنقلكم إلى زاوية أخرى رأيت منها مقابلة الأمير بندر، وهي زاوية الملف اليمني الذي حملت وتحمل السعودية اليوم كلّ أعبائه، وأنا أستمع لحديث الأمير ووصفه للقيادات الفلسطينية التي ضيّعت القضية، وكيف كانت تأخذ المساعدة من المملكة والنصيحة ثم تذهب فتبدّد المساعدة وتعمل بعكس النصيحة، ثم تعود فتحصل على مساعدة من جديد ونصيحة وتمارس نفس الفعل، أسقطتُ هذا الحديث على القيادات اليمنية التي يتعامل جزء كبير منها مع الأشقاء في السعودية والإمارات بنفس الأسلوب الذي ضيّع فلسطين وجعل إسرائيل تكسب وتكسب، ولقد تزاحمت برأسي أفكار مخيفة تتعلق بمصير وطني الحبيب اليمن، رأيت من خلالها شريط ذكريات يلخص عبث وتجاوزات عقود من الزمن على يد قيادات يمنية دمّرت الدولة وسلّمت البلد إلى إيران ومشروعها الحوثي العنصري الإرهابي، ثم لما مد الأشقاء لها يد العون والنصرة بالمال والرجال والسلاح باعت واشترت بالقضية ومارست الابتزاز والتلاعب والفساد الفظيع ثم كل مرة تخرج لنا مجموعة منها لتعلن من على المنصات القطرية الإيرانية عداءها للتحالف، وتقول فيه ما لم يقله مالك في الخمر بكل خسة ووقاحة ونكران للمعروف.

وما أريد أن أخلص إليه هو أن الأمير بندر وهو يتحدث عن جولات الحوار المضني التي شارك فيها مع فريق بقيادة الأمير سعود الفيصل برعاية وتوجيهات الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز، رحمهم الله جميعا، والحوار الذي كان بمكة في فندق الضيافة الملكية وهم يصعدون من الدور 12 إلى الدور 14 في مهمة شاقة للتقريب بين جماعتي فتح وحماس الفلسطينيتين، وأنهما بعد الاتفاق ورغم تعاهدهما على الوفاء بالاتفاق أمام الكعبة المشرفة، كما طلب منهما الملك عبدالله، تنصلا ولم تمض أيام حتى عادت حليمة إلى عادتها القديمة، قلت بنفسي ماذا سيقول عنا الأمير خالد بن سلمان نائب وزير الدفاع حاليا أو مساعدوه أو سفير السعودية لدى اليمن محمد آل جابر، وعن جهودهم الحوارية المرهقة بين فرقاء الشرعية والتيارات والأحزاب اليمنية والتي شهدتها فنادق الرياض وجدة خلال خمس سنوات من الجدل البيزنطي الطويل؟

ماذا ستقول القيادات السعودية حين ترى أنه وجب الرد على اتهامات عمال “قطر” من وزراء وسياسيين وإعلاميين، وكيف لو قررت قيادة السعودية كشف ولو جزء يسير من معلومات وأسرار الملف اليمني حربا وسلما، وفتح كشف حساب لخيانات وفساد واتجار وتلاعب أزكم الأنوف ومثبّت بالأرقام والوثائق لدى الأجهزة المعنية في المملكة والإمارات ودول التحالف؟

أنا هنا أقول ماذا لو؟ لاسيما وأن الأمير بندر بن سلطان يقول “الزمن تغير” والصبر الطويل للمملكة لا يعني الصمت أمام أخطار بحجم السماح لبعض الخونة بأن يتلاعبوا بأمن المنطقة مقابل أموال تدفعها لهم قطر أو إيران، أو أن مشروع الإخوان المسلمين المتزاوج مع المشروع التركي الإيراني لن يسمح له بنسف جهود الشعب اليمني وتضحياته وجهود وتضحيات الأشقاء في التحالف؟

وبالتالي فإني أرى أن الكثير من اليمنيين يعيبون على الأشقاء في المملكة صبرهم الاستراتيجي وسماحهم بإطالة أمد الحرب وتغاضيهم وإمهالهم لشبكات الفاسدين والخونة، وإن الملف اليمني يحتاج تقييما عاجلا وتدخلا قويا لاستعادة زمام المبادرة، فالحوثي مشروع أخطر مما يتصوره السذّج على أمن الخليج والمنطقة.

نقلا عن العرب

تابعونا على

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى