“معجزة الجزيرة العربية”.. مأرب تعاني ويلات الإرهاب الحوثي
“أرض سبأ“، “أرض الملكة بلقيس“، موطن “سد مأرب“، معقل أقوى بطون قبيلة “مذحج“، “معقل أجداد العرب“، هي أوصاف عرفت بها مأرب، الواقعة على بعد 173 كم شمال شرق صنعاء باليمن.
وتشهد مأرب اليمنية، الواقعة على الخط الحيوي الدولي الذي يربط اليمن بالسعودية، معارك طاحنة منذ أكثر من عام، لكن الهجوم الشرس وجرائم مليشيات الحوثي، المدعومة من إيران، ضد سكان المدينة اشتد في 7 فبراير الماضي، بهدف السيطرة على حقول غاز صافر، كبرى حقول اليمن، لمواصلة إشعال الحرب والحرائق، جنوبا صوب شبوة وعدن وباب المندب.
ويعتبر باحثون أن القيمة التاريخية لـ”سد مأرب“، معجزة الجزيرة العربية، شكلت المطمع الأول للنظام الإيراني وأحلامه التوسعية بالمنطقة، بالسيطرة على الأرض التي تعد مهدا للأجداد وللقبائل التي انتشرت في الشاطئ الأفريقي الشرقي والشرق الآسيوي.
وتتمتع مأرب بمساحة 17,405 كيلومترات مربعة تتوزع على 14 مديرية، بجغرافية استراتيجية مهمة ترتبط بـ5 محافظات يمنية، 3 منها شمالية ومحافظتين جنوبيتين وهما حضرموت وشبوة، اللتين تشكل معهما ثلاثيا لمواطن كافة حقول النفط والغاز في البلاد التي تقع خارج سيطرة مليشيا الحوثي، حيث تسعى تلك المليشيا من خلال 3 حملات عسكرية بمفهومها العسكري الأكبر إلى إسقاط مأرب لتوفير وقود للحرب للتمدد جنوبا حيث المحافظات النفطية.
وتضم مأرب أكبر حقول تصدير الغاز، وهو حقل صافر، وهي مصدر الغاز المنزلي لكل البلاد، وفيها أكبر محطة غازية لتوليد الكهرباء، وبلغت طاقة مصفاة مأرب النفطي الإنتاجية 10,000 برميل يوميا، لكن هذا تباطأ كثيرا منذ الانقلاب عقب تدمير المليشيا ميناء رأس عيسى بالحديدة (غرب) واتخاذها من سفينة صافر التي يمتد أنبوب نفط مأرب إليها كقنبلة موقوتة بالبحر الأحمر.
وتزخر عاصمة سبأ بمعالم تاريخية كثيرة، وتضم أشهر آثار اليمن، أبرزها عرش بلقيس أو معبد بران إلى الغرب من صحراء الربع الخالي، بالإضافة إلى معبد أوام في ضفة وادي ذنه والقريب من سد مأرب التاريخي، والذي دفع الحوثيون بأقوى أفواجهم المدربة من قبل الحرس الثوري بهدف الوصول إليه، وعقب فشلهم، لجأوا إلى فبركة مئات الصور لمسلحيها وهم على سد مأرب بهدف رفع معنويات أتباعها وبيع الوهم لأسر القتلى الذين لقوا مصرعهم أنهم باتوا على بعد 10 كيلومترات من مدينة مأرب.
والأعجوبة في مأرب ليس معبد أوام المرشح أن يكون الأعجوبة الثامنة من عجائب الدنيا السبع، كما يقال، فحسب، بل بصلابة القبائل ورجالها الذين هبوا للذود عن أرضهم عام 2015، وشكلوا سدا منيعا أمام المليشيا الحوثية بعد اجتياح صنعاء، ثم ما لبثت أن هبت قوات التحالف العربي لدعم الشرعية باليمن بقيادة السعودية إلى دعم قبائل مأرب في مواجهة مليشيا الحوثي بالرجال والعتاد، لتتحول المحافظة إلى قاعدة رئيسية في حرب الانقلابيين.
وتحولت مأرب إلى الموطن الأكبر لأعداد النازحين، إذ قدرت الحكومة اليمنية تعداد سكان مأرب بما يقارب 4 ملايين نسمه نصفهم من النازحين الذين هربوا من بطش وعنف الانقلابيين المدعومين إيرانيا وذلك في آخر إحصائية رسمية.
وتشتهر مأرب بقبائلها القوية، بل موطن أقوى قبائل اليمن وهي مراد، عبيدة، الجدعان، بني جبر، جهم، بني عبد، وخلافا عن تعايش قبائل مأرب وشهرتها بالكرم والشهامة والشجاعة، فقد شكلت أهم عامل في المعركة المصيرية وفي إحباط زحف أفواج القتال الذي دفعها الحوثيون الشهر الماضي.
ولم يحقق الإرهاب الحوثي أكثر من الخيبات أمام قبائل مأرب، حيث تتصدر قبلية مراد المعركة جنوبا دفاعا عن أراضيها، ومثلها قبائل الجدعان وبني عبد في الشمال الغربي، وبني جبر غربا، فيما تنشر قبيلة عبيدة التي تبدو أراضيها بعيدة نسبيا عن خط النار شرقا في جبهات العلم كما نجحت مؤخرا بقيادة زعيمها مراد بن معيلي في تعزيز وحدات الجيش اليمني في جبهات صرواح والفلق الذي كان الحوثيون دفع له كتائب الموت بهدف السيطرة على مرتفعاته المطلة على سد مأرب.
ومنذ تهاوي جبهات نهم والجوف إثر تخاذل الإخوان، نجح الحوثيون من التوغل في جغرافية مأرب وفتح أكثر من 10 محاور قتال مطلع العام الماضي، لكن المعركة مؤخرا بالفعل أعادت زخم المواجهات إلى بدايتها وتحولت مأرب إلى معقل حشد لكل اليمنيين.
وعلى إثر التوغل الحوثي شنت مقاتلات التحالف العربي ضربات استهدفت أهداف مليشيا الحوثي والتعزيزات القادمة إلى محافظة مأرب، فيما وجّه متحدثها الرسمي بعيد ظهوره من على سد مأرب رسالة تحدّ قوية للنظام الإيراني، وأكد أنها عصية عن السقوط.
ومن المتوقع أن تشهد الأيام المقبلة انتفاضة عسكرية واسعة النطاق بالنظر إلى ترتيبات تستهدف تأمين مأرب عوضا عن بوادر تحرك عسكري لتغيير المعادلة على الأرض، تبدو ملامحه تتشكل في مأرب والحديدة وتعز وحجة والضالع وصعدة والبيضاء والجوف شمالا وشرقا وغربا وجنوبا.
وينظر لمعركة مأرب عربيا ودوليا أنها فاصلة بالفعل، وذات تأثير كبير في المستقبل البلاد السياسي، كونها آخر معقل الحكومة الشرعية في المحافظات الشمالية.