سياسة

معاناة حية الأبرياء في زمن الحروب.. التفاصيل


في زمن تتلاشى فيه الحدود بين الحقيقة والخيال، تظهر قصص تفوق الواقع بشاعةً وتعقيدًا. بدر دحلان، الشاب الثلاثيني من قطاع غزة. أصبح مثالاً حياً على الآثار الجسدية والنفسية المدمرة للتعذيب والحرب، بعد شهر من الاعتقال في السجون الإسرائيلية. أُطلق سراح دحلان ليواجه عالمًا لم يعد يعرفه، وجسدًا لم يعد يعكس سوى الألم.

هول الصدمة

صور ومقاطع فيديو لـ”دحلان” انتشرت على نطاق واسع. تُظهر الشاب صاحب الثلاثين عامًا، وقد أنهكه التعذيب والإرهاق. عيناه الجاحظتان وجسده النحيل يرويان قصة العذاب الذي لا يمكن للكلمات وصفه. 

وأفرج الجيش الإسرائيلي عن دحلان، يوم الخميس. ضمن فوج من 33 معتقلاً من قطاع غزة عبر معبر كيسوفيم (القرارة) العسكري شرق قطاع غزة.

بصوت متهدج وكلمات متلعثمة، حاول دحلان وصف ما لا يُوصف. مستخدمًا إشارات يديه ليعبر عن الألم الذي لا يُحتمل. قال دحلان: “إن تجربة السجن كانت «كابوسًا»”، وأضاف بكلام بدا غير مفهوم من هول الصدمة فاستعان بإشارات اليدين للتوصيف: «ضربوني في السجن. كانوا يرطمون رأسي في الباص، وما اطلعش فوق، ضربوني على رجلي وإيدي وضربوني بقوة. أرادوا كسر ريشتي واقتلاعها (ريشة القفص الصدري)»، وتابع: «أشكال التعذيب لا توصف، كنت أشعر كل مرة أني سأموت». وأشار دحلان إلى أنه لا يعلم مكان عائلته حاليًا. وسمع من المواطنين أن خان يونس تعرضت لدمار كبير جراء الحرب.

لكن من هو بدر دحلان؟

هو شاب غزي، أب لطفلة صغيرة، كان يعيش حياة عادية. حتى انقلبت رأسًا على عقب بعد غزو رفح، محمد هاشم دحلان، ابن عم بدر. يصف لنا الحالة النفسية لبدر قبل الاعتقال وكيف تدهورت بعد الحرب. 

“لم يكن يعاني من أي مشاكل نفسية في السابق. لكن الظروف أدت إلى مرضه الأخير”، يقول محمد: الأدوية التي كانت تُعطى لبدر لم تعد متوفرة بذلنا جهدًا كبيرًا للعثور على الأدوية. ولكن لم ننجح، وبدونها، أصبح عالمه غريباً حتى عن نفسه .بعد أن استمر 6 أشهر دون تناول الدواء.

وأوضح، أن جنود الجيش الإسرائيلي اعتقلوا بدر .بعد أن ضلَّ طريقه بسبب حالته النفسية المتفاقمة نتيجة عدم تناول الأدوية. وفقًا لـ”بي بي سي”، مضيفًا أن العائلة تلقت اتصالاً يفيد بأن بدر موجود في إحدى مدارس دير البلح بعد خروجه من المستشفى. مؤكدًا أن بدر يحتاج إلى علاج نفسي لاستعادة صحته.

وبخلاف وضعه الجسدي المتردي، ظهر جلياً أن وضع بدر دحلان النفسي كارثي. وأفاد طبيب في مستشفى شهداء الأقصى لبرنامج غزة لشبكة «بي بي سي». بأن بدر يعاني من اضطراب نفسي ناتج عن التعذيب والظروف القاسية. التي تعرض لها خلال الاعتقال، مشيرًا إلى أن بدر تعرض للتعذيب مما أدى إلى تدهور حالته الصحية والنفسية وأفقده عقله وإنسانيته. ولم يعد قادراً على التصرف بشكل صحيح.

التعذيب الذي تعرض له دحلان لم يكن حادثاً منعزلاً، هيئة شؤون الأسرى. والمحررين الفلسطينية في غزة تصف السجون الإسرائيلية بأنها “مقابر جماعية”. حيث يتعرض الأسرى للتعذيب الجسدي والنفسي ولظروف مروعة وغير إنسانية. وفقاً للهيئة، قُتل نحو 36 أسيرًا من قطاع غزة تحت التعذيب منذ 7 أكتوبر الماضي.

وأوضحت هيئة الأسرى -اعتمادًا على إفادات وشهادات الأسرى الذين تم الإفراج عنهم. أن هناك “العديد من أشكال التعذيب والمعاملة اللاإنسانية والخاصة بالكرامة. ومن ضمن هذه الممارسات: تعرية المعتقلين بالقوة وبشكل متكرر، وتقييد الأيدي والأرجل وتعصيب الأعين لفترات طويلة. والصعق بالكهرباء، والتجويع الممنهج، والشبح والحفر على الجسم بآلة حادة. والحرمان من النوم والاستحمام والرعاية الطبية، وإطلاق الكلاب الشرسة عليهم، والتعريض لدرجات حرارة منخفضة. ودعوة مسؤولين ومدنيين لمشاهدة عمليات التعذيب، وغيرها الكثير من الانتهاكات الجسيمة”.

بدر دحلان، الذي كان يومًا مواطنًا عاديًا، أصبح الآن رمزًا للمعاناة. قصته تُعلمنا أن الإنسانية يمكن أن تُسحق تحت وطأة الحرب. لكنها أيضًا تُظهر قدرتنا على النجاة والأمل في وجه اليأس.

تابعونا على

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى