سياسة

معالم تطور العلاقات بين أمريكا و”طالبان”

د. علي الدين هلال


الأسبوع الماضي، تمت أول مباحثات مباشرة بين وفد أمريكي رفيع المستوى من الخارجية والدفاع والمخابرات ووفد من حكومة “طالبان”.

وكان أغرب ما في الموضوع بيان وزارة الخارجية الأمريكية، التي أكدت أن هذا الاجتماع “لا يُعد اعترافاً بحكومة طالبان”، وهو قول لا يمكن فهمه أو تبريره، فمجرد حدوث هذا الاجتماع يُعد في القانون الدولي بمثابة اعتراف واقعي “De facto” بحكومة “طالبان”، كما أنه ليس أول اجتماع رسمي ينعقد بين الطرفين.

ففي الأيام الأخيرة، قبل إتمام الانسحاب الأمريكي، سافر وليام بيرنز، مدير المخابرات المركزية الأمريكية، إلى كابول، حيث التقى المُلا عبد الغني برادر، رئيس المكتب السياسي للحركة ونائب رئيس حكومة “طالبان” الآن.

وسبق ذلك، المباحثات، التي بدأت في ديسمبر 2018 في عهد الرئيس ترامب وقادها من الجانب الأمريكي السفير زلماي خليل زاده، ومن جانب “طالبان” الملا برادر، وهي المباحثات، التي أسفرت عن توقيع اتفاقية في 29 فبراير 2020 تنظِّم انسحاب القوات الأمريكية في موعد أقصاه 31 مايو 2021، وهو الموعد، الذي غيَّره الرئيس “بايدن” فيما بعد ليكون 31 أغسطس من العام الجاري.

المثير للدهشة أن هذه المباحثات بدأت بشكل سري ودون علم الحكومة الأفغانية، الحليفة لواشنطن.

ليس هذا فحسب، وإنما شملت الاتفاقية بنوداً فرضت أمريكا تنفيذها، كالبند الخاص بالإفراج عن خمسة آلاف من مقاتلي “طالبان” المعتقلين لدى الحكومة الأفغانية، مقابل عدد مماثل من جنود الحكومة، “الأسرى” لدى الحركة.

وبلغ من اهتمام الخارجية الأمريكية بالعلاقة مع “طالبان” الإعداد لاجتماع بين الرئيس “ترامب” وعدد من قادتها، وانكشف الأمر عندما كتب “ترامب” تغريدة على حسابه بمنصة “تويتر” في سبتمبر 2019 ورد فيها أنه قرر إلغاء هذا الاجتماع “احتجاجاً على عملية عسكرية قام بها مقاتلو الحركة أدت إلى مقتل 12 جنديا أمريكيا”.

ويختلف المراقبون في تحديد تاريخ بداية الاتصالات بين الدبلوماسية الأمريكية وحركة “طالبان”، فمنهم من يرجعها إلى منتصف تسعينيات القرن العشرين، وذلك في غمار الحرب الأهلية، التي اجتاحت البلاد بعد انسحاب القوات السوفييتية وقيام واشنطن بدعم المقاتلين ضد الحكم الشيوعي في كابول، ففي تلك الفترة، دعمت واشنطن “طالبان” باعتبارها معادية لإيران ويمكن جذبها لتأييد الغرب، كما يمكن كسب دعم “طالبان”، بحسب الرؤية الأمريكية، لمشروع مَد خط أنابيب الغاز من تركمانستان إلى الهند مروراً بأفغانستان وباكستان، التي تطلعت شركة “يونوكال” الأمريكية إلى الفوز بعقد تنفيذه.

لذلك، لم تصدر الخارجية الأمريكية أي تعليق في عام 1995 عندما استولت “طالبان” على محافظة هرات وطبقت قواعدها هناك.

واستمر هذا الموقف الأمريكي، حتى تولّي مادلين أولبرايت منصب وزير الخارجية عام 1997، والتي قررت الابتعاد عن “طالبان”، خاصة بعد انسحاب شركة الغاز الأمريكية من المنافسة على المشروع المُشار إليه.

وفي عام 1998، وكرد فعل لقيام تنظيم “القاعدة” الإرهابي بشن هجوم على سفارتيْ أمريكا في كينيا وتنزانيا، قام الجيش الأمريكي بإطلاق صواريخ كروز على مواقع “القاعدة” داخل أفغانستان.

وسرعان ما سقطت “طالبان” أمام الهجوم الأمريكي في 2001، وانتشر مقاتلوها في القرى، ورحل بعضهم إلى مناطق الحدود، غير أن الحركة أعادت تنظيم صفوفها، وفي عام 2004 بدأت شن هجمات على القوات الأمريكية وحلفائها.

كان من الواضح أن المسؤولين العسكريين والدبلوماسيين الأمريكيين اعتبروا “طالبان” قوة موجودة لا يمكن تجاهلها أو إنكار دورها في أفغانستان.

ففي أكتوبر 2009، أبدت واشنطن استعدادها لدفع أموال لمقاتلي “طالبان” مقابل التخلّي عن أفكارهم. وفي يونيو 2011، أكد وزير الدفاع الأمريكي، روبرت غيتس، أنه “تجري مباحثات مع “طالبان” للوصول إلى حل سياسي للحرب في أفغانستان”.

مع ازدياد هجمات “طالبان” وقرار “أوباما” إرسال قوات إضافية في العام نفسه، 2011، كان تقدير الجنرال مكريستال، قائد القوات الأمريكية في أفغانستان، أن التغيير في توازن القوى الذي تُحققه تلك القوات الإضافية، قد يكون من شأنه دفع “طالبان” للموافقة على التفاوض وإنهاء الحرب، فيما استمرت اللقاءات الرسمية بين ممثلي الحكومة الأمريكية وحركة “طالبان”، فها هو الاجتماع، الذي تم في 9 و10 أكتوبر 2021، ثم الاجتماع الثلاثي الذي تلاه في 12 أكتوبر الجاري بين وفود رسمية أمريكية وأوروبية وأفغانية، ما يعني استمرار هذه الاجتماعات بين الجانبين وكثرة التفاصيل التي تجمعهما من أجل المصلحة المشتركة.


تابعونا على

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى