مظاهر ودوافع الدعم الإراني التركي لحكومة مادورو
تتابع على خلفية إعلان رئيس البرلمان وزعيم المعارضة خوان جويدو، في 23 يناير الماضي، نفسه رئيسًا لمرحلة انتقالية، مما تسسب في أزمة سياسية تشهدها فنزويلا، وتتابع إيران وتركيا بدقة مسارات وتطورات هذه الأزمة، وقد دعمت واشنطن وكندا والاتحاد الأوروبي والكثير من دول أمريكا الجنوبية إعلان جويدو.
منذ توليه السلطة في العام 2013، أطلق حكم الرئيس مادورو أزمة سياسية واقتصادية، فشل في التحايل عليها، وسعى طوال السنوات التى خلت إلى تسكين أوجاع الأزمة، لكن سوء توزيع الدخل، وانسداد الأفق السياسي، وتأميم السلطة لمصلحته شكلت عناصر مهمة في تغذية الأزمة التى أخذت أبعاداً دولية إضافة إلى فشل فكرة الاحتشاد الداخلي التي طالما روج لها مادورو لمواجهة ما أسماه الإمبريالية الأمريكية، حيث لم تعد آليات الحشد قادرة على إيقاف الأزمة التي تحولت إلى انتفاضة.
ورغم تراجع فرص النجاة لمادورو ونظامه بفعل تصاعد الرفض الدولي لشرعيته، وكذلك الاعتراف بنتائج الانتخابات الرئاسية التي شهدتها البلاد في مايو 2018، تواصل إيران وتركيا دعمها للرئيس مادورو الذي تعرضت شعبيته للتآكل في الداخل والخارج.
ظهرت مظاهر الدعم الإيراني التركي في إبداء دعمهما لنظام نيكولاس مادورو، وتوجيه انتقادات للسياسة التي تتبناها الولايات المتحدة الأمريكية في هذا الصدد. فمن جهتها أعلنت إيران عن دعمها المطلق لإدارة مادورو ضد كافة التدخلات الخارجية والمحاولات الانقلابية، وتأييدها لمقترح المكسيك والأروغواي لبناء جسور ثقة وإدارة حوار بين مادورو والمعارضة، كما دفعت المليشيات الحليفة لها مثل حزب الله لتبني موقفها الرسمي من الأزمة في كراكاس.
في المقابل هاتف الرئيس التركي مادورو، وشدد أردوغان على أن مادورو فاز بالرئاسة عبر صناديق الانتخاب، وبحسب الناطق باسم الرئاسة إبراهيم كالين، فإن أردوغان قال لمادورو الأخ مادورو يجب أن تبقى مرفوع الرأس، وتركيا تقف إلى جانبكم، كما كشف موقع نورديك مونيتور أن حكومة أردوغان جندت جيشا إلكترونيا للترويج لوسم كلنا مادورو #WeAreMADURO، تعبيرا عن الدعم للرئيس الفنزويلي.
وبرزت مظاهر الدعم التركي لفنزويلا، في السماح للحزب الشيوعي التركي بتنظيم مظاهرة حاشدة في حي البحرانية بمنطقة كاديكوي لدعم مادورو، إضافة إلى إجراء قناة سى إن إن تورك حواراً مع الرئيس مادورو في 27 يناير الجاري، وتمت دبلجته إلى اللغة التركية من الإسبانية، أما الإعلام الإيراني فحرص على تقديم صورة نمطية إيجابية للأوضاع في فنزويلا بالتوازي مع تكثيف الهجوم على واشنطن.
الدعم التركي الإيراني لمنع سقوط مادورو لم يكن هو الأول من نوعه، ففي وقت سابق عبر البلدان عن دعمهما لمادورو في مواجهة العقوبات الأمريكية التي وقعها الرئيس ترامب لفرض مزيد من العزلة الاقتصادية على النظام في فنزويلا، غداة إعادة انتخاب الرئيس نيكولاس مادورو في عملية وصفتها واشنطن بأنها غير شرعية. كما أرسل البلدان وفوداً للمشاركة في تنصيب مادورو للولاية الرئاسية الثانية في 10 يناير الجاري، فبينما مثل نائب الرئيس التركي فؤاد أوقطاى وفد أنقرة في كراكاس، أرسلت طهران وفدا رفيع المستوى برئاسة وزير الدفاع أمير حاتمي، برغم تفاقم الأزمة الفنزويلية.
والواقع أن التقارب بين فنزويلا وإيران وتركيا مبعثه منطلقات عدة، فما يجمعهما أكبر مما يفرقهما، فالدول الثلاث مستغرقة في جدل عقيم حول الهوية والإيديولوجية بدل العمل على ترسيخ البرنامج من خلال ممارسة قائمة على تحسين الاقتصاد وظروف المعيشة. كما أن سياسات الدول الثلاث تعتمد مفهوم القائد الأوحد، حيث وصل تعلق مادورو بالسلطة منذ توليه الحكم في أبريل 2013 خلفا لتشافير، حدا غير مسبوق سنة 2017، عندما أعلن عن تشكيل جمعية تأسيسية جديدة منحته سلطات، أما أردوغان فبعد توليه الرئاسة حول البلاد دستوريا لجهة النظام الرئاسي، ليمسك وحده بمفاصل المشهد وبصلاحيات مطلقة. وفي إيران تتركز السلطة في يد المرشد الأعلى للثورة الإيرانية.
في سياق متصل، فإن أردوغان وخامئنى ومادورو، يعتقدون أنهم يواجهون تحديات متشابهة وأعداء مشتركين، كما تلعب القيادات الثلاثة دور الضحية، وتحاول طرح دولها على أنها مهددة بمؤامرات خارجية أو داخلية.
اقتصاديا، تشهد الدول الثلاث أزمات متلاحقة، شملت تدني مستوى الخدمات في البلاد، وانهيار العملة على نحو كبير، إضافة إلى تصاعد التضخم إلى مستويات غير مسبوقة وانتشار الفقر والبطالة، كما أدت اتهامات الفساد التي لاحقت مادورو والنخب الإيرانية والرئيس التركي ونجله إلى إحجام المستثمرين الأجانب عن ضخ رؤوس الأموال في اقتصاد الدول الثلاث.
في المقابل، تجمع الدول الثلاث تضييق المجال العام، وتقييد الساحة السياسية، وبدا ذلك في التفاف مادورو على مطالب تنظيم انتخابات رئاسية، وتشكيله جمعية تأسيسية من 545 عضوا حلت مكان البرلمان الذي تسيطر عليه المعارضة منذ انتخابات 2015، وذلك لتمرير مشروع قرار تعديل الدستور، وفي تركيا تم أقلمة أظافر المؤسسة العسكرية لمصلحة حكومة رئاسية مصغرة يقودها الرئيس أردوغان، أما في إيران فتم إقصاء المعارضة، وتأميم السلطة لمصلحة تيار الإصلاحيين والمحافظين، وكلاهما لا يبتعد في النهاية كثيرا عن التوجهات العامة للنظام.
وفي الواقع، فإن ثمة العديد من الأسباب التى تقف وراء الدعم الإيراني والتركي لنظام مادورو أولها أن فنزويلاً بوابة عبور لأنقرة وطهران لاختراق القارة الجنوبية التي قد تسعفهما في الالتفاف على ضعف مناعتهما الإقليمية، والعزلة الدولية المفروضة عليهما. وثانيهما، أن النظام الإيراني والتركي لا يستبعدان احتمال تكرار الأزمة نفسها في طهران وأنقرة، خصوصاً أن ثمة بيئة خصبة في البلدين لشتل بذور العدوى الفنزويلية، على غرار فشل حكومة طهران وأنقرة في احتواء تداعيات الأزمة الاقتصادية التى تواجههما، فبينما فقدت العملة التركية نحو 40 في المئة من قيمتها منذ غشت الماضي، ووصل معدل التضخم إلى نحو 20 في المئة مقابل تخطى معدلات البطالة حاجز الـ 11 في المئة، وصل التضخم في إيران إلى نحو 30 في المئة، وفقد الريال الإيراني ما يقرب من 70 في المئة من قيمته أمام الدولار.
في المقابل، تتشابه حالة التشظي السياسي والانقسام المجتمعي في إيران وتركيا مع الأوضاع في فنزويلا، ففي الوقت الذي باتت المعارضة الفنزويلية رقماً صعباً في المعادلة السياسية، تشهد إيران وتركيا وضعاً مماثلاً، ففي إيران تزايد تأثير قوى المعارضة، التي باتت تحظى باهتمام دولي لا يمكن تجاهله، عليه، وفي تركيا تمثل المعارضة صداعاً مزمناً في رأس السلطة، وتشهد زخماً في الشارع التركي لا تخطئه عين، خاصة بعد خروج عدد من قيادات العدالة والتنمية من عضوية الحزب رفضاً لهيمنة أردوغان وسياساته.
وفي الوقت الذي تبدو الأوضاع مرشحة في فنزويلا للتفاقم على خلفية سعى واشنطن محاصرتها اقتصاديا، يرجح أن تتفاقم في المرحلة القادمة الأوضاع في تركيا بفعل الضغوطات الاقتصادية وتوتر العلاقة مع الاتحاد الأوروبي وواشنطن، إضافة إلى تراجع حضور تركيا في محيطها الإقليميى. أما في إيران التي تسعى إلى تصدير صورة مغايرة للحقائق على الأرض، فإن فرص تحولها إلى نموذج فنزويلي جديد تبقى الأوفر على ضوء العقوبات الأمريكية واقتراب انتهاء المهلة التي منحتها إدارة ترامب لبعض الدول لاستيراد النفط الإيراني قبل التوقف عن شراء المزيد منه، ناهيك عن استمرار الاحتجاجات الشعبية التي تشهدها إيران منذ 28 ديسمبر الماضي.
على صعيد ذي شأن ثمة اعتبارات خاصة لدى كل من إيران وتركيا بشأن دعم مادورو، فإيران ترى فنزويلا حليفًا دوليًا، خاصة فيما يتعلق ببناء تحالف مناهض للولايات المتحدة، وبدا ذلك في دعم طهران للتحالف البوليفارى الذي أسسته كوبا وفنزويلا في العام 2004 لمواجهة الضغوط الأمريكية، وتبنى هذا التحالف تأييد بعض القضايا التي تحظى باهتمام خاص من جانب إيران، وفي الصدارة منها حق إيران في امتلاك ترسانة نووية، وتطوير قدراتها الصاروخية، إضافة إلى دعم الدور الإيراني في سوريا.
في المقابل، ترى إيران أن تغيير السلطة في فنزويلا وإزاحة مادورو قد يتسبب في إضعاف ما تعتبره محور ممانعة عابرا للقارات في مواجهة واشنطن، ويزداد قلق طهران في ظل التغيرات التي يشهدها الحليف الكوبي بعد توارى آل كاسترو عن السلطة، وسوف يساهم ذلك في تقليص قدرة طهران على مواجهة الضغوط القوية التي تفرضها إدارة ترامب ضدها، بسبب الخلافات المتصاعدة حول الأدوار التي تقوم بها داخل دول الصراعات، إلى جانب الاتفاق النووي والبرنامج الصاروخي.
على الصعيد التركي، تستهدف أنقرة من وراء دعم مادورو استخدام فنزويلا كورقة ضاغطة في القضايا الشائكة بينها وبين الولايات المتحدة، خاصة دعم واشنطن للأكراد، ورفضها تسليم غولن الذي تتهمه بتدبير الانقلاب الفاشل في يوليوز 2016، كما يأتي الدعم التركي لمادورو في سياق رد الجميل إلى كراكاس التي دعمت أردوغان أثناء محاولة الانقلاب الفاشلة في العام 2016.