يتعرض السودان اليوم إلى أزمة سياسية في أعقاب تصاعد الخلاف بين أطراف المرحلة الانتقالية من العسكريين والمدنيين.
إذ قام العسكريون بحل الحكومة الانتقالية، وتشكيل مجلس سيادة جديد والالتزام بالحوار مع كافة القوى السياسية للخروج الآمن بالسودان من أزمته السياسية الراهنة. بينما يرفض تحالف “الحرية والتغيير” هذه التشكيلات، ويعتبرها “انقضاضاً على الثورة ومكتسباتها”، ورغم تمسك الأطراف بالوثيقة الدستورية، وإجراء انتخابات حرة في نهاية المرحلة الانتقالية، فإن قيادات “الحرية والتغيير” وقوى مدنية وسياسية ما زالت متمسكة بأهمية الشراكة ومعالجة الأزمة الراهنة وفق تنفيذ مجمل القضايا العالقة، وأهمها “تسليم السلطة للمدنيين”.
في هذا السياق، جاءت استقالة الدكتور عبد الله حمدوك، رئيس الوزراء السوداني، بعد مرور شهرين على توقيعه اتفاقا سياسيا مع رئيس مجلس السيادة، تأزيماً للأوضاع برمتها، والتي قد تخلق حالةً من انعدام الأمن والاستقرار، في حين يرى آخرون أن استقالة “حمدوك” لن تغير من واقع الأزمة القائمة، باعتباره “فقد رصيده الشعبي” عندما استهدفته الاحتجاجات إبان تفاقم الاضطرابات العارمة والتوترات السياسية الكبيرة.
وهكذا، فالأحداث السياسية والاضطرابات المتفاقمة في السودان قد تُفضي إلى عودة الجماعات الإرهابية والقوى المتطرفة كقوة منظمة وفاعلة، واحتمالية ظهور وتغلغل تنظيم “داعش” داخل السودان، وحركة “الشباب” الصومالية، الهادفة إلى تعزيز حضورها في جنوب البحر الأحمر.
كذلك فإن التحديات الاقتصادية إحدى المشكلات المتفاقمة والمؤثرة على مستقبل الدولة السودانية، وأي انزلاق نحو الفوضى سيكون رِدًّة كاملة على كل الإنجازات التي حققها السودان بين العائلة الدولية، والتي بموجبها تم رفع اسمه من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وبموجبها أيضاً أُدخل السودان شريكاً في الأمن على المستوى الإقليمي.
ويعوّل الوطنيون السودانيون على الشعب للخروج من تلك الأزمات، التي تحدق بالبلاد، وإلا فإن المفاوضات بين الأطراف السياسية قد تصل إلى طريق مسدود، في الوقت الذي يرفض التحالف السياسي المدني الرئيسي “قوى الحرية والتغيير” إجراء أي مفاوضات ما لم يتم التمسك بالوثيقة الدستورية والعودة إلى ما قبل الأحداث الأخيرة.
وتكمن وراء التحركات الدولية في العديد من النزاعات الداخلية، أهدافٌ وأغراضٌ سياسية لبعض القوى الإقليمية والدولية، فقد رأينا تدخّل الدول الكبرى في النزاع الداخلي لدارفور وبعض الولايات والمناطق السودانية، ما أدى إلى تعقيد الأزمة، لا إلى حلها، وانعكس عدم فاعلية قرارات الأمم المتحدة على تصعيد الصراع الداخلي في تلك المناطق.
وتُفرز تلك التحركات والتداعيات التنافس إقليمياً، وضمن نطاق جغرافي أكبر يمتد إلى منطقتي البحر الأحمر والقرن الأفريقي، بما يهدد بمزيد من اشتداد التنافس على المواني البحرية، وتنامي توجهات إنشاء القواعد العسكرية الأجنبية فيها، الأمر الذي يتطلب من الجامعة العربية والدول الإقليمية والمجتمع الدولي تقديم الدعم والمساندة كي لا يتعرض السودان الشقيق إلى اهتزازات سياسية تؤثر على أمنه واستقراه.
تفاقم الأزمة السودانية قد يعرّض المنطقة برمتها إلى تجاذبات سياسية وأمنية تؤثر بحدتها على الحالة الأمنية العامة للإقليم، في ظل تنافس القوى الكبرى والإقليمية على السودان كموقعٍ جيوسياسي، فضلا عن موارده الطبيعية، ما لم يتم التوصل داخليا إلى صيغة تعاونية تُنهي الأزمة القائمة.
هناك أيضا دول عربية ستتأثر بشكل مباشر بأمن مضيق “باب المندب”، أبرزها اليمن وجيبوتي، اللتان تطلان مباشرة على المضيق، الذي تكمن أهميته الاستراتيجية في مجاورته مناطق عدة ذات حساسية بالغة.
إن الأولوية القصوى للخروج من الأزمة السياسية وضمان استقرار المرحلة الانتقالية في السودان، تكمن في دعْم مسار إدماج السودان الجديد في محيطيه الإقليمي والدولي، وقد عزز من ذلك تغيُّر نظرة المجتمع الدولي للسودان عقب الإطاحة بنظام “البشير”، وقرار الولايات المتحدة برفع العقوبات المفروضة على الخرطوم، وإزالة السودان من قائمة الإرهاب.
ولا يمكن أبدا استبعاد تهديدات أمنية أخرى على مستوى الإقليم، مثل انتشار القرصنة وجرائم الاتجار بالبشر وتهريب السلاح والمقاتلين وتجارة المخدرات.
إن أي دور دولي لمعالجة الواقع الراهن داخل السودان لا ينبغي أن يتجاوز إرادة السودانيين، بل أن يكون مسانداً لما يتفق عليه الشعب السوداني، وذلك عبر حوار الأطراف المعنية، بعيداً عن التحركات، التي تتجه نحو منحى التدويل والتجزئة، لذلك فإن فرض التحرك الجاد وفقاً للقواعد الدولية المرعية وتأمين المساعدات اللازمة لإنهاء الأزمة، كفيلة بحماية السودان وأمنه واستقراره.
العين الإخبارية