سياسة

مصلحة قطر في دعم “أردوغان”!


ما مصلحة قطر في دعم تركيا في غزواتها في سوريا وليبيا؟

لماذا تقوم الدوحة بـ”التمويل الكامل” لعملية الغزو والاحتلال التركي لشمال شرق الفرات، حسب تصريح وزير الدفاع التركي، الذي شكر قطر على “كامل التمويل”؟

لماذا يكون الأمير تميم هو صاحب أول اتصال هاتفي، وصاحب أول زيارة لأردوغان عقب محاولة الانقلاب الأخيرة على الرئيس التركي؟

لماذا تتعهد قطر بمبلغ 15 مليار دولار استثمارات قطرية لدعم الاقتصاد التركي عقب محاولة الانقلاب؟

لماذا تقوم قطر بتعويض كامل احتياجات تركيا من الغاز الروسي بعدما ألغت موسكو إمدادات الغاز الممنوحة لأنقرة عقاباً لنظام أردوغان لإسقاطه مقاتلة روسية على الحدود السورية-التركية.

لماذا يتم «تلزيم» الشركات التركية الأولوية في عمليات إنشاء وإعمار ملاعب واستادات كأس العالم لكرة القدم المقرر إقامتها في قطر عام 2022.

لماذا تكون أنقرة هي مصدر الصادرات الغذائية الأول لدولة قطر عقب العقوبات التي تعرضت لها خليجياً؟

يمكن حصر الأسباب الجوهرية لهذا العشق القطري لتركيا في 3 أسباب:
1 – اتفاق الرؤى الشخصية بين حكم الأمير الأب والرئيس أردوغان، وهو ما ورثه عنه -بالتبعية- سمو الأمير تميم.

2 – التقارب الأيديولوجي العقيدي لدعم الإسلام السياسي على «نهج فكر جماعة الإخوان» في مركزي القيادة في أنقرة والدوحة.

3 – الاتفاق الكامل في مصادر التهديد والعدائيات للبلدين، فكل من الدوحة وأنقرة ترى قائمة العداء الإقليمي هي:

1 – مصر السيسي.
2 – سعودية محمد بن سلمان.
3 – إمارات محمد بن زايد.
4 – بحرين الملك حمد.
5 – ليبيا حفتر.
6 – فلسطين أبومازن.
7 – سوريا بشار الأسد.

مشروعات الدولة الوطنية ذات الجيوش المركزية هي «عدو» رئيسي لكل من الدوحة وأنقرة، وجماعات الميليشيات الراعية للإرهاب السياسي من جبهة النصرة في سوريا إلى الحشد الشعبي في العراق، إلى حماس في غزة، إلى طالبان في أفغانستان، إلى جماعة الإخوان (التنظيم الدولي وكافة فروعه وبالذات في مصر) هم أنصار التحالف القطري-التركي.

نأتي إلى الجانب الأهم، وهو جانب المصلحة المباشرة التي تستفيدها قطر من تحالفها مع تركيا؟

لماذا يتعين على الدوحة أن تستنزف مواردها لدعم تركيا؟، لماذا تمول مغامرات أردوغان العسكرية؟ ما الذي يجعلها تعادي الدولة الأكبر عسكرياً في المنطقة وهي مصر، وتعادي المركز الروحي الأول في العالم الإسلامي وهو السعودية؟ ولماذا تتصادم مع أغلبية دول مجلس التعاون الخليجي؟ ولماذا تضع نفسها في مجال الاشتباه من مراكز المخابرات العالمية بدخولها في تمويل جماعات مشبوهة؟

لماذا تتكبد قطر هذه الفاتورة التي تبدو -للوهلة الأولى- باهظة للغاية، خطرة بشكل مخيف، تحتوي على صراعات ومخاطر لا نهائية؟ هنا لا بد من التأكيد أن الموقف القطري، مهما اختلفنا معه وحوله وعلى دوافعه ونواياه الشريرة، مبني على «منطق واضح وحسابات دقيقة» من منظور من هندسه وأرساه ويطبقه بدقة.

قطر دولة صغيرة الم

ساحة، 11 ألفاً و521 كيلو متراً مربعاً، تضم 2.5 مليون نسمة، وسط عالم ومحيط أكبر منها من ناحية القوة المالية، القدرة على التجييش، تعداد السكان، المساحة الجغرافية، اختارت لنفسها نصيحة رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق شيمون بيريز للأمير الأب: «اجعلوا من قطر نموذجاً للدولة الصغيرة ذات التأثير العملاق، كونوا مثلنا، جزيرة قوية وسط بحر من الأعداء، كونوا إسرائيل الخليج».

وهكذا حلقت قطر منذ العام 1994 في بناء منظومة تحالفات إقليمية ودولية رأسياً وأفقياً وسط مشروع دقيق وطموح استهلك منها ما لا يقل عن 20٪ من رأسمال صندوقها السيادي.

اعتمدت قطر في هذه المنظومة على تعاون حديدي مع تركيا أردوغان التي تسير بأربع صفات جوهرية:
1 – حكم عقائدي يشترك مع قطر في دعم مشروعات الإسلام السياسي.

2 – «عدو» رئيسي لأعداء النظام القطري: «السعودية – مصر – الإمارات – سوريا».

3 – قوة عسكرية قادرة على التجييش، 670 ألف جندي نظامي، والقوة رقم 14 في ميزان القوى العالمية.
4 – نظام حكم في أنقرة قابل للشراء، تاجر سياسي محترف، يتحدث عن المبادئ رغم أن كل شيء عنده قابل للشراء.

فهمت قطر ذلك جيداً فقامت بشراء الدور التركي بتمويله بالكامل، مقابل:

1 – تأمين حماية النظام القطري من خلال الاتفاقية الأمنية الموقعة عام 2014.
2 – وجود ما يُعرف بقوات «طارق بن زياد»، وهي قوات نخبة تركية مسلحة بمدرعاتها وتسليحها الكامل لحماية أهداف مختارة.
3 – تفعيل اتفاق قاعدة عسكرية تركية في قطر وتوقيع اتفاق ما يُعرف بالمجلس الاستراتيجي القطري التركي.

العنصر الأهم الأهم الأهم الذي أنبه إليه هو أن قطر اختارت أردوغان كي يكون حارس بوابة أمن قطر الداخلي، و«بودي جارد» الغاز القطري.

تقول الإحصائيات إن قطر هي ثالث أكبر مصدّر للغاز الطبيعي في العالم بنحو 15٪ من احتياطي الغاز العالمي، وتمتلك 20٪ من الغاز الحر من احتياطيات العالم.

إن احتياطيات الغاز القطري تقدر بـ900 تريليون قدم مكعب.

بالمقابل فإن الاكتشافات الأولية في اليونان وقبرص «بئر أفروديت» أو في مصر «بئر ظهر وبئر نور» كل هذه الحقول أقل حقل فيها ينبئ باستكشاف 30 مليار قدم مكعب ويقدر احتياطي غاز البحر المتوسط (إسرائيل، قبرص، اليونان، سوريا، لبنان، ليبيا، مصر) بما قد يصل إلى ما يزيد على إنتاج قطر وإيران معاً في العشر سنوات المقبلة!

من هنا ليس غريباً أن نكتشف أن شركة قطر للبترول قامت بالتعاون مع أكسون موبيل الأمريكية بالتنقيب في حقل «جالوكي» في قبرص.

لا يمكن فهم قطر دون فهم مصدر قوتها، ولا يمكن تحليل قوة قطر دون معرفة صندوق جهاز قطر للاستثمار «الصندوق السيادي»، ولا يمكن فهم مصدر قوة هذا الجهاز دون فهم أهمية الغاز القطري.

جهاز قطر للاستثمار هو صندوق سيادي لإدارة ثروة دولة قطر يرأسه سمو الأمير تميم بن حمد، تأسس عام 2005، يبلغ رصيده ما بين 320 إلى 350 مليار دولار، مصدرها الرئيسي هو صادرات الغاز والنفط القطري.

أصبح صندوق قطر من أهم عشرة صناديق سيادية للاستثمار في العالم بهدف استخدام الاستثمارات كوسيلة للتأثير السياسي على أماكن ودول الاستثمار المعنية، ومن أجل تنويع مصادر الاستثمار والدخل، بحيث لا تصبح الاعتمادية مطلقة على ثروة الغاز.

إذن.. غاز قطر هو مصدر تمويلها، وقوتها، وبئر المال السياسي الذي تنفق منه على مشروعها الإقليمي.

إذن.. لا بد من حماية وتأمين هذا الغاز وفعل أي شيء وكل شيء لمنع تهديد أمن وأسعار هذا الغاز، ومن هنا نفهم تصريح أردوغان في الدوحة القائل: «نحن وقطر نقف معاً في خندق واحد».

من هنا لا بد أن نفهم أن قطر شعرت بقلق عظيم من ظهور المخزون العملاق غير المسبوق لاحتياطيات الغاز في منطقة البحر المتوسط من قبرص لليونان، ومن لبنان إلى إسرائيل، ومن ليبيا إلى مصر وسوريا.

من هنا تم تمويل كل مشروعات تركيا الهادفة إلى الوصول إلى أماكن النفط والغاز في المنطقة، خاصة أن أنقرة دولة بلا مصادر طبيعية للطاقة، تستورد 95٪ من احتياجاتها التي تكلفها سنوياً 50 مليار دولار.

من هنا نفهم تمويل قطر للغزو التركي لسوريا، كي يكون هناك موضع قدم يمكن التفاوض من خلاله مع الوجود الروسي على غاز ونفط البلاد.

ومن هنا يمكن فهم التمويل الكامل منذ 3 سنوات لصفقات السلاح التركي إلى ليبيا من صواريخ ومجنزرات وطائرات مسيّرة وذخائر وخبراء قتال بهدف الوصول عبر طرابلس إلى غاز ليبيا.

ومن هنا يمكن فهم الإعلان التركي-القطري هذا الشهر في زيارة أردوغان للدوحة لدعم حكومة السراج في ليبيا التي وقعت معه اتفاقية عسكرية وأخرى في مجال التنقيب المشترك عن الغاز بناء على ترسيم مخالف للشرعية الدولية للحدود البحرية عكس ما نصت عليه اتفاقية معاهدة البحار الموقعة عام 1981.

في خلال مدة من 3 إلى 5 سنوات سوف يصبح غاز المتوسط، القريب جغرافياً من مصادر الاستهلاك في أوروبا، والذي يمكن أن يصل بعد ذلك إلى أماكن في آسيا، هو المصدر الرئيسي المنافس للثلاثي الاحتكاري في ترتيب الغاز:
1 – روسيا: 43 تريليون قدم مكعب.
2 – إيران: 31 تريليون قدم مكعب.
3 – قطر: 24 تريليون قدم مكعب.

باختصار، سيكون العرض العالمي أكبر من الطلب، وسيكون هناك لاعبون غير موسكو والدوحة وطهران يتحكمون في «تركيب الأسعار والكميات»، خاصة أن تكاليف النقل ستكون أسهل وأرخص.

هذا التهديد الوجودي لشريان الحياة ومصدر الثروة الرئيسي لقطر فرض على الدوحة اتباع هذه المغامرات التي تلعب فيها أدواراً أكبر من الحجم والمساحة.

من هنا من مصلحة الدوحة أن تكون هناك «حرب غاز» على آبار البحر المتوسط. من مصلحة الدوحة أن تكون أماكن التنقيب عن الغاز غير آمنة ومتنازعاً عليها.

تعطيل ظهور عنصر غاز المتوسط كقوة داعمة لدول المنطقة، وبالذات مصر «المعادية لقطر» و«قبرص واليونان» العدوين التقليديين للنظام التركي، هو مسألة حياة أو موت لنظامي الدوحة وأنقرة.

«الغاز»، ورواسب نفسية، وخلفيات تاريخية، هي «مثلث سياسة قطر» المضادة للتاريخ، وللنفس، وللمنطقة.

هناك منطق مخيف ومرفوض لسياسات قطر ولتحالفها مع تركيا ضد مصالح أشقائها العرب، لكنه في النهاية منطق يحرك مصالحها.

«ألغاز السياسة القطرية» يمكن فهمها من «مصالح الغاز»!

نقلاً عن “الوطن المصرية”

تابعونا على

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى