مصر تعزز ترسانتها العسكرية بصفقة ضخمة مع الولايات المتحدة

وافقت وزارة الخارجية الأميركية على صفقة سلاح ضخمة للقاهرة بقيمة 4.67 مليار دولار، تشمل منظومة صواريخ أرض-جو متطورة، بحسب ما أعلنته وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) الخميس في خطوة تعكس استمرار متانة العلاقات الاستراتيجية بين الولايات المتحدة ومصر رغم المخاوف الإسرائيلية من خطط التسلح المصرية.
وأوضحت وكالة التعاون الأمني الدفاعي، وهي الجهة التابعة للبنتاغون والمكلّفة بإدارة صادرات الأسلحة الأميركية، أن الصفقة “تهدف إلى دعم أهداف السياسة الخارجية والأمن القومي للولايات المتحدة من خلال تعزيز أمن حليف رئيسي من خارج حلف الناتو”، في إشارة إلى مصر، التي تعدّ من الدول ذات الأهمية الجيوسياسية الكبيرة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
ويأتي توقيت الصفقة في ظل تحولات إقليمية حساسة، وضغوط إسرائيلية متكررة بشأن طبيعة التعاون العسكري بين واشنطن والقاهرة، خاصة مع سعي مصر إلى تحديث ترسانتها العسكرية وتنويع مصادر تسليحها، من خلال صفقات مع دول مثل روسيا، فرنسا، وإيطاليا، فضلًا عن الصين. ومع ذلك، فإن موافقة الإدارة الأميركية على هذه الصفقة تؤكد أن التحالف الأمني بين البلدين لا يزال قائمًا وفاعلًا، رغم بعض التباينات.
وتشمل الصفقة، بحسب بيان البنتاغون، إلى جانب الصواريخ، عناصر لوجستية وتكنولوجية متقدمة، وتدريبًا ودعمًا برامجيًا، مما يعكس رغبة واشنطن في تطوير القدرات الدفاعية المصرية بطريقة متكاملة، وليس مجرد بيع سلاح منفصل.
وبحسب مصادر دبلوماسية، أبدت إسرائيل تحفظات غير معلنة حول الصفقة، خصوصًا أنها تأتي في وقت تسعى فيه مصر إلى تعزيز قدراتها الدفاعية بعيدًا عن الاعتماد الحصري على السلاح الأميركي، ما يثير تساؤلات داخل دوائر صنع القرار في تل أبيب حول التوازن العسكري الإقليمي.
وتخشى إسرائيل من أن تطور منظومات الدفاع الجوي المصرية قد يحدّ من تفوقها التقني والعسكري في المنطقة، وهو تفوق تعتبره “ضمانة أمن قومي” في أي مواجهة محتملة، أو حتى في حالات التوتر السياسي.
ومع ذلك، لا يبدو أن هذه التحفظات كانت كافية لإقناع الإدارة الأميركية بعرقلة الصفقة، وهو ما يشير إلى أن الولايات المتحدة لا تزال ترى في مصر حليفًا مركزيًا لا يمكن الاستغناء عنه، خاصة في ظل الأدوار التي تلعبها القاهرة في ملفات إقليمية حساسة مثل الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، أمن البحر الأحمر، ومكافحة الإرهاب في سيناء.
ومن المعروف أن مصر، التي تحصل منذ توقيع اتفاقية السلام مع إسرائيل في 1979 على مساعدات عسكرية أميركية سنوية تتجاوز 1.3 مليار دولار، تحافظ على علاقات عسكرية وثيقة مع واشنطن، رغم تذبذب العلاقات في بعض الفترات، خاصة بعد 2013، في أعقاب التغيرات السياسية الداخلية التي شهدتها البلاد.
ويعتبر خبراء أن الصفقة الجديدة تمثل تأكيدًا عمليًا على أن واشنطن لا تزال تنظر إلى القاهرة بوصفها شريكًا استراتيجيًا محوريًا في المنطقة، خاصة في ظل احتدام المنافسة الدولية على النفوذ في الشرق الأوسط.
ومن جهة أخرى، تمثل الصفقة دفعة قوية لصناعة الدفاع الأميركية، إذ ستتولى شركة “ريتاكس كوربوريشن” في ولاية ماساتشوستس تنفيذ الجزء الأكبر منها، ما سيساهم في تعزيز الطلب على إنتاج الأسلحة المتطورة الأميركية حتى عام 2029، بحسب تقديرات محللين عسكريين.
وتشير هذه الصفقة إلى أن البنتاغون يرى في مصر ليس فقط شريكًا أمنيًا، بل أيضًا سوقًا حيويًا يعزز تنافسية الصناعة العسكرية الأميركية في مواجهة الصعود المتزايد لمنتجي السلاح من دول أخرى.
وفي المحصلة، يبدو أن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب اختارت الاستمرار في إمداد القاهرة بالأسلحة الأميركية، مع محاولة عدم تجاوز الخطوط الحمراء بالنسبة لحلفاء آخرين مثل إسرائيل. وفي ظل هذا التوازن الدقيق، تشير الصفقة إلى أن مصر لا تزال حجر أساس في المعادلة الأمنية الأميركية في الشرق الأوسط، على الرغم من مساعيها المستمرة لبناء استقلالية أكبر في قرارها التسليحي والعسكري.