سياسة

مسارات واتجاهات مستجدة في المشهد الليبي

د. طارق فهمي


دخلت التطورات الليبية مرحلة جديدة من المواجهات المتوقعة إثر تقدم سيف الإسلام القذافي بأوراق ترشحه لانتخابات 24 ديسمبر المقبل.

فقد ارتبطت بذلك الترشيح آثار على مجمل المشهد الليبي، الأمر الذي قد يُحدث انقطاعا في إدارته حال تمسك كل طرف بما يملكه من أوراق ضاغطة حقيقية يمكن العمل بها.

وقد اعتبر سيف الإسلام القذافي ثاني مرشح محتمل بعد المصراتي عبد الحكيم بعيو، الذي كان أول المتقدمين لخوض الانتخابات الرئاسية، والواقع أن العملية الانتخابية بكل تطوراتها وخريطة تفاعلاتها تتم في ظل غياب التوافق بين القوى الدولية والإقليمية حول مسارات العملية السياسية والعملية الانتخابية في ليبيا، والذي اتضح في مؤتمر باريس الأخير، الذي أظهر تجاذبا حقيقيا بين فرنسا من جانب وروسيا وبريطانيا وألمانيا وإيطاليا من جانب آخر، وتحديدا بشأن الجدول الزمني للعملية الانتخابية والأطر التنظيمية المنظمة لها، وبالتالي فإن غياب أي توافق يرسم سيناريوهات متعددة، وأن ما تم من خطوات قد لا يلتزم بها أحد من الآن، وليس بعد إجراء الانتخابات التي قد تجري ولكن لن يعترف أحد بنتائجها، ما سيُبقي على مستوى الخلافات والتباينات بين الجانبين كما هي.

إضافة إلى ذلك الخلافات الداخلية بين القوى الليبية، وعدم توافقها على قوانين الانتخابات وغياب القاعدة الدستورية الحاكمة لها، بين مطالبين بضرورة إجراء انتخابات على أسس سليمة لتجنب الطعن وبين الرافضين لإجراء الانتخابات.

وتضم الشريحة الأولى شخصيات وقوى مستقلة، والشريحة الثانية المؤسسات السياسية الحالية، وشريحة ثالثة للخاسرين في ملتقى الحوار السياسي، وبالتالي فإن تشرذم المشهد بكل أطرافه وفعالياته قد يؤدي إلى حالة من التأزم السياسي الحقيقي، الذي يمكن أن يؤدي إلى صدمات جديدة غير متوقعة.

ترشح “سيف الإسلام” أو غيره من الشخصيات الأخرى في الخريطة السياسية الراهنة مرتبط بصورة كبيرة بانقسام معسكر فبراير في شرق وغرب ليبيا على نفسه، ومسعى الدول الكبرى في استبدال النخب الليبية الحالية عبر عملية انتخابية تفرز نخبة جديدة يمكن أن تقود عملية التسوية المقبلة، مع توقع صدامات مبكرة، حيث لوّح الإخوان بعرقلة إجراء الانتخابات الرئاسية الليبية، وحذروا مما أسموه “اندلاع حرب ضروس لا تُبقي ولا تذر” لتخويف الليبيين.

والمعنى واضح.. فهناك قوى –الإخوان– رافضة لما سيجري أصلا على أساس ما تم بالتنسيق مع المفوضية العليا، وبرغم ما قاله رئيس المجلس الرئاسي الليبي، محمد المنفي، بأن هناك خطوات جادة يجري اتخاذها تجاه تسوية ما يتعلق بالانتخابات المقبلة في إطار عملية سلام.

سيحكم المشهد المقبل في ليبيا أمور عدة:

أولها أن المجتمع الدولي مطالب بالتدخل، ومعاقبة كل من يريد انتهاك حق الشعب الليبي في التعبير عن إرادته في إجراء الانتخابات والعمل على فرض عقوبات مناسبة لمواجهة ما سيجري، وبات عليه الآن مساعدة الليبيين في إقامة نظامهم السياسي وبناء دولة مستقلة، خاصة أنه حال إجراء الانتخابات سيكون هناك رابح وخاسر، وقد لا يقبل الخاسر التسليم بالنتائج، في ظل فوضى السلاح الموجود لدى مليشيات الإخوان، ومن ثم فإن التلويح بإخضاع المعرقلين للمساءلة، كما ورد في بيان مؤتمر باريس، خطوة جيدة، ولكن جاء ذلك دون إعلان واضح من مجلس الأمن.

وثانيها أن استمرار تهديد الإخوان، ومن يساندهم في المعادلة الليبية المعقدة، بعرقلة الانتخابات، قائم، فقد هددوا بتقديم آلاف الجثث في المشهد الراهن والمتوقع ما لم تعدّ المفوضية الوطنية العليا للانتخابات قانوناً ونظاما جيدا يمكن البناء عليه لصالحهم، ما قد يعتبر اختباراً حقيقيا للمجتمع الدولي ومدى الجدية في دعم إجراء الانتخابات في موعدها، وهو أمر سيحتاج إلى ضمانات حقيقية وليست مجرد تعهدات.

وثالثها أن التعامل مع أزمة المرتزقة والقوات الأجنبية الموجودة يحتاج إلى مقاربة حقيقية، ولعل مقترح الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، على الرئيس الأمريكي، “بايدن”، الداعي لإخراج المرتزقة، يليه سحب المرتزقة وفق جدول زمني مدته ستة أشهر، مهم ومطروح بقوة في ظل ما يجري من مواقف وتوجهات لم تقترب من هذا الملف المتخم بكثير من العقبات والتحديات، ويؤكد أن المرتزقة ليس ملفا ليبيا خالصا، بل إشكالية حقيقية بين الدول الكبرى، في ظل تحالفات مع التنظيمات الإرهابية في الغرب.

رابعها أن هذه الانتخابات لا تتعلق فقط بصراعات الليبيين فيما بينهم، بل هي انتخابات صاغ قوانينها لاعبون دوليون وإقليميون، فيما دعوات مقاطعة الانتخابات ستزيد حالة الاحتقان في ليبيا، والتي يمكن أن تعيد الأوضاع إلى ما قبل المسار السياسي الراهن، وربما إلى سيناريو ما بعد انتخابات 2014، التي انتهت بالانقسام.

وفي ظل استمرار الجدل القائم بشأن القوانين التي ستنظم الانتخابات البرلمانية والرئاسية في ليبيا، فإن المرحلة المقبلة ستشهد حالة من الترقب والانتظار، خاصة أن خيار تأجيل الانتخابات بأكملها دون وضع منظومة زمنية متوافق عليها مسبقا سوف يدفع ببعض الأطراف المتربصة داخليا للتشكيك في شرعية الحكومة المقبلة بعد إجراء انتخابات 24 ديسمبر المقبل، ومن ثم عودة الحكومة الموازية في شرق ليبيا، واحتمال الصراع مرة أخرى بين الشرق والغرب، وهو السيناريو الأكثر ترجيحا حال استمر المشهد السياسي على ما هو عليه، ما لم تتوافر الإرادة السياسية الحقيقية للعمل تحت مظلة محددة مقبولة من الأطراف المعنية الداخلية والدولية

تابعونا على

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى