مرتزقة بلا حدود


وصلت مجموعات سوريّة مسلّحة معظمها مكونة من عشرات المقاتلين الموالين للرئيس التركي رجب طيب أردوغان من التركمان السوريين إلى الأراضي الليبية للمشاركة بالقتال والتصدي للهجوم الّذي يشنّه الجيش الوطني الليبي على المليشيات غير المنضبطة التي يقودها فايز السرّاج رئيس حكومة “الوفاق الوطني” الليبية المنتهية صلاحيتها.

وبالتزامن مع وصول هذه المجموعات إلى ليبيا، تسعى الجماعات الجهادية في سوريا والموالية لأنقرة لإرسال المزيد من المقاتلين، تلبية لأوامر الحكومة التركية، حيث تعمل على تجهيز المئات منهم لإرسالهم إلى ليبيا في المرحلة الأولى، ليصل عددهم لآلاف في المراحل المقبلة، وفقاً للتسريبات الّتي تداولتها وسائل إعلام دولية وأخرى عربيّة.

ومن المعروف أن هؤلاء المقاتلين غير مدرّبين على قتال الشوارع أو حرب العصابات خاصة أن أنقرة جمعتهم على عجالة في وقتٍ سابق لمحاربة الأكراد وحلفائهم المحليين في قوات سوريا الديمقراطية داخل الأراضي السورية على الحدود مع تركيا. وشاهدنا جميعاً وجود أمراء سابقين من تنظيم “داعش” الإرهابي معهم، بالصوت والصورة عبر الفيديوهات التي كانوا يصوّرونها بأنفسهم وهم يعدمون المدنيين في تلك المناطق ميدانياً.

وبالطبع لا يمكننا أن نصف هؤلاء المقاتلين بمقاتلين أممين يحاربون خارج أوطانهم بعد ذهابهم إلى ليبيا وهناك جملة أسباب لذلك وفي مقدمتها أنهم حصلوا على دعمٍ دولي غربي مع دعمٍ عربي كي يحاربوا قوات الحكومة السورية، لكن أغلبهم باعوا أسلحتهم للجهاديين أو انضموا إلى جماعاتهم الإسلامية مع عتادهم العسكري الّذي حصلوا عليه من الغرب وبعض الدول العربية ولم يخوضوا حرباً واحدة ضد الحكومة السورية باستثناء حصول بعد المناوشات هنا وهناك على نقاط التماسّ.

وحتى حين حصل هؤلاء المقاتلون على دعمٍ غربي وعربي، كانوا يسعون للتجارة والحصول على أموالٍ طائلة وهو ما حصل بالفعل، فقادة معظم الفصائل اليوم تملك مطاعم واستثمارات أخرى في إسطنبول وغيرها من المدن التركية بعدما هربوا من سوريا مع أموالهم ولم يحاربوا حكومتها، بل إن بعضهم باع أسلحته قبل ذلك لمقاتلين من الحكومة السورية. ولم يتوقف الأمر لديهم عند هذا الحدّ، فرغم حصولهم على مبالغ طائلة نتيجة الدعمين الغربي والعربي، توجّهوا للتجارة “الرّابحة” مع أردوغان.

وقد تمكّن أردوغان بالفعل من تجنيد عشرات الآلاف من السوريين من خلال بعض قادة الفصائل “المستثمرين” في تركيا ووافق هؤلاء معاً على محاربة الأكراد رغم أن معظمهم لا يعرفون شكل وطبيعة المناطق الكردية في سوريا ولا يعرفون شيئاً عن الأكراد أيضاً، فهم في أغلبهم ينحدرون من أرياف حمص وحماة وإدلب، لكن الراتب الّذي سيحصل عليه المقاتل هو الهدف بحسب اعتقادهم ويجب تحقيقه، فقد كان هؤلاء المقاتلون يتقاضون نحو 300  دولارٍ أمريكي من أنقرة قبل أن تتراجع قيمة الليرة التركية ليصل راتبهم إلى نحو 100 دولار في الوقت الحالي في الشهر الواحد.

ورغم أن قادة بعض الفصائل السورية الموالية لأنقرة يصفون تركيا عبر وسائل الإعلام بـ”الحليف التركي”، لكن في واقع الأمر، هم مرتزقة لأردوغان وهذا ليس اتهاماً، بل أمراً واقعاً، والدليل أن وكالة الأناضول التركية الرسمية ومعها بقية وسائل الإعلام الموالية لأردوغان كانت تصف قتلى الجيش التركي في معاركه ضد الأكراد في سوريا بـ”الشهداء”، بينما المقاتلون السوريون الّذين كانوا يحاربون لأجل الحصول على 100 دولار شهرياً، فكانت تصفهم هذه الوسائل الإعلامية بـ”القتلى”، وأبدى بعض قادة هذه الفصائل بنفسهم عن غضبهم من استخدام هذا الوصف إعلامياً من خلال عدّة تغريداتٍ كتبوها على موقع “تويتر”.

ويُضاف للتوصيف التركي الرسمي لهؤلاء المقاتلين المرتزقة، عدد قتلى الجيش التركي في عملياته الثلاث التي شنّها على الأراضي السورية، حيث لم يتجاوز عددها العشرات، بينما قُتِل الآلاف من المقاتلين السوريين الموالين لأنقرة، وهذا يعني أن الأخيرة كانت تحاول الحفاظ على حياة جنودها وتقود مرتزقتها السوريين إلى حتفهم.

واليوم، هناك مكاتب لتسجيل وتجهيز المقاتلين الموالين لأردوغان والمدعومين منه في بعض المناطق الخاضعة لسيطرة جيشه، وهناك إقبال كبير على التسجيل بهدف الذهاب للقتال في ليبيا لا سيما أن الرواتب الشهرية التي سيحصلون عليها مقابل ذلك تصل إلى نحو ألفي دولارٍ أمريكي، الأمر الّذي يرى فيه المرتزقة السوريون فرصة جديدة لكسب المال.

نقطة أخيرة تؤكد من جديد ارتزاق هؤلاء السوريين وهي البعد الجغرافي بين ليبيا وتركيا، وكذلك عدم وجود أي تداخل سياسي أو عسكري بين الملفين السوري والليبي، لكن يبدو أن الرواتب الشهرية الموعدين بها مقابل مشاركتهم في القتال ضمن صفوفِ مليشياتٍ ليبية مدعومة من تركيا، تقرّب المسافات وتجعل من ليبيا جارةً لتركيا وكذلك لسوريا، الأمر الّذي جعل ارتزاق هؤلاء المقاتلين عابراً للحدود والقارات.

نقلا عن العين الإخبارية

Exit mobile version