سياسة

مدارس اليمن المدمرة.. جيل كامل مهدد بالحرمان من التعليم


 يعيش قطاع التعليم في اليمن واحدة من أسوأ المراحل بتاريخ البلاد بين مدارس مدمرة وملايين الطلاب الذين باتوا غير قادرين على الالتحاق بالفصول الدراسية نتيجة أوضاع معقدة صنعتها حرب بدأت قبل نحو 11 عاما.
ومعاناة قطاع التعليم باليمن هي جزء من ظروف بالغة التعقيد تتخللها تحديات جسيمة تعيشها البلاد التي تئن تحت وطأة واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية والاقتصادية بالعالم جراء الصراع الدائر بين القوات الحكومية وجماعة الحوثي، بحسب تقارير أممية.
وكغيره من القطاعات، بلغت أزمة قطاع التعليم باليمن مستويات “كارثية”، حيث تعاني البنية التحتية أضرارا جسيمة “كما توقف صرف رواتب المعلمين منذ 2016، ما أدى إلى هجرة جماعية لهم”، وفق بيانات وتحذيرات أممية سابقة.
وتلك الأزمة تطال كافة متطلبات العملية التعليمية، ففي مناطق الحكومة الشرعية، لا يتوفر من الكتب المدرسية سوى 13 بالمئة من الاحتياج الفعلي، مع وجود عجز كبير في أعداد المعلمين والمعلمات نتيجة توقف التوظيف منذ أكثر من 12 عاما، والمعاناة ذاتها متفشية بمناطق الحوثيين إن لم تكن أشد، بحسب معطيات نقابية.
وفيما اعتبره مراقبون، صرخة تحذير جديدة، أعلنت منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسف”، قبل نحو أسبوع، أن التعليم في اليمن يواجه أزمة واسعة.
وأضافت المنظمة الأممية في بيان أن “3.7 ملايين طفل يمني (من أصل نحو 11 مليونا) باتوا خارج المدارس، فيما تضرر أو دُمّر ما يقرب من 2800 مدرسة (من أصل نحو 16 ألفا) جراء الحرب”.
وفي 16 يونيو/حزيران الماضي، نبهت المنظمة ذاتها، في بيان، من أن الأزمة التعليمية باليمن “بلغت مستويات كارثية، إذ تعاني البنية التحتية أضرارا جسيمة كما توقف صرف رواتب المعلمين منذ 2016، ما أدى إلى هجرة جماعية لهم”.
وآنذاك، حذرت المنظمة الأممية من أن “انقطاع التعليم لا يعيق التقدم الأكاديمي للأطفال فحسب، بل يُهدد أيضًا نموهم المعرفي والعاطفي”.
ووفق تقارير أممية، فإن عدد المدراس في اليمن يتجاوز 16 ألف مدرسة، بينما يبلغ عدد طلاب المرحلة الأساسية والثانوية (ما قبل الجامعية) حوالي 11 مليونا.
وحسب مراسلين فإن العديد من المدارس اليمنية تعرض لأضرار أو دمار جراء الحرب، ما دفع العديد من الطلاب إلى الدراسة تحت الأشجار أو الخيام، فيما هناك من قرر العزوف عن التعليم لبعد المدارس أو عدم القدرة على دفع تكاليفه.
مدرسة “الوفاق” الحكومية في مديرية الوازعية غربي محافظة تعز (جنوب غرب وتتقاسم الحكومة وجماعة الحوثي السيطرة على مناطق فيها)، تعد مثالاً حياً لهذا الدمار التي طال أحد أهم القطاعات الحيوية.
.هذه المدرسة كانت تضم صفوف المرحلتين الأساسية والثانوية وهي من أهم مدارس المديرية، بحسب مديرها عبدربه الطلبي للأناضول.
لكن “الحرب أثرت بشكل كبير على هذه المنشأة التعليمية، حيث تعرضت لدمار هائل بسبب المواجهات (بين القوات الحكومية والحوثيين) التي شهدتها مديرية الوازعية قبل سنوات”، وفق الطلبي.
وأضاف الطلبي بنبرة يملؤها الأسى جراء الحرب “أصبحت المدرسة غير مؤهلة لاستمرار التعليم، وبات الكثيرون يعانون تعليمياً في ظل الدمار الذي طال هذه المدرسة الحيوية في المديرية”.

أوضاع التعليم في مناطق سيطرة الحوثيين لا تختلف عن الأوضاع في بقية اليمن
أوضاع التعليم في مناطق سيطرة الحوثيين لا تختلف عن الأوضاع في بقية اليمن

ونبه إلى أنها “كانت تخدم طلاباً كثيرين كون موقعها استراتيجي يتوسط عدة مناطق في المديرية مثل الظريفة والأحيوق والمشاولة”.
غير أن “الدمار لم يترك شيئاً، حتى الكراسي وخزان المياه وكل شيء أصبح غير صالح للاستخدام”، وفق مدير المدرسة.
وناشد الطلبي “الجهات المانحة وفاعلي الخير العمل على إعادة ترميم المدرسة التي تخدم العديد من الطلاب في هذه المديرية الفقيرة”.
ونبه إلى “الخطر الكبير الذي يعيشه الطلاب الآن، حيث يضطرون للانطلاق إلى مدارس أخرى بعيدة لم تتضرر كثيراً من الحرب، ما يسبب لهم أعباء نفسية وصحية بسبب التغيرات المناخية السلبية وغياب وسائل المواصلات في ظل الظروف المعيشية الصعبة”.
وتقع مديرية الوازعية حاليا تحت سيطرة القوات الحكومية، وسبق أن شهدت مواجهات بين هذه القوات وجماعة الحوثي عام 2018 ما أدى إلى أضرار كبيرة في مختلف القطاعات بما في ذلك المدارس.
وأطلق الشكوى ذاتها رئيس مجلس الآباء في مديرية الوازعية نبيل طه، خلال حديثه للأناضول، محذرا من أن “توقف هذه المدرسة الحيوية تسبب في تشرد العديد من الطلاب، وانقطاع البعض عن التعليم كلياً، لعدم امتلاكهم أجور المواصلات اللازمة للوصول إلى مدارس بديلة”.
ومجلس الآباء هو هيئة مجتمعية رقابية تطوعية تُشكل على مستوى المديرية أو المدرسة الواحدة، ويضم مجموعة من أولياء أمور الطلاب لإسناد إدارة المدارس في تنظيم وتجويد العملية التعليمية.
وتابع طه أنه قدم مناشدات إلى الجهات المختصة وجهات خيرية ومنظمات مجتمع مدني لترميم المدرسة، لكنه لم يتلق “استجابة فعالة”، وفق حديثه.
ولفت إلى أن “بعض المنظمات قدمت إلى المدرسة والتقطت صور الدمار وعاينت المساحات، دون بوارد لإعادة ترميم هذا الصرح التعليمي”.
وناشد رئيس مجلس الآباء المعنيين والمنظمات الإقليمية والدولية، بأن “هذه المدرسة تقع تحت جغرافية الجمهورية اليمنية، وعلى جميع السلطات أن تتحمل المسؤولية وأن تنظر إلينا باهتمام وتُعيد لنا هذا المبنى”.
ومنذ أبريل/نيسان 2022، يشهد اليمن تهدئة حذره من حرب بدأت قبل نحو 11 عاما بين القوات التابعة للحكومة الشرعية، وقوات جماعة الحوثي المسيطرة على عدة محافظات ومدن بينها العاصمة صنعاء (شمال)، منذ 21 سبتمبر/أيلول 2014.
ووفق تصريحات سابقة، أدلى بها الأمين العام لنقابة المعلمين اليمنيين (تشمل كل البلاد) عبد الرحمن المقطري، فإن العملية التعليمية في البلاد، سواء في مناطق الحكومة الشرعية أو الحوثيين، تعاني تحديات جسيمة.
ففي مناطق الحكومة الشرعية، وفق المقطري، “أدى الغلاء الفاحش وانهيار العملة المحلية إلى تدهور القدرة الشرائية للمعلمين والطلاب والمواطنين عموما”.
وتابع “فقدت رواتب المعلمين قيمتها الحقيقية، وأصبحت لا تساوي أقل من عُشر ما كانت عليه مطلع 2014، ولم تعد تكفي حتى لتوفير أساسيات الغذاء والشراب، فضلا عن باقي الاحتياجات”.
وفي مناطق الحوثيين، وفق حديثه، “بات الوضع أكثر سوءا، إذ حُرم المعلمون من رواتبهم 8 سنوات، حتى تم صرف نصف راتب كل ستة أشهر، وحوافز متقطعة منذ عام ونصف تقريبا”.

تابعونا على

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى