متابعات إخبارية

مخاوف حقوقية تؤجج الجدل حول تحديث منظومة العدالة الجنائية في مصر


ينتظر المصريون المصادقة النهائية على قانون الإجراءات الجنائية الجديد الذي ينظّم العملية الجنائية بدءا من توقيف المتهمين وصولا إلى صدور الأحكام النهائية، فيما حذّرت الأمم المتّحدة وحقوقيون من أنّ بعض مواده ليست إلا إضفاء للشرعية على ما وصفوه بـ”تجاوزات حقوقية”.

وتستمر مصر في مراجعة وتحديث منظومتها الجنائية لتحقيق التوازن بين تحقيق العدالة الناجزة وحماية حقوق الأفراد والحفاظ على الأمن والنظام العام، بينما تواجه هذه المنظومة تحديات مثل طول أمد التقاضي في بعض القضايا ومشكلة الحبس الاحتياطي وتكدس القضايا، لذا، سعت الدولة لإدخال إصلاحات وتعديلات، لتجد نفسها أمام اختبار صعب بين الرغبة في تحديث هذه المنظومة وبين القدرة على تهدئة المخاوف الحقوقية.

ويُعتبر قانون الإجراءات الجنائية إلى جانب قانون العقوبات، حجري الزاوية لمنظومة العدالة ويصفهما قانونيون بأنّهما مكمّلان للدستور.

وعلى مدار السنوات الماضية، نظر البرلمان في مشروعين للقانون قدّمتهما الحكومة، وانتهى إلى نسخة قدّمتها لجنة برلمانية فرعية تمّ تشكيلها خصيصا وأكّد رئيسها أنّ القانون يمثّل “نقلة حقيقية في ملف حقوق الإنسان”.

ومن بين المواد التي لاقت انتقادات، واحدة تجيز للنيابة العامة “في حال الاستعجال” الأمر بالمنع من السفر بلا حدّ أقصى زمني ودون انتظار حكم قضائي، وأخرى تسمح لقوات الأمن بدخول المنازل وتفتيشها دون إذن قضائي “في حالات الخطر أو الاستغاثة”، بلا تعريف واضح لتلك الحالات.

وقال رئيس اللجنة البرلمانية الفرعية لدراسة وإعادة صياغة القانون إيهاب الطماوي إنّ مشروع القانون “أتى بمجموعة من الضمانات الجديدة… في ما يخصّ إعادة تنظيم دور النيابة العامة وإعادة تنظيم ممارسة حقّ الدفاع”، بالإضافة إلى الأمور المتعلقة بالحبس الاحتياطي والمنع من السفر.

من جهته، أكد وزير الخارجية بدر عبد العاطي أمام الأمم المتحدة أثناء الاستعراض الدوري الشامل لحقوق الإنسان، أنّ القانون الجديد سيحدث “ثورة تشريعية في مجال العدالة الجنائية في مصر لا سيما في ما يتعلق بمدد وضوابط الحبس الاحتياطي”.

وفي السنوات الأخيرة، واجهت مصر انتقادات لتمريرها تشريعات تقنن إجراءات استثنائية تعود إلى حالة الطوارئ التي استمرت عقودا طويلة في ظل الأنظمة المتعاقبة، إلى أن تمّ إنهاؤها عام 2021.

وفي أبريل/نيسان الماضي، أرسل البرلمان نسخة أخيرة من القانون، لم تُنشر، إلى رئاسة الجمهورية للمصادقة النهائية.

ودعا مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان فولكر تورك الرئيس عبدالفتاح السيسي إلى النظر بمشروع القانون “بعناية… قبل منحه أي موافقة… بهدف ضمان امتثاله التام لالتزامات مصر الدولية في مجال حقوق الإنسان”.

وتأتي مصر في المركز 135 من 142 على مؤشر سيادة القانون التابع لمشروع العدالة العالمي، وهو منظمة دولية غير حكومية معنية بالعدالة وسيادة القانون.

ويوضح كريم عنارة، مدير الأبحاث في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية أنّ مشروع القانون يتوسّع في الصلاحيات الممنوحة لكل من النيابة العامة .والشرطة على حساب جهات التقاضي الأخرى وعلى حساب المتّهمين ومحاميهم.

بدوره، يحذّر المحامي البارز خالد علي من أنّ مشروع القانون من شأنه الانتقاص من دور المحامين وتقويض حقوق الدفاع “وهي ضمانة أساسية لأيّ محاكمة عادلة”. موضحا أن النصّ “لا يحارب الفساد بشكل حقيقي، ويتوسع في السلطات الممنوحة للشرطة والنيابة… ولا يحقق التوازن المفترض بين جهات التقاضي المختلفة”.

ويُعطي القانون الجديد الحقّ للنيابة العامة في حجب الشهود أو إجراء التحقيقات في غياب المحامين، ولا يُلزمها باطلاع الدفاع على أوراق القضية، وهي “انتهاكات متكررة”. بحسب تقدير عنارة، إلا أنها ستصبح، في حال تمرير القانون، ممارسات قانونية.

وينظم القانون كذلك المحاكمات عن بُعد التي يرى عنارة أنها خرجت في شكل “يقوّض قاعدتين أساسيتين من قواعد المحاكمة العادلة وهما حقّ المتّهم في الاجتماع مع محاميه على انفراد. وحقّه في المثول أمام قاضيه” ليتمكن الأخير من تقدير أيّ ضرر أو إساءة قد تكون لحقت بالمتّهم.

وأشار إلى أن المحاكمات الافتراضية تتمّ “على عجالة” بين القاضي من جهة وعشرات المتهمين معا على الجهة الأخرى من المحادثة الافتراضية. وهؤلاء بالكاد يمكنهم الاستماع إلى أحكام وقرارات تمسّ عشرات الموقوفين.

ويعتبر محمود شلبي، الباحث في شؤون مصر في منظمة العفو الدولية أنّ القانون الجديد لم يحلّ “القضايا الأكثر جدلا في نظام العدالة الجنائية المصرية”.

وكانت منظمة العفو الدولية قالت في أكتوبر/تشرين الأول إن مشروع القانون “لا ينصّ على أي ضمانات ضدّ الحبس الاحتياطي الطويل الأمد والتعسفي”.

ورغم تخفيض القانون الجديد الحد الأقصى للحبس الاحتياطي من 24 إلى 18 شهرا. فإنه لا يضع حدا لـ”تدوير المتهمين”، بحسب شلبي.

ويوضح الباحث في منظمة العدل الدولية (أمنستي) أنّه في هذه الحالة. تعمد السلطات المصرية لإدراج أسماء من انتهت مدة حبسهم في قضايا جديدة تحمل تهما مطابقة لتلك التي احتُجزوا على خلفيتها، ما يسمح ببدء مدد جديدة من الحبس الاحتياطي. محذرا من أن مشروع القانون يطرح إشكالية أخرى هي عدم السماح للمتهمين بالتقاضي “في حال تعرضهم لتجاوزات أثناء القبض عليهم أو أثناء الاحتجاز” إذ يحصر القانون هذا الحق بيد النيابة العامة.

وفي مواجهة الانتقادات، أقام البرلمان “حوارا مجتمعيا” لمناقشة مشروع القانون. إلا أنه رفض الأغلبية العظمى من الاقتراحات التي تم تقديمها، حسبما أفاد شلبي وعنارة وعلي.

ووصف عنارة الحوار المجتمعي بأنه كان “حوارا من طرف واحد”. فيما قدّم علي، بالتعاون مع مجموعة من 15 محاميا مستقلا، ورقة بعنوان “نحو قانون عادل للإجراءات الجنائية” تضمّنت تعديلات لمواد القانون. “ولم يأخذ البرلمان بأيّ من اقتراحاتنا التي تضمنت 176 مادة” من أصل 540 مادة.

قانون الإجراءات الجنائية في مصر:

وقانون الإجراءات الجنائية الأساسي في مصر هو القانون رقم 150 لسنة 1950. ومع ذلك، تم إدخال تعديلات مهمة عليه مؤخرًا.

القانون رقم 1 لسنة 2024: صدر هذا القانون بتعديل بعض أحكام قانون الإجراءات الجنائية، وهو يتعلق بشكل أساسي بـ “إعادة الإجراءات أمام محكمة الجنايات المستأنفة”. وجاء هذا التعديل التزامًا بالمادتين 96 و 240 من الدستور المصري. ويسمح للخصوم في الدعوى الجنائية أو المدنية التابعة بالطعن بالاستئناف على حكم محكمة جنايات أول درجة لإعادة النظر في موضوع الدعوى.

مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد (المنتظر): هناك مشروع قانون شامل للإجراءات الجنائية تمت الموافقة عليه “نهائياً” من قبل مجلس النواب المصري. وهذا المشروع يهدف إلى تحديث القانون بالكامل ويتضمن العديد من التعديلات التي أثارت نقاشات واسعة، مثل:

تنظيم أحكام التعاون القضائي في المسائل الجنائية وإعادة تنظيم المعارضة في الأحكام الغيابية وتقليص الإجراءات الروتينية وإلزام المحاكم بالفصل في الدعاوى خلال مدة محددة في بعض الجرائم.

إدخال تعديلات لضمانات المحاكمة العادلة وحق الدفاع

تضمين أحكام تتعلق بالرقابة على الهواتف ومواقع التواصل الاجتماعي، وهي نقاط أثارت جدلاً حول الخصوصية.

يهدف التعديل إلى تحقيق التوازن بين كفاءة التحقيق وسير العدالة وضمان احترام الحريات الفردية.

قانون العقوبات في مصر:

قانون العقوبات الأساسي في مصر هو القانون رقم 58 لسنة 1937. وعلى غرار قانون الإجراءات الجنائية، لم يتم إصدار “قانون عقوبات جديد” بالكامل، بل تمت عليه تعديلات متتالية لمواكبة التغيرات الاجتماعية والسياسية والظواهر الإجرامية الجديدة.

أبرز التعديلات الحديثة على قانون العقوبات:

آخر تعديل رئيسي كان في 15 أغسطس/اب 2021 بالقانون رقم 141 لسنة 2021.

والقانون رقم 185 لسنة 2023 هو الذي تم بموجبه تعديل بعض أحكام قانون العقوبات.

ويتم بشكل دوري إدخال تعديلات على نصوص معينة لمواجهة جرائم مستحدثة أو تشديد العقوبات على جرائم معينة، مثل: تشديد عقوبات جرائم التحرش الجنسي وختان الإناث وإضافة نصوص لتجريم ومنع التنمر والابتزاز والاستغلال الإلكتروني.

تعديلات تتعلق بجرائم القرصنة والتشهير عبر الإنترنت.

تحديثات في مواجهة الإرهاب والجرائم الاقتصادية والجرائم الإلكترونية.

تعديل عقوبات الجرائم المتعلقة بالأمن القومي والفساد.

قانون الإجراءات الجنائية: صدر القانون رقم 1 لسنة 2024 بتعديلات مهمة بشأن الاستئناف أمام محكمة الجنايات، وهناك مشروع قانون شامل تمت الموافقة عليه برلمانيًا وينتظر صدوره ليصبح القانون الجديد.

قانون العقوبات: لا يوجد قانون عقوبات جديد بالكامل، بل هو القانون رقم 58 لسنة 1937 وتعديلاته المستمرة، وآخر تعديل رئيسي كان في عام 2021. بالإضافة إلى تعديلات لاحقة في 2023 وتعديلات متفرقة أخرى.

 

تابعونا على

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى