سياسة

مبادرات الإمارات النوعية لمواجهة التحديات الكونية


يواجه العالم في وقتنا الراهن تحديات متعاظمة تلقي بظلالها السلبية على جميع دوله، ولا يمكن التصدي لها بشكل منفرد.

وإنما تتطلب تعزيز التعاون الدولي في مواجهتها، وفي مقدمتها ظاهرة التغير المناخي، والأزمات الصحية العابرة للحدود والأمن الغذائي والكوارث الطبيعية، وهذا ما تؤكد عليه دوماً دولة الإمارات في مختلف المنابر الإقليمية والدولية، على أساس أنه لا يمكن التصدي لهذا النوع من التحديات الكونية إلا عبر جهد جماعي مشترك.

لقد عبّر صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، خلال كلمته ضمن أعمال قمة القادة للمناخ التي عقدت افتراضياً برعاية الرئيس الأمريكي جو بايدن، قبل أيام، عن رؤية الإمارات الملهمة في مواجهة التحديات الكونية، وضرورة تعزيز التعاون الدولي للعمل من أجل المناخ بوصفه قضية مُلحة وتحدياً عالمياً كبيراً، حينما كشف عن “مبادرة الابتكار الزراعي للمناخ”، التي تأتي بالشراكة مع الولايات المتحدة الأمريكية؛ بهدف تكثيف وتسريع جهود الابتكار والبحث والتطوير العالمية في جميع جوانب القطاع الزراعي على مدى السنوات الخمس المقبلة للحد من تداعيات تغير المناخ والتكيف معه.

هذه المبادرة النوعية تجسد بوضوح الدور الرائد الذي تقوم به الإمارات في تعزيز التعاون الدولي في مواجهة التحديات الكونية، فتحقيق الأمن الغذائي أصبح يشكّل أولوية متقدمة على أجندة المجتمع الدولي، خاصة في ظل جائحة “كوفيد-19” التي أدت إلى ارتفاع أسعار المنتجات الغذائية نتيجة الإنتاج الزراعي المنخفض وتعطيل سلاسل التوريد والإمداد العالمي، وأكدت أهمية تبني سياسات غير تقليدية في تأمين الاحتياجات الغذائية لشعوب العالم في أوقات الأزمات والكوارث الطارئة، ولهذا فإن “مبادرة الابتكار الزراعي للمناخ”، تقدم حلولاً مبدعة في مواجهة هذا التحدي العالمي، يقوم على تطوير تقنيات وأساليب جديدة مبتكرة لتمكين القطاع الزراعي من التعامل مع تحديات تغير المناخ، مع تقليل انبعاثات غازات الدفيئة وخلق فرص اقتصادية ومهارات ووظائف جديدة، كما أنها تواكب التوجه العالمي المتنامي في اعتماد حلول الزراعة الذكية لمواجهة التغيرات المناخية والحد من استهلاك المياه بنسبة تصل إلى 90%، مقارنة مع الزراعة التقليدية.

ولعل ما يزيد من الثقة الدولية بهذه المبادرة هو تجربة الإمارات الرائدة في مجال استدامة الأمن الغذائي، حيث نجحت في توظيف التكنولوجيا المتقدمة في تطوير قطاع الزراعة الذكية من خلال زيادة استخدام التكنولوجيا المائية التي تعتمد على المياه الغنية بالمغذيات لنمو النباتات بدون تربة، أو بوجود كمية قليلة من التربة.

“مبادرة الابتكار الزراعي للمناخ” ليست الأولى من نوعها التي تقود من خلالها الإمارات الجهود الدولية لمواجهة التحديات الكونية التي ترتبط بأمن وتنمية شعوب العالم، فقد سبق وأن طرحت العديد من المبادرات الرائدة التي تستهدف استدامة الأمنين المائي والغذائي، ومكافحة الجوع، ومحاربة الفقر، والحفاظ على البيئة والإدارة الرشيدة للموارد الطبيعية، بل إنها تقود العالم في مجال نشر حلول الطاقة المتجددة، بهدف دعم أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة، بالإضافة إلى جملة من المبادرات الداعمة للمتطلبات البيئية، والأنظمة المتجددة لإنتاج الطاقة النظيفة التي تم توظيفها في جميع أنحاء العالم، لا سيما الدول النامية، مما كان له الأثر الأكبر في تعزيز مكانتها في المجتمع الدولي كدولة رائدة في مجال الطاقة النظيفة، وابتكار طرق بتكلفة أقل لاستغلال هذه الطاقة، لتكون بذلك نموذجاً فريداً لدول العالم، ومثالاً مميزاً في تحقيق “دبلوماسية الطاقة” كأداة من أدوات القوة الناعمة، تحصل بها على أرفع تقدير من المجتمع الدولي.

في الوقت ذاته، فإن دولة الإمارات قامت – ولا تزال – بدور حيوي في التصدي لجائحة كوفيد-19، سواء من خلال تقديم المساعدات الطبية للدول الشقيقة والصديقة والنامية والفقيرة لمساعدتها على تخفيف آثار هذه الجائحة، أو من خلال إطلاق مبادرة “ائتلاف الأمل”، التي تستهدف دعم الجهود العالمية في توزيع لقاحات كوفيد-19 من خلال تقديم حلول متكاملة لتلبية متطلبات عملية نقل اللقاح وتوفير البنية التحتية الرقمية للمساهمة بشكل فاعل في توفير اللقاح في جميع أنحاء العالم، أو من خلال “الشراكة الاستراتيجية من أجل الإنسانية” مع جمهورية الصين الشعبية، التي تم الإعلان عنها في شهر مارس الماضي، والتي تمثل بداية التدشين الرسمي للمشروع المشترك “علوم الحياة وتصنيع اللقاحات في دولة الإمارات العربية المتحدة” بين مجموعة “جي 42″ الإماراتية ومجموعة سينوفارم CNBG الصينية، وإطلاق أول خط إنتاج وتصنيع لقاح لـ”كوفيد-19” في دولة الإمارات، الذي لن تقتصر مردوداته الإيجابية على الدولتين فقط، وإنما ستشمل دول العالم أجمع، خاصة أن هذا المشروع يعزز الجهود الدولية الرامية إلى توفير اللقاحات لجميع شعوب العالم بشكل عادل، إذ إن الطاقة الإنتاجية المقدرة للمصنع الجديد المخصص لإنتاج اللقاح الذي ستتم إقامته في مدينة خليفة الصناعية العام الحالي تبلغ 200 مليون جرعة سنوياً، وهي كافية لسد حاجة عدة دول.

الإمارات تثبت من خلال هذه المبادرات أنها تقود الجهود الدولية في مواجهة التحديات الكونية التي ترتبط بأمن وتنمية وسلام شعوب العالم أجمع، وتعمل في الوقت ذاته على ترسيخ منظومة القيم الإيجابية كالتضامن الإنساني في مواجهة التحديات والمخاطر، والتعايش بين البشر مهما كانت اختلافاتهم الثقافية والدينية، والالتزام الأخلاقي بمساعدة الشعوب الفقيرة ومساعدتها على مواجهة الأزمات والكوارث، لأنها تدرك أن هذه القيم تمثل مرتكزات رئيسية لتعزيز الأمن والسلام والاستقرار الإقليمي والدولي، ولهذا من الطبيعي أن تتجه إليها أنظار المجتمع الدولي، بقواه الفاعلة ومؤسساته المختلفة، عند مواجهة التحديات والمخاطر الكونية التي تواجه العالم، لأن مبادراتها ورؤاها ومواقفها تنطلق من الإيمان بوحدة المصير الإنساني والعمل على ضمان مستقبل أفضل لجميع شعوب العالم.

تابعونا على

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى