سياسة

ما هي الأسباب والتداعيات وراء زيارة أردوغان إلى تونس


في الآونة الأخيرة، تتابعت تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان المعادية لمصر، ليتزامن ذلك مع إجراءات تركية متعددة ومستهدفة المصالح المصرية.

ومن بين أهم هذه الإجراءات، نجد الاتفاق الأمني والعسكري وتعيين الحدود البحرية بين تركيا ورئيس حكومة الوفاق فايز السراج. وقد تبعت هذه الإجراءات تصريحات أطلقها بخصوص رفض كافة الاتفاقيات الموقعة بين مصر وكل من قبرص واليونان والاستعداد للتمركز العسكري في ليبيا لمواجهة الجيش الوطني الليبي.

وتمثلت آخر التحركات في الزيارة التي قام بها أردوغان لتونس في 25 ديسمبر الجاري، مصطحبا معه كل من وزير الدفاع ورئيس المخابرات التركي. وبهدف تقييم مجمل للتحركات والمواقف التركية لاسيما تلك التي تستهدف مصر، يمكن الإشارة إلى الاعتبارات التالية:

-إن أردوغان لديه استراتيجية للحركة الإقليمية محددة المعالم تبلورت في السنوات الأخيرة. حيث أصبحت مصر محورا أساسيا لهذه الاستراتيجية منذ ثورة 30 يونيو عام 2013 والتي أسقطت حكم تنظيم جماعة الإخوان الإرهابية، والتي يعتبر أردوغان الراعي الرئيسي لها.

-إن الحركة التركية تتماشى والعديد من المسارات والمستويات التي تستهدف جميعها في النهاية أن تصبح تركيا دولة إقليمية عظمى. وذلك من خلال امتلاك عناصر وأدوات قوة في الملفات الرئيسية ذات الاهتمام، والقضايا والنزاعات القائمة في المنطقة لا تكفل لها تحقيق ذلك فقط، ولكن تسمح لها بالحوار مع القوى الكبرى المعنية بتطورات المنطقة.

– يوجد هناك قلق تركي من التحالف المصري مع كل من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة. وهذا التحالف الإقليمي الموجه للاستراتيجية التركية والرافضة لتوظيف ما يُسمى مجازاً بالإسلام السياسي يعتبر بمثابة غطاء لمصالح تركية ضيقة تخترق الأمن القومي العربي بصفة عامة والأمن القومي لتلك الدول بصفة خاصة.

– إن مصر تمثل هدفًا رئيسيًا لأردوغان بصفة خاصة، نظرا لأن ثورة 30 يونيو قد قامت بهدم طموح أردوغان لإنشاء إمبراطورية إقليمية تستوعب خلالها تركيا الدول الإقليمية المؤثرة، لاسيما مصر، وهو الطموح الذي تبناه التنظيم الدولي للإخوان. ومنذ ذلك الوقت يسعى لحصار مصر في دوائر مختلفة ومنعها من استعادة مكانتها الإقليمية كقوة مُحركة للأحداث.

إن مجالات الحركة على هذا المستوى قد تعددت سواء في دوائر الأمن المباشر للأمن القومي المصري سواء في البحر الأحمر وبعض دول حوض النيل. حيث كان آخرها ما يحدث في ليبيا، والتي تعد من وجهة نظر تركيا نقطة تمركز تهدد الأمن القومي المصري بصورة كبيرة. وبغض النظر عن عدم قانونية ما تم توقيعه من اتفاقيات أمنية وعسكرية وتعيين للحدود البحرية مع ليبيا. غير أنها تستهدف في النهاية تثبيت وفرض أمر واقع يكفل لتركيا أن تكون ليس فقط طرفا داعما لجناح ليبي ولكن أن تكون طرفا في أي تطورات قادمة، ومحاولة تشريع تمددها في ليبيا من خلال غطاء قانوني، ودعم جناح الإخوان في ليبيا للتأكيد على استمرار الحضور الإقليمي للتنظيم.

وقد جاءت زيارة أردوغان إلى تونس من أجل أن تكشف عن محور الحركة في الأزمة الليبية وللتحرك التركي لتحقيق مكاسب إقليمية بصفة عامة. ومن أجل تقييم أبعاد هذه الزيارة، فمن الضروري الإشارة لعدد من الاعتبارات الجديرة بالاهتمام لاسيما ما يلي:

– فاز الرئيس التونسي في الانتخابات بمساندة واضحة من جانب حركة النهضة الإخوانية، كما أن الحركة هي الكتلة الأكبر داخل البرلمان التونسي. ومنه فإن تأثير تنظيم الإخوان لا يزال يؤثر داخل النظام السياسي التونسي، ويرتب مناخًا يسعى أردوغان لاستثماره لدعم تحركه في ليبيا وفي المنطقة بصفة عامة.

– هذه الزيارة سبقها استقبال الرئيس التونسي لرئيس مجلس الرئاسة الليبي فايز السراج، وذلك بعد توقيعه للاتفاقيات مع تركيا في دلالة واضحة على طبيعة الموقف التونسي منها. وقد سبقها أيضا استقبال الرئيس التونسي لوفد من زعماء قبائل في المنطقة الغربية الليبية يرتبطون ويؤيدون حكومة الوفاق، وكذلك أحد كبار زعماء جماعة الإخوان الليبية.

– وبعد هذه الاستقبالات، أعلن الرئيس التونسي عما يُسمى بمبادرة سلام في ليبيا من خلال مبادئ عامة غير واضحة، لم تشر إلى دور دول الجوار، وقد تجاهل بأن هناك لجنة ثلاثية مصرية تونسية جزائرية معنية بتطورات الأزمة الليبية. وما يلفت النظر هو وصول وفد ليبي برئاسة السراج إلى تونس فور وصول أردوغان ومباركة الرئيس التونسي للاتفاقيات الموقعة بين ليبيا وتركيا.

وبذلك فإن المناخ مناسب تماما لعلاقات متطورة بين تركيا وتونس وإن في تشكيل الوفد التركي ما يُشير ربما بوضوح إلى عناصر الحركة التركية على هذا المستوى خاصة ما يلي:

– إن المخابرات التركية تمتلك علاقات قوية بالتنظيمات الإرهابية في سوريا، والدلائل على ذلك كبيرة ومنشورة سواء التي انتمت لداعش أو إلى تنظيم القاعدة. ويكتسب التعاون المُرجح أن تطرحه تركيا على تونس بهذا الخصوص أهمية كبيرة بالنظر إلى أن هناك أكثر من ألف إرهابي تونسي لا يزالون ينتشرون في المناطق التي تهيمن عليها تركيا في شمال سوريا.

 إلى جانب أن هناك أخبار متداولة بخصوص قيام المخابرات التركية بتجميع عناصر إرهابية من التنظيمات في شمال سوريا الأيام الماضية أغلبيتهم ينتمي إلى دول عربية خاصة من شمال أفريقيا وترحيلهم إلى ليبيا ليكونوا مقدمة للانخراط التركي في الأزمة.

– إن التحركات التركية الأخيرة تكشف بشكل واضح عن ملمحٍ جديدٍ من استراتيجية أردوغان التي تستهدف تكثيف الانتشار الإقليمي ومصر بصورة أساسية، لتكثيف النفوذ التركي غرب المتوسط وخلق مصالح مشتركة مع تلك الدول.

– بالإضافة إلى أن أحد جوانب هذه الاستراتيجية فتح مجالات جديدة للاستثمار المشترك وفرص للشركات التركية يمكن أن تساهم في مواجهة الأزمة الاقتصادية التي بدأت تعاني منها تركيا، ويرتب كل ذلك مناخًا مواتياً للعلاقات السياسية.

-يمكن للحركة التركية حسب ما سبق أن ترتب تداعيات سلبية على السياسة المصرية في شمال أفريقيا ودول الجوار الليبي وتمثل عقبة، في حال تطورها، على السعي المصري للتطوير الإيجابي في العلاقات المصرية لاسيما مع كل من الجزائر والمغرب.

إنه لمن المتوقع مواصلة أردوغان تحركاته المعادية لمصر ومحاولة زيادة التوتر في مناطق تمس الأمن القومي المصري. ويتوقع أيضا افتعال قضايا للمواجهة للخروج من عزلته التي فرضتها عليه مصر من خلال استبعاده من منتدى غاز شرق المتوسط، ومحاصرة نفوذه الإقليمي خاصة وأن توقيع إسرائيل واليونان وقبرص لخط نقل الغاز الإسرائيلي إيست ميد من خلال البلدين قد أضاف لتوترات أردوغان توترًا إضافيًا.

ومن المقدر ألا يذهب أردوغان لمواجهة عسكرية مباشرة مع مصر والتمركز العسكري الفعلي في ليبيا. في المرحلة الحالية سيواصل تقديم دعم كبير للقوات التابعة للسراج. وذلك من أجل أن يمتلك مزيدا من التأثير في الأزمة ومحاولة موازنة الدور والنفوذ المصري، من خلال نسج نوع من الغطاء من دول إقليمية الأمر الذي يتطلب تحركا موازيا مع هذه الدول في سياسة استباقية للحركة التركية.

ويمكن للتحركات الإقليمية لأردوغان أن تتواصل وتتفاعل مع القضايا والأزمات في المنطقة، وذلك لتحقيق مكاسب شعبية داخلية يواجه بها الأزمة المتصاعدة خاصة داخل حزبه والتي تعدد سلطاته المطلقة في ظل الاستقطاب الإقليمي الحالي.

محاولة تشكيل تجمع إسلامي موازٍ لمنظمة التعاون الإسلامي بضم دول ذات الروابط الإخوانية تعتبر تحركًا إضافيًا في هذا المجال لم ينتج بلورته حتى الآن. غير أنه يُشير إلى محور آخر في استراتيجية تجاه الإقليم والعالم الإسلامي سوف

يستمر لتوفير متطلبات الدولة الإقليمية العظمى والتأثير على مجالات حركة الدول الإقليمية المختلفة مع سياساته.

تابعونا على
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى