سياسة

مالي تندد بالعداء الجزائري


 أعلن المجلس العسكري الحاكم في مالي “إنهاء” اتّفاق السلام الرئيسي “بأثر فوريّ”، الذي رعته الجزائر وذلك بعد أشهر من الأعمال العدائيّة بين المتمرّدين والجيش، فيما عبرت وزارة الخارجية الجزائرية عن أسفها لهذا القرار واعتبرته مثيرا للقلق.

وجاء قرار باماكو في سياق توتر مع الجزائر بعد أن استقبل الرئيس عبدالمجيد تبون قادة من المتمردين الطوارق في خطوة اعتبرها المجلس العسكري المالي أحادية وتدخلا في شؤون بلاده الداخلية.

وقالت الخارجية في بيانها “الجزائر تعبر عن قلقها وبالغ أسفها لتنديد السلطات في مالي باتفاق السلام المنبثق عن مسار الجزائر”، مضيفة “إن الجزائر تحيط علما بهذا القرار الذي تود الإشارة إلى خطورته الخاصة بالنسبة لمالي نفسها وللمنطقة برمتها التي تتطلع إلى السلام والأمن وللمجتمع الدولي برمته الذي وضع كل ثقله ووسائله المتعددة لمساعدة مالي على العودة إلى الاستقرار من خلال المصالحة الوطنية”.

وقال المتحدث باسم الحكومة المالية الكولونيل عبدالله مايغا في بيان على التلفزيون، إنّ المجلس العسكري يعزو مسؤوليّة إنهاء الاتّفاق الذي يُعدّ ضروريًّا لحفظ استقرار البلاد إلى “التغيّر في مواقف بعض الجماعات الموقّعة” وكذلك “الأعمال العدائيّة” من جانب الوسيط الرئيسي الجزائر.

لكن الخارجية الجزائرية قالت إن “الجزائر لم تتقاعس يوما عن العمل على تنفيذ اتفاق السلام والمصالحة في مالي بإخلاص وحسن نية وتضامن لا يتزعزع تجاه مالي الشقيقة” معتبرة “أن القائمة الطويلة من الأسباب المقدمة دعما للانسحاب من الاتفاق لا تتطابق إطلاقا مع الحقيقة أو الواقع”.

والجزائر كانت الوسيط الرئيسي في جهود إعادة السلام إلى شمال مالي بعد الاتفاق الموقّع في عاصمتها عام 2015 بين الحكومة الماليّة والجماعات المسلّحة التي يُهيمن عليها الطوارق.

وكان اتّفاق الجزائر قد دعا إلى انخراط المتمرّدين السابقين في الجيش المالي، فضلا عن توفير قدر أكبر من الحكم الذاتي لمناطق البلاد.

واندلع الخلاف بين باماكو والجزائر منذ بداية الشهر بعد احتجاج المجلس العسكري للجارة الشمالية على عقد “اجتماعات متكررة على أعلى المستويات دون أدنى علم أو تدخل من السلطات المالية، من جهة مع أشخاص معروفين بعدائهم للحكومة المالية، ومن جهة أخرى مع بعض الحركات الموقعة” على اتفاق 2015 والتي “اختارت المعسكر الإرهابي”.

وازداد غضب القادة العسكريين الذين استولوا على السلطة في انقلاب عام 2020، بعد استقبال الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون في الجزائر العاصمة الإمام محمود ديكو وهو شخصية دينية وسياسية مالية بارزة ومن القلائل الذين تجرؤوا على التعبير علنا عن خلافه مع المجلس العسكري الحاكم.

لكنّ الاتّفاق بدأ فعليًّا في الانهيار العام الماضي، عندما اندلع القتال بين الانفصاليّين والقوّات الحكوميّة الماليّة في أغسطس/اب بعد ثماني سنوات من الهدوء، حيث سارع الجانبان إلى سدّ الفراغ الذي خلّفه انسحاب قوّات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة.

وكان المتمرّدون الانفصاليّون، المتكتّلون تحت مظلّة جبهة تنسيق حركات أزواد، قد اتّهموا المجلس العسكري في يوليو/تموز 2022 بـ”التخلّي” عن الاتّفاق.

وكان القادة العسكريّون في مالي أمروا بمغادرة بعثة الأمم المتحدة المتكاملة المتعدّدة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي (مينوسما) في يونيو/حزيران الماضي، واتّهموا قوّاتها بـ”تأجيج التوتّرات المجتمعيّة”.

وقبلها قطعوا العلاقات مع فرنسا، القوّة الاستعماريّة السابقة التي كانت تساعد في قتال المتمرّدين الجهاديّين في الشمال. ومنذ ذلك الحين، لجؤوا إلى روسيا للحصول على مساعدة سياسيّة وعسكريّة.

ومساء الخميس هاجمت الحكومة المالية الانتقالية بشدة الجزائر واتهمتها بمواصلة التدخل في شؤونها بطريقة تؤثر على الأمن الوطني وسيادة مالي وانتهاج سلوك عدائي كما ذكرتها بأنها المسؤولة عن الإرهاب في منطقة الساحل وعن تفرع الجماعات المتطرفة في المنطقة.

وقالت في بيان إنها تتابع بقلق شديد تزايد الأعمال العدائية وتدخلات الجزائر في شؤون مالي الداخلية، مضيفة أنها لاحظت دفعها لفرض مرحلة انتقالية على السلطات المالية بطريقة أحادية الجانب إضافة إلى استقبالها متمردين ومطاردين مطلوبون للعدالة على أعلى مستوى في الدولة الجزائرية.

وأشارت كذلك إلى أن الجزائر أتاحت فتح مكاتب تمثيلية لتلك الجماعات الموقعة على اتفاق السلام للعام 2015 والتي “أصبحت اليوم جماعات إرهابية”.

واتهمت الحكومة الجزائرية أيضا بالاستمرار في دعم نظام العقوبات التابع للأمم المتحدة بشأن مالي، في إشارة على ما يبدو للمهمة التي يقودها وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف في نيويورك بتكليف من الرئيس عبدالمجيد تبون والذي يجري لقاءات مع مسؤولين غربيين ركز خلالها على الاضطرابات في منطقة الساحل، بينما يحمل عنوان المهمة حسب بيان الخارجية الجزائرية دعم القضية الفلسطينية.

لكن معظم اللقاءات التي أجراها عطاف فتحت نقاشات حول منطقة الساحل بينما تحول الاهتمام بالقضية الفلسطينية ومأساة غزة إلى ملف ثانوي على أجندة اللقاءات.

وقالت الحكومة الانتقالية إن حركة دول عدم الانحياز وعلى خلاف ما تخطط له الجزائر، عارضت استمرار العقوبات الأممية على مالي، منددة بما وصفته الدور الجزائري الخفي لمحاولة فرض فصل يتعلق بمالي في الوثيقة النهائية لقمة دول عدم الانحياز الـ19 في كامبالا وذلك دون موافقة من السلطات المالية.

واتهمت النظام الجزائري باختلاق المبررات والذرائع بالقول إن الجزائر لم تكن الرائدة في الدفع بالفصل محل الذكر، متسائلة إذا كان ذلك صحيحا فلماذا كانت وحدها التي اعترضت على مستوى الخبراء على مقترح تعديل مالي ولماذا اشترطت أن يحظى أي تغيير في الصياغة محل الخلاف بموافقة السلطات الجزائرية العليا.

وخلصت الحكومة الانتقالية المالية إلى استنتاجات مما سبق مفاده أن كل هذا يظهر أن هناك “تصور خاطئ للسلطات الجزائرية التي تعتبر مالي حديقتها الخلفية أو دولة ذات أهمية ثانوية وذلك في سياق من الاستهتار والاستعلاء”.

ونبهت الرأي العام الوطني والدولي للتناقضات في الممارسات الجزائرية بين ما تبديه من عدائية تجاه مالي من جهة وبين المسؤولية الملقاة على عاتقها بتوليها الرئاسة الدورية لمجلس الأمن الدولي التي تقتضي منها الحفاظ على السلام والاستقرار الدوليين.

وطالبت السلطات الجزائرية بالتوقف عن سلوكها ونهجها العدائي فورا، قائلة إن “العلاقات بين الجيران تتطلب سلوكا مسؤولا محكوم بالاحترام المتبادل”.

ماذا لو استضافت مالي قادة في حركة ماك؟

وتساءلت السلطة الانتقالية في مالي ماذا لو أنها استقبلت قادة من حركة تقرير مصير القبايل (الماك) الحركة التي تطالب بالانفصال مثلما فعلت السلطات الجزائرية حين استقبلت ممثلين عن حركة أزواد (الطوارق) وماذا سيكون موقف النظام الجزائري.

وكانت تشير بذلك إلى أن الجزائر التي صنفت حركة الماك تنظيما إرهابيا، تقبل استقبال انفصاليين ماليين وتندد بأي دعم خارجي لانفصاليي منطقة القبايل. وينطبق هذا الموقف أيضا على قضية الصحراء المغربية إذ تدعم السلطة الجزائرية جبهة بوليساريو الانفصالية وتعمل على تهديد وحدة المغرب الترابية وسيادته وترفض في الوقت ذاته حركة الماك ومن يدعمها، في تناقض مفضوح.

وتشهد العلاقات الجزائرية المالية توترا شديدا انعكس أيضا على علاقاتها مع الدول الافريقية الداعمة للمجلس العسكري الانتقالي الذي يدير شؤون البلاد وهو ما يعزز انحسار النفوذ الجزائري في منطقة دول الساحل والصحراء ويزيد من عزلتها في محيطها الافريقي.

وبدأت في الفترة الأخير حراكا سياسيا ودبلوماسيا لجهة ترميم الشروخ في تلك العلاقات لكن استمرارها على نفس النهج وبسياسة ترى فيها دول الجوار الكثير من الاستعلاء، يقف حائلا دون تهدئة التوترات.

وذكرت السلطة الانتقالية في مالي أيضا النظام الجزائري بمسؤوليته عن تدهور الوضع الأمني في منطقة الساحل، مشيرة إلى أن تدخل حلف شمال الأطلسي (الناتو) في المنطقة أجج الإرهاب إلا أن تأسيس الجماعة السلفية للدعوة والقتال في الصحراء وانضمامها لتنظيم القاعدة شكلت بداية ظهور الإرهاب الدولي في المنطقة.

وخلصت إلى التأكيد على التزامها بتعزيز العلاقات الدولية مع جميع الدول لكن على أساس الاحترام المتبادل واحترام المبادئ التي توجه العمل العام في مالي. وفق ما حددها العقيد أسيمي جويتا رئيس الحكومة الانتقالية رئيس الدولة.

تابعونا على

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى