ماكرون و التجمع الأوروبي بين طموحات الخارج وتحديات الداخل

وتعقد الخميس النسخة السابعة من قمة التجمع السياسي الأوروبي في كوبنهاغن الدنماركية، بمشاركة رؤساء دول وحكومات البلدان الأعضاء بالاتحاد الأوروبي بالإضافة إلى قادة دول أخرى.
وهذا الحدث أطلقه ماكرون قبل ثلاث سنوات في أعقاب بداية الحرب في أوكرانيا، لمنح الدول الأوروبية التي تتنافس على عضوية الاتحاد الأوروبي مقعدًا على طاولة جديدة، فيما اعتبر أنه مساحة جديدة للتعاون السياسي.
لكن دورة هذا العام تأتي في سياق متقلب خصوصا بالنسبة لفرنسا التي تواجه أزمات متتالية وخانقة.
ففي حين يقدم ماكرون كـ”رئيس أوروبي”، فإن المواطن الفرنسي العادي يظل منشغلاً بالقدرة الشرائية، والأزمات الاجتماعية، والملفات المعيشية التي لا يجد انعكاسًا مباشرًا لنجاحات السياسة الخارجية عليها.
«ورقة دبلوماسية»؟
وبالنسبة لماكرون، تمثل قمة “التجمع السياسي الأوروبي” التي تشكل إطارًا للحوار بين دول الاتحاد الأوروبي وجيرانها مثل بريطانيا وأوكرانيا ودول البلقان، ورقة دبلوماسية ثمينة، بحسب صحيفة “لا ليبر” البلجيكية.
وتوضح الصحيفة أن تلك الورقة تمنحه صورة “المبادر” و”المهندس” لمشروع أوروبي جامع يتجاوز المؤسسات التقليدية للاتحاد الأوروبي.
وفي وقت تواجه فيه أوروبا أزمات كبرى مثل الحرب في أوكرانيا، وتحديات الطاقة، واضطراب سلاسل التوريد، يسعى الرئيس الفرنسي لتكريس موقعه كزعيم أوروبي محوري.
وأضافت الصحيفة الفرنسية أنه على المستوى الداخلي، فإن المسألة أعقد، فمع أن ماكرون يقدّم نفسه كـ “رئيس أوروبي”، إلا أن الناخب الفرنسي لا يشارك دائمًا نفس الحماسة لإنجازاته الدبلوماسية.
«لا تكفي»
من جانبه، قال أستاذ العلوم السياسية الفرنسي في معهد البحوث السياسية بمعهد باريس للدراسات السياسية برونو كوترِيه، إن قرار ماكرون بحل الجمعية الوطنية رفع مستوى الشك وعدم الثقة السياسية بين المواطنين، وولّد شعورًا بالضياع تجاه توجهات الدولة.
وأكد كورتيه، في حديث لـ”العين الإخبارية”، أن “تحركات ماكرون الخارجية، حتى لو كانت ذات بعد استراتيجي، لا تكفي وحدها لإصلاح الشرخ العميق بين الحكومة والمجتمع، خاصة في ظل الأزمات الاقتصادية والاجتماعية المستمرة”.
وأشار إلى أنه في ظل أزمات مثل إصلاح نظام التقاعد أو احتجاجات “السترات الصفراء”، لم تشفع له نجاحاته الخارجية.
وبحسب الخبير، فإن “أولويات الفرنسيين تشمل القضايا المعيشية والاقتصادية والخدمات العامة، وهو ما يحد من ترجمة هذه المكاسب الدولية إلى شعبية محلية، بل إن معارضيه يتهمونه أحيانًا بالهروب إلى الخارج لتجنب مواجهة الداخل”.
وتابع :”بالتالي، تبقى تحركات ماكرون الخارجية، سواء عبر قمة التجمع الأوروبي أو وساطاته في الحرب الأوكرانية، مكاسب حقيقية على المستوى الأوروبي والدولي، لكنها محدودة الأثر داخليًا.
أفريقيا.. الثقب الأسود
من جهته، اعتبر إروان دافو، أستاذ الجغرافية السياسية المتخصص في السياسة الخارجية الفرنسية والعلاقات الفرنسية–الأفريقية، أن سياسة ماكرون الخارجية أسهمت في تراجع مكانة فرنسا الدولية، خصوصًا في أفريقيا، بسبب ما يسميه “سلسلة من الأخطاء الاستراتيجية والدبلوماسية”.
ويقول دافو، لـ”العين الإخبارية”، إن سياسة ماكرون الخارجية “تعتبر أحد الأخطاء التي تضعف قدرة ماكرون على استثمار النجاحات الخارجية داخليًا، لأنها تفقد المواطنين الثقة بأن سياسته تعكس مصالحهم اليومية وليست مجرد خطوات رمزية أو نخبوية”.
ولفت إلى أن ماكرون استطاع أن يمنح نفسه موقعًا قياديًا على المستوى الأوروبي والدولي، عبر مبادرات مثل “التجمع السياسي الأوروبي” أو لعب دور الوسيط في الحرب الأوكرانية، وهذه التحركات تمنحه زخماً دولياً وتُعزّز صورة فرنسا كقوة دبلوماسية.
ومستدركا: “لكن تأثيرها على الداخل الفرنسي محدود، لأن الناخبين يعطون الأولوية للقضايا المعيشية المباشرة مثل التضخم والبطالة وإصلاح الخدمات العامة. بل إن التركيز المفرط على الخارج قد يُستخدم ضده كاتهام بـ”التنصل من مواجهة الداخل”.
توليفة النجاح
وخلص إلى أن نجاح ماكرون يتوقف على قدرته في دمج السياسة الخارجية بخطاب داخلي واضح يُبيّن للمواطنين كيف تعود هذه المبادرات بالفائدة عليهم، سواء على صعيد الاقتصاد أو الأمن.
أما دون هذا الربط، فستبقى إنجازاته الدولية محصورة في الإطار النخبوي والدبلوماسي، بعيدة عن حياة الفرنسيين اليومية، وفق دافو.