ماذا وراء زيارة وزير الخارجية الأمريكي للشرق الأوسط؟
يأتي وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن إلى الشرق الأوسط في أول زيارة له في ظل حالة من الترقب والحذر من الأوضاع بين قطاع غزة وإسرائيل
ومسعى الأطراف الإقليمية للعمل مع الإدارة الأمريكية، وانتظار ما سوف تأتي به من رؤى وتصورات جديدة بعد عدة أشهر من توليها مهامها في البيت الأبيض، حيث لم تضع أولويات الشرق الأوسط ضمن تحركاتها، وركزت في المقابل على الملف النووي الإيراني، ولم تنجز فيه أي تطور حقيقي، وانتقلت إلى منطقة الشرق حيث الصراع مع الصين ومع دول الآسيان، إضافة إلى إعادة ترتيب حساباتها السياسية والاستراتيجية في حلف الناتو إضافة إلى العودة إلى التنظيم الدولي والاتفاقيات الدولية وأهمها اتفاقية المناخ. ومع أول أزمة حقيقية في الشرق الأوسط ومع أعقد صراع في العالم وهو الصراع العربي الإسرائيلي اكتشف الجانب الأمريكي أنه لا يمكن الابتعاد عن الشرق الأوسط، وتفضيل مسارات أخرى للتحرك في ظل واقع سياسي وأمني قد ينفجر في أي لحظة رغم تحذيرات قادة المنطقة من أن الإقليم كله مضطرب وفي حالة من عدم الاستقرار، وأنه قد يؤدي لتوترات حقيقية تضر المصالح الأمريكية بالأساس، وفي ظل ترقب دولي مقابل من الصين وروسيا للتدخل، ومراجعة ما يمكن أن يتم.
كشفت الزيارة العاجلة لوزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن أن الإدارة الأمريكية في مرحلة انتقالية ما بين الانتقال فعليا إلى إعادة التموضع، وربط مسارات الحركة واتجاهاتها بخطوات فاعلة قابلة للتنفيذ بصرف النظر عن وعودها وإجراءاتها وتأكيداتها، وبين الاستمرار في إدارة المشهد من بعيد في ظل دور مرتقب ومحتمل للقوى الإقليمية وحسب كل ملف، ووفق كل تطور، وهو ما يعني أن الإدارة الأمريكية التي أرسلت وزير خارجيتها إلى المنطقة لا تزال تراقب، وتدرس سياستها الجديدة في الشرق الأوسط للخروج من الحالة الراهنة إلى واقع يتشكل في الشرق الأوسط، ويتسم بحالة من عدم الاستقرار، ويتطلب التعامل معه وفق قواعد سياسية مرحلية وعاجلة، وليس من خلال سياسات دائمة، أو أطر نظرية عبّر عنها برنامج الحزب الديمقراطي. أما الآن فالأمر اختلف شكلا ومضمونا في ظل صراع يجري ما بين أطراف الصراعات الإقليمية والتي لن تقتصر على الشرق الأوسط بل في أقاليم أخرى، وهو ما سيفرض أولويات حقيقية وجديدة ويتطلب خبرات وإمكانيات الدول الإقليمية الرئيسية في هذه الصراعات، وليس فقط التعامل المباشر، ومحاولة جمع الفرقاء في ظل تعقد بعض الصراعات وحاجتها إلى وسائل مختلفة وأدوات متباينة من أنماط التحرك والمواجهة والتفاعل، وفقا لسياسات واقعية.
وسيتطلب ذلك الإقدام على بلورة سياسات مختلفة، وحلول انتقالية ودائمة وعدم اعتماد الخيارات العامة، وهو ما ركز عليه وزير الخارجية الأمريكي في ظل مخاوف من دخول الصين وروسيا وفرنسا على خط ما يجري، وبالتالي فإن تركيز إدارة الرئيس بايدن على الشرق الأوسط سيكون مطروحا وبقوة في ظل انخراط سياسي واستراتيجي متوقع خاصة أن بعض الصراعات في الشرق الأوسط تحتاج إلى انخراط حقيقي في ظل التطورات الحادثة في الكثير من تطورات الشرق الأوسط، خاصة أن الخارجية الأمريكية ستركز على التواجد في قلب بعض الصراعات، وإعادة ترتيب حساباتها، وهو ما سيجري في ملف الصراع العربي الإسرائيلي، وفي الملف الليبي والتعاملات مع الملف النووي الإيراني الذي نال اهتماما كبيرا من الإدارة، ولم يتحقق فيه أي تطور مهم أو مفصلي، وجاء ذلك على حساب باقي الأولويات في الشرق الأوسط.
ستعمل إذن الإدارة الأمريكية على أطر محددة والخروج من دائرة التنظير إلى واقع الصراعات في الشرق الأوسط، وما سينطبق على ملف الصراع العربي الإسرائيلي قد لا ينطبق على الملف الليبي وكذلك على حسابات الأطراف الإقليمية والدولية في إقليم شرق المتوسط، وهو ما يؤكد على أن الإدارة الأمريكية، وعقب إتمام الزيارة الأولى لوزير الخارجية الأمريكي، ستعمل على إعادة تنميط الحسابات والسياسات وفق ما سيجري، خاصة أن الحلول التقليدية لم تعد مجدية في التعامل مع بعض الصراعات والتركيز على استمرار الاتصالات، وقد تؤدي إلى مزيد من الصدامات المتوقعة، الأمر الذي سيتطلب الانتقال إلى مسارات متباينة، وأن الإدارة الأمريكية ليست لديها مقاربات واضحة بل إطار عام لقضايا المنطقة تحتاج بطبيعة الحال إلى خطط تفصيلية ومسارات محددة، والانتقال من العام إلى التخصيص، وهو ما سيفرض بالفعل مسارا محددا للدول الإقليمية للمشاركة بل والمبادرة بالمعاونة في حل الصراعات القائمة، وستحتاج الإدارة الأمريكية لمزيد من الجهود في اتجاهات متعددة، وفي نفس التوقيت لتفكيك الصراعات، لأن ما ينطبق على الصراع العربي الإسرائيلي لن ينطبق على الملف الليبي مثالا، كما أن دخولها مناطق نفوذ جديدة سيتطلب مواقف حقيقية متماسكة وليس أنصاف خيارات، أو البحث عن رؤى عابرة في ظل التوقع بتكرار الصدامات والصراعات، وبما لا يخدم الاستقرار في الشرق الأوسط ويحتاج بالفعل إلى حسم، وتأكيد لطبيعة العلاقات الأمريكية العربية التي تحتاج بالفعل إلى مراجعة شاملة خاصة أن الطرف الإسرائيلي هو الآخر يحتاج إلى إعادة تأطير علاقاته بالولايات المتحدة بصرف النظر عما يجري من تطورات استراتيجية تخدم السياسة الإسرائيلية، وتؤكد على تفهم إدارة الرئيس جو بايدن لخصوصية العلاقات الإسرائيلية الأمريكية، وتأكيده على دعمها بقائمة تحفيزية، وهو ما سيعمل عليه الجانبان في الفترة المقبلة.
ومن المؤكد أن استمرار التحرك الأمريكي الجاد والفاعل والنشط في الشرق الأوسط والعمل على تأكيد مصداقية الولايات المتحدة في دعم ومساندة حلفائها وليس فقط الاكتفاء بالتصريحات في ظل عالم متغير وشرق أوسط يحتاج إلى الاستقرار بدلا من الاستمرار في حالة المواجهة والاستنفار، وفي ظل دور تدخلي للدول الإقليمية مثل إيران وتركيا وإسرائيل، وعبر مشروعات سياسية واستراتيجية، الأمر الذي لن يتطلب فقط إرسال مبعوثين للتهدئة أو التواجد الشكلي في هذه الملفات، بل بالأساس العمل على تحليل وحل الصراعات، والعمل على التواصل في قلب الأزمات الراهنة سواء الساكنة، أو التي تشهد تطورات دراماتيكية قد تقلب الشرق الأوسط رأسا على عقب، كما جرى مؤخرا في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.. فهل تكثف الإدارة الأمريكية حضورها في الشرق الأوسط؟ هذا هو المتوقع.