سياسة

ليبيا وتفويض الجيش


تفاعلٌ شعبيٌّ كبيرٌ مع دعوة قائد الجيش الليبي المشير خليفة حفتر، إلى تفويض الجيش وإسقاط المجلس الرئاسي، جنين اتفاق الصخيرات الفاشل، فبعد خروج مظاهرات في كبرى المدن الليبية جاءت بيانات القبائل واضحة، ومنها قبائل الأشراف والمرابطين، مطالبةً بتفويض المؤسسة العسكرية لتولي زمام أمور البلاد.

مدن وقبائل ليبية تفوّض الجيش لقيادة البلاد من خلال خروجها في مظاهرات وبيانات، وناشطون يطلقون هاشتاغ «نعم لتفويض القوات المسلحة لقيادة البلاد» بمجرد انتهاء كلمة قائد الجيش المتلفزة.

فالتفويض هو إسناد السلطة أو المسؤولية بما يعني أنه انتقال وتسليم للسلطة، وما دام التفويض شعبياً، فهذا يحمل مستوى الاستفتاء الشعبي ذاته من حيث الشرعية، خصوصاً بعد فشل ما سُمي اتفاق الصخيرات، وفشل مخرجاته، ومنها مجلس الدولة والمجلس الرئاسي، فكلها مؤسسات فشلت في أن تمثل جميع الليبيين، بل تحولت إلى واجهة سياسية لجماعات «الإسلام السياسي» ورهينة له.. كل هذا دفع الكثيرين إلى تفويض المؤسسة العسكرية في حفظ أمن البلاد بعد فقدان الثقة بجميع السياسيين.

قائد الجيش المشير حفتر قال «إن الوضع المأساوي الذي بلغت معه معاناة الشعب ذروتها لا يترك أمام شرفاء الشعب الليبي أي خيار سوى الإعلان بكل وضوح عن إسقاط ما يسمى الاتفاق السياسي والعصابة المسماة المجلس الرئاسي. عليكم أن تقرروا على الفور تفويض المؤسسة التي ترونها أهلاً لقيادة المرحلة القادمة، وفق إعلان دستوري يمهّد لبناء الدولة المدنية، والقوات المسلحة ستكون ضامناً لحماية اختياراتهم».
بعد أن اتسعت رقعة الفساد ونهب المال العالم، والتي وصفها المبعوث الدولي السابق غسان سلامة بغير المسبوقة، وبعد فشل الحكومات، خصوصاً حكومة الوفاق التي قال عنها قائد الجيش الليبي إن «المجلس الرئاسي خائن وعميل بجلبه المرتزقة واستعانته بالجيش التركي»، فإن ليبيا التي تفتقر لقيادة سياسية ناضجة، في انتظار نجاح أي مشروع ديمقراطي، في ظل أمية ديمقراطية، والقبول بالنتائج مع وجود الميليشيات النفعية والمؤدلجة، وهيمنة الجماعات المتطرفة من «إخوان» و«قاعدة» وحتى بقايا «داعش»، يصبح الأمر ضرباً من الخيال.

إن الأهم الآن هو استعادة الدولة الليبية لسيادتها من أيدي الجماعات الإرهابية، ثم يصبح الحديث عن مشروع ديمقراطي قابل للحياة، في ظل سيادة وطنية يحققها الجيش الوطني، أمراً واقعياً.

الأزمة الليبية هي في الأصل أزمة أمنية، وبالتالي استمرار معالجة الأزمة الأمنية بحل سياسي هي شيزوفرينيا ونوع من العبث والترف السياسي، ولهذا جميع الحلول السياسية انتهت بالفشل، ولعل الصخيرات آخرها.

كل الهيئات السياسية الحالية أساءت إلى الدولة والشعب الليبي من خلال سياسات خاطئة، بعضها يرقى إلى درجة الخيانة، كجلب مرتزقة أجانب ودفع أموال لهم من خزينة الشعب الليبي لقتال الليبيين، وإبرام اتفاقيات تشرعن التفريط في الحدود الجغرافية والمائية والثروات الليبية، كما فعلت حكومة الوفاق غير الدستورية، كل هذه الأفعال هي مسببات الحراك الشعبي في ليبيا، لتفويض الجيش الليبي لإدارة البلاد لفترة انتقالية لحين تهيئة مناخ مناسب لإقامة انتخابات حرة بدون إرهاب الميليشيات وسطوتها.

تفويض الجيش الليبي لن يُحدث حالة من التخوف من سيطرة وتسلط «العسكر»، فرسالة الجيش الليبي واضحة وصريحة؛ لا سلطة على الجيش إلا من خلال سلطة منتخبة، وسلطة حكومة الوفاق ليست منتخبة، إنما هي نتاج سلطة الأمر الواقع، ولهذا هي مرفوضة شعبياً قبل أن يرفضها الجيش.

لا تخوُّف عند عموم الشعب الليبي من تفويض الجيش الليبي، فهو مؤسسة عسكرية منضبطة تؤمن بالدولة المدنية، وليس بمفهوم ستراتوقراطية الدولة (Stratocracy)، كما أنه مؤسسة عسكرية وطنية ستحمي الانتخابات المدنية، وتؤكد ميلاد الدولة الليبية وانبعاثها من جديد.

نقلا عن الشرق الأوسط

تابعونا على

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى