سياسة

ليبيا.. احتدام الصراع على تقاسم الثروة


 أثار انخراط القائد العام للجيش الليبي المشير خليفة حفتر في الصراع الدائر منذ الأيام الماضية المتعلق بالثروة والعائدات النفطية وطريقة تقاسمها وتلويحه باستخدام القوة العسكرية.

ارتباك السلطات في طرابلس، التي سارعت بعقد لقاء موسع لبحث هذه المسألة الشائكة، التي عادت إلى الواجهة مجددا، وطغت على الجدل بشأن إجراء الانتخابات المعطلة منذ نحو عامين.

وخلال اجتماع موسع عقده رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، بمقر مصرف ليبيا المركزي في طرابلس، ضم كل من رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة، ومحافظ المصرف الصديق الكبير، ورئيس المؤسسة الوطنية للنفط فرحات بن قدارة، بحث الحاضرون تشكيل “لجنة مالية عليا” بمشاركة كل الأطراف في البلاد تشرف على التوزيع العادل للثروة وإيرادات النفط، وفق بيان للرئاسي.

وذكر البيان أن الاجتماع “بحث مشروع المجلس الرئاسي لتنظيم الإنفاق العام وتحديد أولوياته”.

وناقش الاجتماع “سبل تعزيز الشفافية وما يتطلبه ذلك من تشكيل لجنة مالية عليا تشارك في عضويتها كل الأطراف الليبية” بحسب البيان.

ويعزز ذلك الإجراء -وفق البيان- “الثقة ويؤسس لبيئة اقتصادية عادلة مواتية لإجراء انتخابات حرة ونزيهة تحظى بقبول الليبيين كافة”.

ومن جانبها، قالت حكومة الدبيبة، في بيان، إن اللقاء “خصص لمتابعة نتائج اجتماع المجلس الأعلى لشؤون الطاقة واعتماده لخطة المؤسسة الوطنية للنفط، والتي تهدف إلى زيادة الإنتاج وخلق شراكات في مجال الاستكشاف مع الشركات  العالمية ورفع كفاءة العناصر الوطنية بالشركات التابعة”.

وأكد الحضور –وفق البيان- “دعمهم لجهود المؤسسة الوطنية للنفط، مشددين على ضرورة تكاتف جهود مؤسسات الدولة لإنجاح الخطة المعتمدة للمؤسسة”.

كما أكدوا على “ضرورة الإفصاح والشفافية عن كافة الإيرادات النفطية المحصلة والإجراءات التعاقدية المتخذة من قبل المؤسسة بالتعاون مع ديوان المحاسبة والمكتب الاستشاري الدولي المعين من طرفه لمراجعة كافة الإجراءات المالية والفنية بالمؤسسة”.

ويأتي هذا الاجتماع بعد عودة الصراع على الثروة والعائدات النفطية وطريقة تقاسمها إلى الواجهة مؤخرا، وكان آخر المنخرطين القائد العام للجيش الليبي الذي طالب بتشكيل “لجنة مالية عليا” تتولى التوزيع العادل لإيرادات البلاد مانحا مهلة حتى نهاية أغسطس المقبل لإنهاء تلك اللجنة أعمالها.

وخلال لقائه قيادات أمنية في مدينة بنغازي (شرق) قال حفتر، الاثنين “تلقينا مئات المذكرات من مناطق مختلفة من الليبيين يطالبون بتشكيل لجنة عليا للترتيبات المالية لتوزيع الإيرادات بطريقة عادلة بين كافة البلديات”، مؤكدا بأنه سيتم “منح مهلة لإنجاز اللجنة أعمالها نهاية أغسطس القادم”.

ولفت حفتر بأنه في حال تعذر انطلاق عمل اللجنة، فإن الليبيون سيكونون في “الموعد للمطالبة في حقوقهم المشروعة من ثروات النفط”، منوها بأن “القوات المسلحة ستكون على أهبة الاستعداد للقيام بالمهام المنوطة بها في الوقت المحدد”، في إشارة لتدخل محتمل لقواته في موضوع توزيع الثروة النفطية.

وتدار عائدات النفط، المصدر الرئيسي للدخل في ليبيا، من قبل المؤسسة الوطنية للنفط والبنك المركزي الليبي ومقرهما العاصمة طرابلس، حيث يقع مقر حكومة الدبيبة.

ومؤخرا تصاعد الخلافات حول الصرف من إيراد النفط على مناطق ليبيا التي تتصارع فيها حكومة معينة من مجلس النواب برئاسة أسامة حماد مع حكومة الدبيبة على السيطرة على تلك الإيرادات.

وعلى خلفية ذلك الصراع هددت حكومة حماد الأسبوع الماضي وهي مدعومة من حفتر، بأنها ستمنع تدفق النفط والغاز وتوقف تصديرهما باللجوء للقضاء واستصدار أمر بإعلان القوة القاهرة.

ونشب الجدل قبل نحو أسبوعين عندما هدد نواب بإيقاف تصدير النفط وطالبوا بتقسيم الثروة تقسيما عادلا. وتزامن هذا الجدل مع افتتاح الدبيبة بعض المشاريع التنموية، من بينها مركز طبي في مصراتة وحديقة عامة في المدينة، بالإضافة إلى الإعلان عن بدء مشاريع لتعبيد طرقات.

واستفز الإعلان عن تلك المشاريع خصوم الدبيبة، حيث سبق أن أعلن السفير الأميركي ريتشارد نورلاند عقب انتهاء ولاية الدبيبة في ديسمبر 2021 أنه قد اتفق مع محافظ المصرف المركزي الصديق الكبير على صرف ميزانية تسييرية للحكومة تقتصر على المصاريف والرواتب.

وفي رسالة نُشرت نهاية شهر يونيو على حساب السفارة الأميركية على تويتر، حثّ نورلاند الجهات السياسية الليبية على “الكف عن تهديدات الحصار النفطي الذي سيكون ضارًا للغاية بالاقتصاد الليبي وبكل الليبيين”.

وللرد على الشكاوى بشأن تقاسم عائدات النفط، شجع نورلاند على “إنشاء آلية شاملة لإدارة الإيرادات” بطريقة شفافة تحافظ على الطبيعة “غير السياسية” لمؤسسة النفط. وهو اقتراح يطفو على السطح كلما احتدت المعسكرات المتنافسة على حصص عائدات النفط.

لكن تعليقات السفير الأميركي قوبلت بشكل سلبي من قبل الفاعلين السياسيين في شرق البلاد. بما في ذلك أول المعنيين أسامة حماد رئيس الحكومة الموازية الذي “نصح” نورلاند بـ”احترام سيادة القضاء” في ليبيا و “الامتناع عن أي تدخل”.

كما طالب المشير حفتر أمام حشد كبير يمثلهم أبرز قادة قواته العسكريين، من السفراء الغربيين “الابتعاد عن حشر أنوفهم في الشأن الليبي”.

ومنذ مارس 2022 يدور في ليبيا صراع على السلطة التنفيذية بين حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس والتي يرأسها الدبيبة. وتسيطر على العاصمة ومؤسسة النفط والبنك المركزي، والأخرى المكلفة من مجلس النواب والتي يرأسها حماد.

ويعتمد الاقتصاد الليبي بشكل كلي على الصادرات النفطية المقدرة في الفترة الأخيرة بنحو 1.2 مليون برميل يوميا، بينما يذهب أغلب الغاز لإنتاج الطاقة محليا. وتسعى حكومة طرابلس لزيادة إنتاجه، خاصة بعد توقيع اتفاقية مع “إيني” الإيطالية للاستثمار في حقلين بحريين.

وتواجه ليبيا أزمة سياسية منذ العام الماضي عندما رفض البرلمان تفويض حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها برئاسة الدبيبة في طرابلس. وكلف بتشكيل حكومة جديدة لم تتمكن من تولي زمام الأمور في العاصمة، وتم مؤخرا الإطاحة برئيسها فتحي باشاغا، وتعيين حماد خلفا له.

وتعد مسألة التوزيع العادل لإيرادات النفط الليبي إحدى الأزمات في البلاد. حيث تتنازع الحكومة المعينة من مجلس النواب مع حكومة الدبيبة للسيطرة على هذه الإيرادات.

وتستحوذ الحكومة المعينة من مجلس النواب على أكثر من 65 في المئة من إنتاج ليبيا من النفط. وسيكون لأي حظر لتدفق النفط تأثيرات سلبية على الاقتصاد الليبي في ظل وضع معيشي مأزوم لا يحتمل أي أزمات جديدة.

ويرى مراقبون أن عودة الصراع على عائدات النفط ترجع إلى خشية بعض الأطراف وعلى رأسها مجلس النواب من توظيف الدبيبة لتلك العائدات لأغراض انتخابية. حيث أن رئيس حكومة الوحدة الوطنية يتطلع إلى المشاركة في الاستحقاق في حال جرى حسمه.

ويشيع فرض الحصار على النفط في ليبيا منذ انتفاضة 2011 التي دعمها حلف شمال الأطلسي (ناتو)، والتي أدت إلى سنوات من الحرب والفوضى، إذ تقطع الجماعات المحلية والفصائل الرئيسية الإمدادات في إطار التكتيكات السياسية للضغط على الطرف المقابل.

وأنهي آخر حصار كبير قاده الجيش الليبي في العام الماضي عندما عينت حكومة طرابلس رئيسا جديدا للمؤسسة الوطنية للنفط قيل إنه مقرب من قائد الجيش المشير خليفة حفتر.

وترعى الأمم المتحدة حوارا اقتصاديا بين الليبيين بهدف توحيد المؤسسات الاقتصادية المنقسمة وإيجاد خطة للتوزيع العادل لإيرادات النفط التي تعتمد عليها البلاد بشكل كلي في نفقاتها.

وجرى تعطيل تصدير النفط من ليبيا أكثر من مرة منذ عام 2011. حيث تبادر جماعات محلية وفصائل رئيسية إلى قطع الإمدادات في إطار التكتيكات السياسية.

وفي صيف العام الماضي أغلقت حقول وموانئ للنفط في البلاد لمدة 3 أشهر على يد مجموعات قبلية كانت تطالب بتغيير رئيس مؤسسة النفط السابق مصطفى صنع الله.

وتركز الجهود الدبلوماسية الرامية إلى حل دائم للصراع في ليبيا على التحرك نحو انتخابات وطنية، وهو هدف تعلن جميع الأطراف تبنّيه. لكنه تعرض لإحباطات متكررة بسبب خلافات حول قواعد الانتخابات والسيطرة المؤقتة على الحكومة.

تابعونا على
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى