ليبيا.. أطماع تركية خفية للتدخل في الشأن الليبي
إن تركيا تسعى بكل جهدها إلى اقتحام الساحة الليبية سياسيا وعسكريا، بينما يظهر وكأنه تدخل غير مبرر للرئيس رجب طيب أردوغان، غير أنه إذا تمعنا في حجم الأطماع التركية في ليبيا والعوائد الهائلة التي ستعود عليها إذا أعادت إحياءها، تتضح المصالح الاقتصادية التي ستحققها أنقرة من الأموال الليبية.
وقد كشف تقرير لصحيفة ديلي صباح التركية، الاستثمارات التركية الكبيرة في ليبيا، والتي قد بدأت في سبعينيات القرن الماضي، وصلت إلى ذروتها قبل انطلاق الاحتجاجات والأحداث التي أطاحت نظام الزعيم الراحل معمر القذافي، لتتوقف حينها وتكبد المستثمرين الأتراك خسائر فادحة.
وقد كشفت الصحيفة بأن المقاولين الأتراك قد قاموا بتنفيذ العديد من مشاريع البنية التحتية والبناء في ليبيا منذ السبعينيات، حيث كانت الدولة الواقعة في شمال إفريقيا أول سوق خارجي دخله المقاولون الأتراك عام 1972، وذلك من خلال تولي شركة STFA التركية بناء ميناء طرابلس.
وقد أشارت أيضا إلى أنه بعد أحداث 2011، والأزمة التي تلتها والتي مازالت تطارد الليبيين حتى الآن، فقد توقفت جميع المشاريع، كما قد تكبد المقاولون الأتراك خسائر هائلة، وقد تم إحراق مواقع البناء الخاصة بهم، ولم يتمكنوا أيضا من جمع عدد كبير من مستحقاتهم.
ومن جانبه، فقد قال رئيس نقابة المقاولين الأتراك، مدحت ينيغن لوكالة أنباء الأناضول التركية الرسمية: تركت شركاتنا مشاريعها مهجورة في ليبيا واضطر 25 ألف عامل تركي للعودة إلى ديارهم. ومع ذلك، استمرت الشركات التركية في سداد مدفوعاتها بما في ذلك عمولات التأمين وخطابات الاعتماد التي تم الحصول عليها من البنوك الليبية، وصفقات التعاقد من الباطن، ونفقات حفظ الأمن في المواقع، والتعويضات الأخرى.
فيما بلغ إجمالي المبالغ مستحقة القبض للشركات التركية مليار دولار، إضافة إلى 1.7 مليار دولار قيمة خطابات الاعتماد، و1.3 مليار دولار قيمة خسائر المعدات والمخزونات. وقد أكد ينيغن بأن المقاولين الأتراك يواصلون سداد 50 مليون دولار سنويا مقابل خطابات الاعتماد الخاصة بهم، الأمر الذي يضر بأعمالهم.
وقد عادت من جديد الأطماع التركية لوضع يدها على أموال وموارد ليبيا، حتى لو كان ذلك على حساب الأمن والاستقرار، من أجل تعويض هذه الخسائر والحصول على استثمارات جديدة تدر مليارات الدولارات.
إن هذه المحاولات المستميتة للتدخل في الشأن الليبي، تظهر من خلال الدعم الذي يقدمه أردوغان لحكومة فايز السراج في طرابلس، التي تدعمها ميليشيات إرهابية تحارب الجيش الوطني الليبي.
وقد نتج عن هذا التعاون بإبرام الجانبين مذكرتي تفاهم، حيث تتعلق الأولى بتعيين الحدود البحرية، والتي تنتهك سيادة وحقوق دول الجوار، بينما تتعلق الثانية بالجوانب العسكرية والأمنية، والتي تمهد بكل وضوح لوجود تركي عسكري على أراضي ليبيا.
وكشفت أيضا صحيفة ديلي صباح بأن المقاولين الأتراك قد امتلكوا مشاريع في ليبيا تصل قيمتها إلى 28.9 مليار دولار، ولعل هذا هو الهدف الحقيقي وراء الدعم التركي الكبير لحكومة السراج.
وقد وصلت المحادثات التركية الليبية، خلال الأشهر الأخيرة، بشأن الجوانب الاقتصادية إلى ذروتها، قبل أن تعطلها معركة طرابلس والتي أعلنها الجيش الليبي، بهدف استعادة العاصمة من قبضة حكومة السراج والميليشيات الإرهابية الموالية لها.
كما قد أوضحت الصحيفة، بأنه قبل شهر من إعلان الجيش انطلاق معركة تحرير طرابلس، فقد اتفقت مجموعة عمل تركية ليبية لمقاولين، على استكمال المشاريع غير المنتهية للشركات التركية في ليبيا.
وقد وقع أعضاء المجموعة على مذكرة تفاهم، من أجل بدء محادثات بين الشركات وأرباب العمل. كما أشار ينيغن إلى أن مجموعة العمل قد اتفقت على إنشاء اتفاقية خاصة بأطر العمل، لتكون بذلك بمثابة خارطة طريق للتوصل إلى حلول للمشكلات المتعلقة بالاستثمارات التركية في ليبيا.
وقد أضافت أيضا ديلي صباح بأن الاجتماعات قد بدأت بالفعل في أنقرة وطرابلس، غير أن معركة تحرير طرابلس عطلت كل المشاورات، وعرقلت أيضا الأطماع التركية في ليبيا.
وبالرغم من الدور الذي لعبه الجيش الليبي في عرقلة مطامع الأتراك، لكن ينيغن أوضح بأن المقاولين الأتراك قد شاركوا بالفعل في اجتماع بين وزير التجارة التركي روهصار بيكان، ووزير التخطيط الليبي في حكومة السراج، طاهر الجهيمي، في وقت سابق من شهر ديسمبر الجاري. مضيفا بأن السلطات الليبية (يقصد حكومة طرابلس) أكدت أنها ستقوم على الفور بتقييم مقترحنا، وسيتم عقد اجتماع في مطلع العام المقبل بهذا الشأن.
غير أنه يبدو بأن التعاون التركي الليبي، والذي يستغل أموال الليبيين ومواردهم، لم يضع في الحسبان تطورات معركة طرابلس، والتغييرات التي قد تحدث على الأرض حتى ذلك الحين، الأمي الذي قد يبدل جليا قواعد اللعبة.