سياسة

لماذا يعيد حزب الإصلاح جنوب اليمن إلى مربع التوتر؟


تسبّب التصعيد العسكري الذي يقوم به حزب الإصلاح الإخواني في جنوب اليمن، في مزيد من التوتر هناك، فقد شهدت الساحة اليمنية في الآونة الاخيرة قيام الإخوان المسلمين باستفزاز كل القوى المناوئة للحوثيين، والعمل على إشاعة الفوضى وضرب الاستقرار وإعادة عدن إلى مربع التوتر مرّة أخرى.

ويعود تاريخ المناوشات الإخوانية في الجنوب إلى آب (أغسطس) 2019 عندما قامت ميليشيات الإصلاح، والتي ترفع راية الحكومة الشرعية، بالاشتباك مع قوات الحزام الأمني التابعة للمجلس الانتقالي، وأسفرت تلك الاشتباكات عن مقتل مدنيين اثنين وإصابة سبعة أفراد من كلا الطرفين، وحسب شبكة دويتشه فيله (DW) فإنّ “ثمة صراعات داخلية بين قوى ينبغي أن تكون متحالفة في الصراع مع الحوثيين”، في إشارة إلى قيام حزب الإصلاح بتفتيت القوى المناهضة للحوثيين.

وعلى إثر التصعيد العكسري تدخلت المملكة العربية السعودية وحثّت الأطراف على توقيع اتفاق مصالحة بحضور ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، والرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، وولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد، ورئيس المجلس الانتقالي الجنوبي عيدروس الزبيدي، وذلك في الرياض في 5 تشرين الثاني (نوفمبر) 2019.

نص اتفاق الرياض على انسحاب القوات الحكومية، وكذلك مقاتلي المجلس الانتقالي الجنوبي من منطقة عدن، على أن يتم نشر قوات سعودية في المدينة؛ لضمان السلام والأمن فيها، وبالتالي فقد أكد الاتفاق ضرورة وجود القوات السعودية في عدن باعتبارها قوات محايدة، وقد حرص المتفقون على التأكيد على سلامة التراب اليمني، وعلى نبذ التعصب، والعمل على مقاومة الحوثيين، وكذلك الجماعات المتطرفة في اليمن مثل “القاعدة” و”داعش”.

لكن فيما يبدو أنّ هذا الاتفاق وتلك المهمة لم تكن تروق لجماعة الإخوان، فقامت بتحريض من تركيا وقطر، بافتعال المشاكل مع المجلس الانتقالي وقواته، وبدأت التحرشات العسكرية في المنتصف من آذار (مارس) الجاري، إذ حاولت ميليشيات حزب الإصلاح الإخواني السيطرة على مطار عدن تمهيداً لإحكام السيطرة على المدينة، في انتهاك مقصود ومتعمد لمقررات الرياض، ورغبته في الاستئثار بالسلطة، وإقصاء كل الأطراف الأخرى، واللافت أنّ قوات حزب الإصلاح الإخواني تزاحم قوات الانتقالي الجنوبي في الأماكن التي قام بتحريرها، فيما تتجنب مناطق أخرى ذات أهمية إستراتيجية، حيث يعتبر المراقبون أنّ محاولة الإخوان إثارة الفوضى في الجنوب تأتي بهدف السيطرة على مقدراته، بالإضافة إلى تصفية حسابات سياسية مع التحالف العربي، وأيضاً لتوطيد العلاقة مع طهران التي تحاول اختراق الجنوب منذ ما يقرب من عامين عبر جبهة الضالع من دون أن تتمكن من ذلك.

الجدير بالذكر أنّ هذه الاستفزازات، جاءت في الوقت الذي قام “المجلس الانتقالي” بتحرير الكثير من المناطق من أيدي الحوثيين، في حين قام الإخوان بتسليم محافظة الجوف للحوثيين، والتي تتمتع بأهمية استراتيجية كبيرة؛ سواء لمواردها الطبيعية أو لموقعها الاستراتيجي أو أهميتها العسكرية. فبالنسبة إلى مواردها الطبيعية، تحتوي الجوف على احتياطات نفطية معقولة أما جغرافيّاً، فتشترك في حدود مفتوحة إلى الغرب مع محافظتَي صعدة وعمران الخاضعتَين لسيطرة الحوثيين، فضلاً عن متاخمتها للحدود السعودية.

وعسكريّاً، يعني استيلاء الحوثيين عليها تعزيز قدرتهم على تأمين معاقلهم في محافظة صعدة، بالإضافة إلى تأمين سيطرتهم على العاصمة اليمنية صنعاء، وكذلك محافظة عمران، إنّ ترك الإخوان للجوف وهي بكل هذه الأهمية لتسقط في أيدي الحوثيين دون مقاومة هي علامة استفهام كبيرة، لكن الأكبر هل تحولوا للسيطرة على مطار عدن! مما يشي بأنّ ثمة اتفاقاً بين الطرفين، ولا يمكن تصور أن يتم اتفاق ما بين الإخوان المسلمين والحوثيين في اليمن دون وجود رعاية تركية وقطرية وإيرانية.

وقد عكست انتقادات وجهها السفير السعودي في اليمن محمد آل جابر لإجراء مناورات في شقرة، مدى امتعاض الرياض من سلوكات حزب الإصلاح الإخواني، حسب ما جاء في موقع “باب المندب”، فقد شهدت عدن يوم الجمعة 20 آذار (مارس) الجاري، مواجهات وصفتها مصادر محلّية بالمحدودة لكنّها اعتبرتها “عملية اختبار للقوات المدافعة عن المدينة”، محذّرة من نفاد صبر الأهالي والقيادات السياسية والعسكرية تجاه تحرّشات قوات حزب الإصلاح.

وجاء التوقيت غداة قيام قوات تابعة لجماعة الإخوان المسلمين بالتحشيد في شقرة بمحافظة أبين المجاورة لعدن، قريباً من خطوط التماس مع قوات المجلس الانتقالي، وإجرائها مناورات عسكرية هناك اعتُبرت تهديداً مباشراً بإعادة اقتحام عدن، وأثارت تلك التحركات العسكرية حفيظة قيادات بالمجلس الانتقالي، وهدّد نائب رئيس المجلس هاني بن بريك قائد اللواء 39 مدرع العميد عبدالله الصبيحي إن هو أقدم على مهاجمة عدن بـ “أن يدفن حياً”.

يعود تاريخ عداء حزب الإصلاح للجنوب إلى عقود مضت، وفق التقرير الذي أعدته جريدة اليوم الثامن اليمنية، وتحديداً إلى أيام مشاركة الحزب الحكمَ مع علي عبد الله صالح، وأشار التقرير إلى أنّ حزب الإصلاح في هجومه على عدن يحاول التغطية على جرائمه التي جاءت في تقارير منظمة العفو الدولية التي أكدت تورط قيادات إخوانية في ارتكاب جرائم حرب في مدينة تعز، كبرى مدن اليمن الشمالية، من بينها اعتداءات جنسية طالت أطفالاً دون الـ15 من العمر.

وقد أشارت صحيفة “الأيام” اليمنية إلى أنّ خطاب حزب الإصلاح “تكفيري عدائي” تجاه الجنوبيين؛  فقد كانوا يطلقون على الجنوبيين “الماركسيين والكفار”، ومايزال الحزب الإخواني يقدم نفس الخطاب ليبرر التصعيد العسكري مع المجلس الانتقالي الجنوبي، فحسب موقع صحيفة “الأيام”، فإنّ النقيب الإخواني التابع لحزب الإصلاح، عبد الرحمن المصري، صرّح أنّ “الجنوبيين قَتَلة  وقُطّاع طرق وتاركين للصلاة، ولا يمكن أن يدخلوا الجنة التي يريدون دخولها”، ثم تابع المصري مهدداً “إنّ قوات مأرب جاهزة لاجتياح عدن واحتلالها في الاحتفال بذكرى الوحدة اليمنية في 22 أيار (مايو) 2020 في ساحة العروض بخور مكسر”.

من الواضح أنّ الحكومة الشرعية في اليمن وقوات التحالف العربي أصبحتا مخترقتين من قبل جماعة الإخوان المسلمين، التي تحوّلت إلى معول هدم للمجتمع اليمني، وطابور خامس لتركيا وإيران وقطر، في ظل سعيهم للسيطرة على الجنوب ونشر الفوضى وإثارة القلاقل والتوتر.

إنّ حزب الإصلاح الاخواني اليمني لا يتوافق مع حركة المجتمع اليمني المدني؛ فهو يحمل أجندة غير يمنية، وله انتماءات فكرية فوق قُطرية، هذه الأجندة وتلك الحمولة هي التي تجعله يفشل في كل خطواته، كما في مأرب وعدن وتعز، لذا فهم يلجأون للفوضى الأمنية والعسكرية والاضطرابات والاغتيالات والتفجيرات وشق الصف، ومحاربة القوى التي يمكن أن تساعد في مواجهة الحوثيين والقاعدة؛ إن بقاء حزب الإصلاح كمكوّن من مكونات الحكومة الشرعية سيظل شوكة في ظهر اليمنيين.

نقلا عن حفريات

تابعونا على

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى