لماذا نحكم على المشروع التركي في ليبيا بالفشل؟
على غرار الأساليب التي تتبعها القيادة الإيرانية في إدارة صراعاتها في المنطقة عبر الوكلاء وصناعة الميليشيات وفقاً لمرجعيات دينية ومذهبية، يخوض الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، المسكون بهاجس استئناف الخلافة العثمانية، معاركه وصراعاته في المنطقة “مع الكفار ومع المسلمين من المنافسين المحتملين”، فما بين محاولات اختراق دول البلقان الأوروبية، ونصرة الإيغور في الصين والروهينغا في بورما والمسلمين في الصومال، وتشكيل تحالف إسلامي مع ماليزيا وإندونيسيا، جاء التدخل التركي في ليبيا، بالوقوف إلى جانب حكومة تسيطر عليها الميليشيات من داعش والقاعدة وغيرها من الفصائل.
وإذا كان التدخّل التركي في سوريا مرتبطاً بمرجعيات لها علاقة مباشرة بالأمن القومي التركي، وتمكّن الرئيس أردوغان، بتوافقات دولية مع واشنطن وموسكو، من إنجاز هدفه بتخفيف حدة “التهديد” الذي تمثله الفصائل الكردية المسلحة، وأنجز تغييراً ديمغرافياً على طول الحدود التركية مع سوريا، فيما فشل في تحقيق وعوده بالصلاة في المسجد الأموي بدمشق، فإنّ تدخله في ليبيا مختلف، وإن كان لا يتعدى حدود التعامل مع القضية الليبية بوصفها ورقة يمكن أن يتنازل عنها في حال حصل على أي صفقة مقابل ذلك، ويبدو أنّ ثمة مؤشرات كثيرة تدل على أنّ المشروع التركي في ليبيا محكوم عليه بالفشل عاجلاً أم آجلاً، وبصورة أكثر فظاعة من فشله السابق في السودان، وفقاً للمعطيات التالية:
أولاً: إنّ التدخل التركي موضع شكوك لدى الرأي العام والمعارضة التركية، ومقاربات الرئيس أردوغان لم تُقنع هذا الرأي العام الذي يقبل على مضض عودة جثث جنود أتراك وتحمّل كلفة ذلك في حرب سوريا، مقابل حفظ الأمن القومي التركي، لكنّه لن يقبل ذلك في ليبيا، هذا بالإضافة لحالة إدراك في أوساط المعارضة التركية بأنّ هدف أردوغان من التدخّل في ليبيا هو إشغال الجيش التركي المُتهم من أردوغان بـ “الخيانة” والمشاركة بـ”مؤامرة” فتح الله غولن، والتغطية على انشقاقات حزب “العدالة والتنمية” وتراجعه، فضلاً عن الأزمة الاقتصادية وتداعياتها التي تزداد مظاهرها بانخفاض الليرة التركية ومغادرة شركات استثمارية دولية لتركيا.
ثانياً: إذا نجح أردوغان في اللعب على التناقض الأمريكي الروسي في الملف السوري وتهديد أوروبا بورقة اللاجئين السوريين وإعادة إرهابيي داعش لبلدانهم الأوروبية، فمن اللافت اليوم أنّ أوروبا وموسكو وواشنطن، رغم بعض التناقضات، تقف في الصف المعادي لأردوغان ووكلائه في ليبيا؛ فالأطراف الدولية، وإن كانت تُبدي تعاطفاً مع رئيس حكومة الوفاق فايز السراج، إلّا أنّها تفصل بينه وبين الميليشيات التي تشكل جيشه، خاصة وأنّ العامود الفقري لهذه القوات أصبح من مرتزقة من الفصائل السورية “يزيد عددهم عن الـ 10 آلاف مقاتل” تمّ إحضارهم بترتيبات تركية إلى ليبيا، ورغم ما يتردد بأنّ ذلك يجري ضمن صفقة مع روسيا لإفراغ إدلب من الفصائل الإرهابية، إلّا أنّ أوروبا تدرك بأنّ الوجهة التالية لهذه العناصر الإرهابية ستكون أوروبا، التي تعاني من الهجرة غير الشرعية من ليبيا.
ثالثاً: يواجه أردوغان في ليبيا تحالفاً عربياً يضم مصر والسعودية والإمارات، وإلى حدّ ما، الدول العربية في شمال أفريقيا التي تتحفظ على التدخل التركي، ومن الواضح أنّ قرار الدولة المصرية المحكومة بحسابات الأمن القومي المصري لم يصل بعد للخطوة التي ترى فيها أنّ مصلحة مصر تتطلب التدخل عسكرياً بشكل مباشر في ليبيا، خاصة وأنّ موازين القوى العسكرية ما زالت لصالح الجيش الوطني الليبي.
رابعاً: تشير موازين القوة العسكرية بين الطرفين المتحاربين في ليبيا إلى أنّ حكومة الوفاق ليس بإمكانها حسم المعركة مع الجيش الليبي، رغم الدعم العسكري الذي تُقدّمه تركيا للوفاق، بما في ذلك القاذفات والطائرات المسيرة، وسيطرتها فقط على مدينة طرابلس ومساحات محدودة حولها، فيما غالبية الأراضي الليبية تحت سيطرة الجيش الوطني الليبي، بما فيها مناطق في الكفرة، إضافة لامتلاك الجيش الوطني قوات جوية “طائرات ميغ” وبعضها مطورة، لم يتم استخدامها بعد، وفقاً لمصادر عسكرية غربية موثوقة.
وإلى جانب ذلك، تتعدّد المحاور التي تَتَشكل ضد أردوغان لتشمل مصر وقبرص واليونان وغيرها من تحالفات، على خلفية أطماع تركيا شرق المتوسط في مياه إقليمية متنازع عليها بعيدة عن المياه الإقليمية التركية، فيما لن تقف أمريكا وأوروبا موقف المتفرج على الأزمة التي تعيشها تونس بسبب تدخّل أردوغان وتحالفه مع رئيس البرلمان التونسي راشد الغنوشي، الذي ضرب عرض الحائط بالإعلان التونسي باتخاذ موقف الحياد تجاه الأزمة الليبية.
نقلا عن حفريات