سياسة

لماذا محمد بن زايد؟


قبل سنوات كنت ضمن مجموعة من الإعلاميين تمت دعوتهم لمجلس الشيخ محمد بن زايد الرمضاني.

وكانت أول مرة أقابل فيها الشيخ محمد وجها لوجه، وقفنا أمام رجل كبير تعيش هموم الأمة والإنسانية بين خافقيه، ويتنفس عقلا وأريحية وعملا دؤوبا للرقي بالإنسان حيث هو، والمسلم خصوصا عن طريق تصحيح فهم الخطاب الإسلامي، وتنقيته من الفهم الخاطئ الذي يقصي الآخر، ويشوه الدين.

بعد الإفطار وقف الرجل متحدثا أمامنا، إذ أشاد بدور الإعلام في تقديم الصورة الصحيحة للوقائع وصانعيها، وعبر عن أسفه الشديد لما لحق بالدين الإسلامي الحنيف من ضرر بسبب الجماعات الإرهابية، مؤكدا أن لكل واحد منا دورا في مكافحة الإرهاب وتجفيف منابعه، مضيفا في حديث حصيف وواع أن الإرهاب يمول من كل واحد منا دون أن يدري حيث التبرع الخيري لجمعيات ظاهرها إنساني وباطنها تمويل الإرهاب. 

شدني في الرجل أنه يتكلم بحرقة وصدق عن حال الأمة، وهو في بلد آمن متطور.. لكن لسان حاله كان عراقيا وسوريا وليبيا، يحس بواقع إخوته في الدول التي كان الإرهاب يعلن فيها دولته العبثية، ويعيث فيها فسادا. لهجة الرجل المؤمن بنفسه وبلده وأمته تكفلت بقطع الشك باليقين، حيث أكد مستعينا ومستلهما عبر التاريخ أن كل ذلك سينتهي وسينتصر صوت العقل ونبذ التطرف والإرهاب، ويسلم ديننا الحنيف ممن حاولوا تدنيسه وربطه بالإرهاب وسفك الدماء. 

خلال الأسبوع الماضي كان هناك حدثان فارقان في مكافحة الإرهاب الأول زيارة قداسة البابا لمدينة الموصل العراقية وهي التي عاثت فيها يد الإرهاب مقدمة نموذجا ظلاميا لا ينتمي للإسلام بحال، والثاني جلسة البرلمان الليبي في مدينة سرت التي صال فيها الإرهاب وجال.

لم يكن لهاتين المدينتين أن تحتضن هذين الحدثين الهامين لولا تضحيات جسام تمت في العراق وليبيا وبمساعدة الأشقاء في محور الاعتدال العربي وعلى رأسهم الإمارات.

يحمل الحدثان رمزية خاصة: ففي الموصل السلام والتآخي الإنساني والتعايش بين الأديان، وفي سرت الليبية الاعتصام بحبل واحد ولم الشمل والتسامح والترفع عن الأخطاء والاحقاد.

واشتركت المدينتان في نبذ العنف والتطرف وتجفيف منابع الإرهاب.

اللافت أن جميع هذه الصفات ذكرها الشيخ محمد بن زايد في حديثه أمامنا.

يعلم المتابع أن دولة الإمارات شهدت خلال السنوات الأخيرة إنجازات كبيرة قد لا تتناسب مع حجم وعمر الدولة حسب المعادلة العادية التي تنمو بها الدول في القرن الحادي والعشرين، حيث استطاعت القيادة الإماراتية إنجاز الكثير، مراعية التوازي بين القوتين الناعمة والخشنة.. يصعب سرد ذلك في أسطر محدودة، لكن أستعرض هنا نماذج بارزة منه، والمثال لا يقتضي الحصر.

علميا نجحت الإمارات في إنشاء محطة للطاقة النووية السلمية، وأطلقت مسبار الأمل للمريخ، وأرسلت أحد أبنائها في مهمة استكشافية للفضاء، وأسست أول جامعة للذكاء الاصطناعي، وأطلقت أقمارا اصطناعية إلى غير ذلك من الإنجازات العلمية الكثيرة. 

عسكريا أصبح جيشها من بين أفضل جيوش المنطقة، كما أسست واحدة من كبريات شركات صناعة السلاح في العالم.. آمنت الإمارات أن السلم مهم، لكن القوة التي تدعم السلم ضرورية وواجبة في ظل تنمر قوى الظلام.

فكريا أسست مجلس حكماء المسلمين، ومنتدى تعزيز السلم والمجلس العالمي للمجتمعات المسلمة ومركز هداية ومركز صواب وجامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية.. جميع تلك المؤسسات تعمل على نبذ العنف والتطرف، ونشر رسالة السلم والسلام في العالم.

كما وقعت الإمارات وثيقة الأخوة الإنسانية وميثاق حلف الفضول الجديد..

كل هذه المؤسسات والمبادرات خلقت صدى، ومكنت من تقديم الصورة الحقيقية للإسلام لعدد كبير ممن كانوا يفهمونها مغلوطة ومضللة.

دبلوماسيا أصبح جواز السفر الإماراتي من أقوى جوازات السفر عالميا، كما وقعت اتفاقا للسلام مع إسرائيل، وهو الاتفاق التاريخي الذي كسر جبالا من الجليد كانت تحوم بين اليهود والعرب، وساهم في دعم الموقف الفلسطيني، ومكن من وقف برامج استيطان كانت إسرائيل تنوي القيام بها، وهو خطوة ستقدرها الأجيال حق قدرها.

ثم جاءت جائحة كورونا التي لم يكن العالم على موعد معها، فكانت الإمارات في الموعد مع قدرها التاريخي في مساعدة الجميع، فمدت يد العون لـ129 دولة وساعدت دولا كثيرة في الحصول على اللقاح.. ضمدت الإمارات الجراح ومحت الآلام دون من ولا أذى على نفس المنهج الذي رسمه الشيخ زايد.

جميع تلك الإنجازات وغيرها الكثير والكثير التي تمت بهدوء ودون ضجيج تعكس إرادة الشيخ محمد بن زايد التي استثمرت في الإنسان، كما تعكس توحد البيت الداخلي للمجتمع الإماراتي، والتفافه حول قيادته حيث لا يمكن لقيادة سياسية في العالم أن تنجز هذا العمل دون أن تستمد قوتها من الشعب.

وكما أقول دائما العلاقة بين الحاكم والمحكوم في دولة الإمارات تحكمها خصوصية فريدة من نوعها، فهي أشبه بعلاقة الأب بابنه، لذلك الجميع يسمي نفسه عيال زايد والأب الوحيد للمجتمع والدولة هو الشيخ زايد.

الشيخ محمد بن زايد نموذج فريد من قادة الأمة، ومثال للرجل الذي يعمل بصمت، وفق رؤية واضحة، تؤمن أن المآثر تبقى وأن على هذه الأرض ما يستحق الحياة، وأن الإنسان هو رأسمال أي تقدم حقيقي وأن هذا الإنسان يجب أن يكون قويا بقيمه وعلمه وفكره، متسامحا متعايشا مع مقاسميه هذا الفضاء الكوني، يحمل رسالة تعمير وبناء وإخاء، يحارب باستماتة عوامل الهدم ومعاول التخريب والبغضاء. 

حفظ الله الشيخ محمد بن زايد الرجل الاستثنائي في الزمن الاستثنائي.

كل عام وأنت بألف خير وعافية. وكل عام وعيال زايد يرتقون في سلم الإنجاز الحضاري والانحياز الواعي للقيم الجامعة للإنسانية.

تابعونا على

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى