سياسة

لماذا لا تتحمل ألمانيا خسارة المغرب؟


تصاعد الخلاف بين المغرب وألمانيا إلى درجة صعبة لأسباب تتعلق في أحيان بـ”التجسس” لكنها أعمق وأشد وطأة، وتحمل عواقب وخيمة على برلين.

ولا يقف الأمر عند التوترات الدبلوماسية، إذ تأثر عمل الجمعية الألمانية للتعاون الدولي التي تخدم لصالح برلين في المغرب، واقترب من التوقف بشكل كامل، وفق ما نقلته صحيفة دي فيلت الألمانية عن متحدث باسم الجمعية.

ومنذ سنوات، تنفذ الجمعية الألمانية 50 مشروعا بتكلفة 227 مليون يورو في المغرب في مجالات البيئة والمناخ والتنمية الاقتصادية.

وبالإضافة إلى ذلك، تقلصت أنشطة المؤسسات الحزبية الألمانية في المغرب إلى الحد الأدنى منذ بداية الأزمة بين البلدين، وتوقفت تماما في بعض الحالات، وفق المصدر ذاته.

ويعاني معهد جوته للثقافة وتدريس اللغة الألمانية من مشاكل عدة، وعلقت الشهادات ونماذج الامتحانات في الجمارك المغربية منذ 21 يناير/ كانون ثاني الماضي، وبدونها لن يتمكن المعهد من إجراء اختبارات اللغة الألمانية المعتمدة في الفترة المقبلة.

ووفق دي فيلت، فإن جميع المنظمات الألمانية العاملة في المغرب أعلنت حالة الطوارئ منذ مارس/ آذار الماضي، بعد إعلان الرباط وقف جميع الاتصالات والمعاملات الرسمية مع السفارة الألمانية والمؤسسات المرتبطة بها.

ورغم مرور شهرين على الأزمة، لا يرى مراقبون حلا في الأفق، بل تسير الأمور نحو التفاقم، خاصة بعد استدعاء المغرب سفيرته من برلين.

وقالت الرباط في بيان رسمي مؤخرا إن أسباب الأزمة هو “تزايد الأعمال العدائية من قبل ألمانيا”، و”تعارض التصرفات الألمانية مع مصالح المملكة”.

ووفق دي فيلت، فإن اتهامات من قبيل “التجسس” و”تقويض سياسات المملكة” ضمن أسباب الأزمة المتزايدة في العلاقات مع ألمانيا.

تراجع غير مسبوق

وقالت دي فيلت إن “العلاقات الألمانية وصلت إلى نقطة تراجع غير مسبوقة، وباتت الشراكة الوثيقة بين البلدين مهددة”.

وتابعت “يبدو للوهلة الأولى أن النزاع الحالي بين البلدين يمكن أن يحمل عواقب وخيمة، فقبل كل شيء، المغرب هو حارس الحدود الخارجية لأوروبا، ويمنع آلاف المهاجرين من العبور إلى إسبانيا”.

ومضت قائلة “كما أن المغرب حليف موثوق به للغرب في الحرب ضد الإرهاب الدولي، وسبق للرباط أن قدمت معلومات في عدة مناسبات أدت إلى إحباط هجمات في أوروبا”.

وبالإضافة إلى ذلك، تلعب الرباط دورا اقتصاديا وسياسيا رائدا في القارة الأفريقية.

ويقول أندرياس فينزل، عضو غرفة التجارة الألمانية في المغرب في تصريحات صحفية “التطور الأخير في علاقات البلدين عار”.

وأضاف “تطور المغرب في السنوات العشر الماضية يمثل قصة نجاح استفادت منها الشركات الألمانية”، مضيفا “المغرب موقع شهير للشركات الألمانية التي تغادر آسيا بشكل متزايد وتبحث عن بدائل”.

ومضى قائلا “موردو السيارات الألمان البالغ عددهم 30 شركة في المغرب، يعتبرون السوق المغربي مهم للغاية”.

لكنه استدرك وقال “حتى الآن، الأزمة بين البلدين تحمل تأثيرا طفيفا في العلاقات التجارية، لكن من يدري ماذا يمكن أن يحدث إذا تطورت الأمور للأسوأ”.

ويتهم المغرب السلطات الألمانية بتسريب معلومات حساسة عن الرباط إلى المتطرف حاجب الذي يروج لبروباجندا معادية للمملكة على الإنترنت.

السبب الثاني في الخلاف بين برلين والرباط، يتمثل في تجاهل ألمانيا دور المغرب في تحقيق السلام في ليبيا، إذ لم تدع الحكومة الألمانية ممثلي نظيرتها المغربية إلى مؤتمر برلين حول الأوضاع الليبية العام الماضي، رغم أن الرباط نظمت جولات محادثات بين الفرقاء الليبيين كانت فارقة في مسار التسوية.

أما السبب الثالث والأهم في الخلاف، فيتمثل في ملف الصحراء المغربية، إذ اعترفت الولايات المتحدة وفرنسا بسيادة الرباط على هذه المنطقة، فيما تصر ألمانيا على عرقلة سياسة المغرب في هذا الصدد، وتطالب بحل أممي لقضية الصحراء.

المغرب في موقع قوة

لكن ما لا تعترف به ألمانيا أن المغرب في موقع قوة في مواجهة برلين والاتحاد الأوروبي، فبدون التدخل المغربي سينتهي الأمر بعشرات الآلاف من المهاجرين غير الشرعيين في قلب أوروبا شهرا بعد شهر.

كما أن ميناء طنجة على البحر المتوسط هو محور نقل البضائع في أفريقيا، وينافس ميناء الجزيرة الخضراء الإسباني في هذا الصدد، ما يجعل الرباط بالغة الأهمية من الناحية التجارية لأوروبا وألمانيا على وجه الخصوص.

وفي هذا الإطار، يقول عضو غرفة التجارة الألمانية في المغرب “السياسة ليست من شأني، لكن ما تعلمته في الخارج هو ضرورة التواصل بصراحة ومرونة وبدون مواقف جامدة مع الطرف الآخر”.

وتابع “آمل أن تعود العلاقات المغربية الألمانية إلى طبيعتها قريبا”، مضيفا “المغرب له مستقبل كبير والتعاون بين البلدين في مجالات الطاقة الشمسية والهيدروجين الأخضر مهم”.

ومضى قائلا “طالما الحكومة الألمانية لا تتحرك “لاحتواء الموقف”، فإن العجلات ستبقى ثابتة”، في إشارة لاستمرار الأزمة.

تابعونا على

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى