سياسة

لماذا تسعى تركيا لتكرار نهجها “الليبي” في اليمن.. وما دور حزب الإصلاح؟


في تطور لافت لسلسلة التدخلات التركية في المنطقة، تجاوزت مساعدات أنقرة لجناح الإخوان في اليمن (حزب الإصلاح) مرحلة التمويل المادي، إلى إرسال ضباط دخلوا بشكلٍ سري لمساعدة ميليشيات إخوانية تنتشر وتنشط في محافظات تعز ومأرب وشبوة وأجزاء من محافظة أبين، تحت الغطاء الإنساني، وبهويات بديلة تخفي هوياتهم الأصلية وأسماءهم، وتسهّل لهم الوصول من دون لفت الأنظار، والهدف هو السيطرة على منطقة باب المندب، وإيجاد قدم لها في تلك المنطقة المهمة.

يؤكد ما سبق مصادر ووثائق حصلت عليها صحيفة “الأيام” اليمنية ضمن تقرير نشرته بتاريخ 12 شباط (فبراير) الماضي تقارير إعلامية ودراسات منها؛ ما كتب في دراسة تحت عنوان (استراتيجية المضيق: هرمز وباب المندب) للكاتب إليونورا أردمان، أكّد أنّ وزارة الدفاع اليمنية -عبر رئاسة هيئة الأركان العامة دائرة العمليات الحربية مركز القيادة والسيطرة الرئيسي- أصدرت بلاغاً عملياتياً بتاريخ 16 كانون الثاني (يناير) 2020 إلى عمليات المناطق العسكرية الأولى والثانية والثالثة تطالب فيه بـ”تأمين وفد تركي استقدمته مؤسسة استجابة للأعمال الإنسانية والإغاثية من منفذ شحن”.

بحسب التقرير فإنّ الإخوان بإيعاز تركي يرفضون العمل بآليات تنفيذ اتفاق الرياض، ويصرون على البقاء في محافظة شبوة للاستفادة من شريطها الساحلي الذي يخططون لاستقبال الدعم التركي من خلاله، ولذلك يرون أنّ الاتفاق يجهض مخططهم هذا، كونه يجبرهم على الانسحاب إلى محافظة مأرب المعزولة عن الشريط الساحلي.

وسبق أن أوردت الصحيفة بتاريخ 12 آب (أغسطس) 2019 أنّه يتواجد نحو 28 ضابطاً تركياً في محافظة مأرب، 16 ضابطاً منهم دخلوا المحافظة في العام 2017، وجاؤوا بصفة إنسانية ضمن موظفي الهلال الأحمر التركي الذي افتتح له مقراً في المدينة شرقي اليمن، وكان بمثابة مكانٍ يعقد فيه اللقاءات والاجتماعات والتشاور مع قادة عسكريين يتبعون لحزب الإصلاح، وظل هؤلاء القادة الذين من بينهم ضباط في وزارة الدفاع اليمنية يترددون على المقر المحاط بحماية أمنية مشددة بشكل مستمر، والبعض منهم تحصّلوا على جوازات سفر يمنية وبأسماء مستعارة تم استصدارها بشكل غير قانوني من مقري الجوازات اليمنية بمحافظتي مأرب وتعز عن طريق تدابير نفّذها جهازا الأمن السياسي الخاضعان لنفوذ حزب الإصلاح الإخواني، ودخلوا اليمن على أنّهم يمنيون عبر منفذ صرفيت في محافظة المهرة جنوب شرقي البلاد.

أهداف استراتيجية في المندب

في 13 من كانون الأول (ديسمبر) العام 2019 سُرّبت وثيقة صادرة عن وزارة الداخلية اليمنية التي يديرها أحمد الميسيري، المدين بولائه للإخوان، تطالب المعنيين بمنفذ صرفيت بالسماح لـ4 أتراك بالدخول إلى اليمن، رغم أنّهم لا يحملون تأشيرات دخول تخوّل لهم المرور إلى الأراضي اليمنية، لكن تم إدخالهم بواسطة أذرع الإخوان في مصلحة الهجرة والجوازات بوزارة الداخلية.

وبحسب صحيفة “اليوم السابع” المصرية فإنّه يتواجد نحو 28 ضابطاً تركياً في محافظة مأرب، 16 ضابطاً منهم دخلوا المحافظة في العام 2017، وجاؤوا بصفة إنسانية.

في هذا السياق، يقول الباحث المختص في الشأن اليمني، محمود جابر، في حديثه لـ حفريات إنّ “حزب الإصلاح الإخواني لعب في اليمن على محورين مختلفين متناقضين متحاربين؛ محور التحالف عن طريق ما يسمّون “الحمائم”، في الوقت الذي لعب “الصقور”، بقيادة عبد الملك المخلافي، دور محاولة تكوين تحالف آخر، يضمّ قطر وتركيا وربما إيران، ومعهم الجماعات المتشددة الأخرى، وهم بهذا، وعن طريق بيانات عدد من المنظمات الحقوقية، حاولوا الابتزاز، وفي الآونة الأخيرة دخلت تركيا إلى تعز ومأرب بمعاونة إخوانية لتقوم بخلط الأوراق بالكامل، في محاولة أن تكون لاعباً داخل اليمن، يلعب لصالح تيار الإسلام السياسي، في مواجهة التحالف العربي”.

من جانبه، يرى الباحث المصري، المختص في الشؤون العربية سمير راغب، في تصريح لــ حفريات أنّ “أهداف أردوغان الاستراتيجية من استعمال حزب الإصلاح في اليمن محاولة الوصول لحكم متطرف إخواني يتحكم بباب المندب وممراته المائية لصالح الدولة التركية، التي تحاول خلق موانئ لها مطلة على البحار كما جرى في سواكن قبل سقوط حكم البشير، وفي الصومال، التي زارها أردوغان بنفسه، وفي طرابلس بليبيا، وأخيراً باليمن”.

ونقلت وكالة “سبوتنيك” الروسية أنّ سياسيين وإعلاميين يمنيين توافدوا على إسطنبول، من بينهم مسؤولون في الحكومة عرفوا بمواقفهم المعادية للتحالف العربي، للمشاركة في مشاورات سرية للإعلان عن تحالف سياسي وإعلامي يمني يضم شخصيات من تيارات شتى محسوبة على قطر تسعى لتنظيم صفوفها في مواجهة التحالف العربي خلال الفترة المقبلة، والسيطرة على موانئ بمنطقة القرن الأفريقي، تشرف على بحر العرب والبحر الأحمر والمحيط الهندي، تمثل فيما بعد نقطة الانطلاق من المياه إلى البر، وصولا إلى قلب أفريقيا”.

ونقلت الوكالة عن خبراء قولهم إنّ السياسة الخارجية التركية أخذت في الاهتمام بأفريقيا منذ العام 2009، ويعد أحد الشواهد على ذلك وصول عدد السفارات التركية في هذه القارة إلى 41، بعد أن كانت 13 سفارة فقط، وإنها تحاول من خلال قاعدتها العسكرية في الصومال إيجاد موضع قدم لها في معادلة القرن الأفريقي من أجل بسط نفوذها على مضيق باب المندب.

خطة ابتزاز
كشفت صحيفة “العرب” اللندنية خطة لتكتل سياسي مزمع تشكيله لابتزاز التحالف العربي والتلويح بورقة طلب التدخل التركي في الملف اليمني على غرار ما شهدته سوريا وليبيا.

وقالت الصحيفة إنّه مع بداية العام 2015 وعقب تحرير عدن دخل فرع الإخوان اليمني بقوة في محاولة إخضاع المدينة لسيطرتهم عبر أذرعهم الإرهابية داعش والقاعدة، ولمّا فشلوا تحركوا عبر أذرعهم في تعز ومأرب في مخطط يقضي بإيجاد منطقة نفوذ على الشريط الساحلي من بحر العرب، مروراً بباب المندب وحتى الحديدة، لتتمكن تركيا من السيطرة المُطلقة على طرفي المنطقة الجغرافية المتمثلة بالقرن الأفريقي والسواحل الجنوبية العربية، وبذلك تضع أنقرة يدها على باب المندب وجنوب البحر الأحمر.

وفي هذا السياق، أُعلن في إسطنبول عن إطلاق قناة جديدة تحت عنوان “المهرية” تهدف لمواجهة تواجد التحالف العربي في محافظتي المهرة وسقطرى، واستهدافه والتشكيك بدوره في اليمن، وتعد القناة امتداداً لنشاط ما بات يعرف بخلية مسقط التي تضم سياسيين وإعلاميين يمنيين معروفين بهذه التوجهات.

وفق هذه المعطيات والمؤشرات فإنّ الخطة التركية الإخوانية باليمن اعتمدت على محور خارجي وآخر داخلي؛ الأول ستقوم به أنقرة عن طريق توفير ملاذات آمنة للكثير من رموز التشدد من إخوان اليمن والمطلوبين أمنياً على خلفية قضايا سياسية، مثل منفذي تفجير مسجد دار الرئاسة الذي استهدف الرئيس السابق علي عبدالله صالح وأركان حكمه في العام 2011، إضافة إلى استقبال شخصيات مدرجة على قوائم الإرهاب الصادرة عن وزارة الخزانة الأمريكية، وبعض القيادات اليمنية المثيرة للجدل على خلفية علاقتها بجبهة النصرة والجماعات المسلحة في سوريا، وكذلك تمويل واحتضان قنوات إعلامية تستهدف دول التحالف العربي مثل بلقيس ويمن شباب والمهرية.

وأما المحور الثاني فهو أن يظل حزب الإصلاح الإخواني يناور لإخفاء تحركاته الداخلية التي تستقطب شخصيات سياسية موجودة في الحكومة اليمنية الشرعية، كي توفر منصة “شرعية” لحضورها في مضمار اليمن كندّ لدول التحالف العربي، من أجل خلق نفوذ أو موطئ قدم، على الضفة الشرقية للبحر الأحمر وباب المندب على المدى البعيد، حتى وإن كان ذلك بالوكالة، وبالتالي تراهن تركيا على حزب الإصلاح اليمني.

في هذا السياق، نقلت صحيفة “الجوار” اليمنية عن الكاتب اليمني البارز هاني مسهور وجود صفقة لحزب الإصلاح لتأسيس تحالف قطري تركي إيراني في اليمن، قائلاً: “الجميع يعرف بشأن أطماع أنقرة للسيطرة على المنطقة العربية، رغم ذلك فإنّ هذا الحلم مايزال يسيطر على تفكير القيادة التركية، لدرجة تعمي أعينهم عن مشاهدة المتغيرات التي طرأت”.

كما نقلت عن المحلل السياسي ياسر اليافعي، “ترحيب إخوان اليمن بالتدخل التركي وتفضيلهم مصلحة جماعة الإخوان على مصلحة بلدهم وشعبهم”، مشيراً إلى أنّهم “يتحركون ضمن مشروع إقليمي يستهدف فرض السيطرة على السواحل والمنافذ البحرية، ورأى أنّ تلك التحركات تسير نحو مواجهة مفصلية معهم”.

من جهته، يشير الباحث محمود جابر إلى أنّ حزب الإصلاح مع دخول العام 2020 بات “يفرض سيطرته على أجزاء متداخلة من الأراضي اليمنية، أجزاء واسعة من محافظات مأرب والجوف وتعز والبيضاء، ضمن توافقات مع “الحوثيين”، إضافة إلى وادي حضرموت، لا تمكّنهم فقط من فرض سيطرتهم العسكرية على محافظتي شبوة وأبين الجنوبيتين، لكن تمكن الأتراك من دخول الملف اليمني بقوة”.

ويستذكر جابر موقف حزب الإصلاح عندما ساندت القوات الإماراتية ألوية العمالقة الجنوبية في عمليات تحرير الساحل الغربي اليمنية، وصعّد الحملة الإعلامية المناهضة لها، وتموضعت قوات حزب الإصلاح في تعز، ورفضت التحرك لمساندة القوات التي حرّرت مئات الكيلومترات حتى وصلت إلى مطار الحديدة، “لم يكن ذلك من فراغ، بل هو تكتيك مرسوم يهدف لعدم إتمام تحرير الحديدة، فهي تظل نقطة أخرى مطلوبة للتواجد التركي في جنوب البحر الأحمر لتعزيز القاعدة التركية المقابلة لها في الأراضي الصومالية، إلا أنّ ذلك سيفشل لا محالة بوحدة الشعب اليمني ووعيه بالمتآمرين”.

نقلا عن حفريات

تابعونا على

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى